تشهد العلاقات بين فنزويلا والولايات المتحدة تصعيدًا ملحوظًا في الأسابيع الأخيرة، وسط تحركات عسكرية أمريكية قرب السواحل الفنزويلية واتهامات رسمية من كاراكاس بوصفها بـ الاستفزاز العدائي، وصول السفينة الحربية USS Gravely إلى ترينيداد وتوباجو أثار مخاوف من أن أي حادث صغير قد يتحول إلى مواجهة مسلحة، خاصة مع تصريحات بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي الذين أشاروا إلى أن مادورو قد يكون في مرمى العمليات القادمة، وهو ما يزيد الضغط السياسي والدبلوماسي على الحكومة الفنزويلية.
اتخذت الحكومة الفنزويلية، بقيادة الرئيس نيكولاس مادورو، اتخذت خطوات لتعزيز سيطرتها على الوضع، متهمة واشنطن بمحاولة خلق أحداث مزيفة لتبرير أي تدخل عسكري، وحذر وزير الدفاع الفنزويلي، فلاديمير بادرينو لوبيز، من أن أي تحرك أمريكي سيواجه باليقظة الكاملة للقوات المسلحة الفنزويلية، مؤكدًا استعداد البلاد للتصدي لأي تهديد.
من جانبها، دعت نائبة الرئيس دلسي رودريجيز إلى الحذر من تمارين عسكرية خطيرة تجريها ترينيداد وتوباغو بالتنسيق مع القيادة الأمريكية الجنوبية، واصفة ذلك بمحاولة لتحويل الكاريبي إلى مساحة للصراع والسيطرة الأمريكية.
تضاف إلى التوترات العسكرية الضغوط الاقتصادية. العقوبات الأمريكية على قطاع النفط في فنزويلا تستهدف إضعاف الحكومة وزيادة الضغط على مادورو. ومع ذلك، نجحت كاراكاس جزئيًا في تجاوز هذه العقوبات من خلال بيع النفط مقابل العملات المشفرة والتعامل مع الصين، ما أتاح لها الحفاظ على إيرادات محدودة واستمرار التمويل الحكومي، رغم أن هذه الخطوات لم تمنع الانكماش الاقتصادي المستمر والتضخم المتزايد الذي يضغط على المواطنين.
وحذر الخبراء من أن النفط يمثل عاملًا استراتيجيًا رئيسيًا في الأزمة، احتياطيات فنزويلا الضخمة تجعلها نقطة اهتمام أمريكية من منظور جيوسياسي واقتصادي، بينما تحاول الحكومة الفنزويلية استخدام الموارد النفطية كوسيلة ضغط واستمرار في السيطرة على الاقتصاد. إلى جانب ذلك، التوسع في استخدام العملات المشفرة أتاح لمادورو إدارة جزء كبير من الإيرادات الحكومية خارج نطاق العقوبات التقليدية، مما عزز قدرته على الصمود السياسي رغم الضغوط الاقتصادية الخارجية.
من ناحية دولية، دعت بعض الدول الإقليمية، أبرزها البرازيل بقيادة الرئيس لولا دا سيلفا، إلى التوسط بين الطرفين لتخفيف التوتر والحفاظ على السلام في المنطقة. هذه التحركات تشير إلى أن الأزمة ليست محلية فحسب، بل لها انعكاسات إقليمية قد تهدد استقرار الكاريبي وأمريكا الجنوبية، خصوصًا إذا تواصلت الاستعراضات العسكرية الأمريكية أو نشبت أي مواجهة غير متوقعة.
ويحذر الخبراء من أن أي تصعيد قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية محدودة، على الرغم من أن احتمال حرب شاملة ما زال منخفضًا، نظرًا للتكاليف السياسية والدبلوماسية والقدرات الدفاعية لفنزويلا. ومع ذلك، تبقى المخاطر قائمة بسبب المزيج بين الضغط العسكري الأمريكي، العقوبات الاقتصادية، والتحركات الاستراتيجية لمادورو في قطاع النفط والعملات الرقمية، الذي يمثل ساحة للصراع النفوذ والموارد الحيوية.
وتظل المنطقة على صفيح ساخن، مع مراقبة دقيقة من المجتمع الدولي لأي تطورات قد ترفع من احتمال مواجهة مسلحة محدودة، في وقت يشكل النفط والأدوات الاقتصادية الجديدة، مثل العملات المشفرة، محورًا أساسيًا في الصراع القائم بين واشنطن وكاراكاس. الأزمة الراهنة تكشف عن تعقيدات التوازن بين القوة العسكرية والضغط الاقتصادي والدبلوماسية الإقليمية، وهو ما يجعل الكاريبي واحدة من أكثر النقاط حساسية في السياسة الدولية الحالية.