تحتفل الطائفة المارونية في مصر هذا العام بمرور 75 عامًا على تأسيسها، في مناسبة تعكس تاريخًا طويلًا من الحضور الروحي والثقافي والاجتماعي في البلاد. وتعد هذه الذكرى فرصة لتسليط الضوء على الدور الكبير الذي لعبته الطائفة منذ تأسيس إبرشيتها في تعزيز التلاحم الاجتماعي، ودعم التعليم والصحة، وتوثيق التراث الديني والثقافي للموارنة في مصر.
المطران جورج شيحان مطران الكنيسة المارونية قال فى تصريحات خاصة لليوم السابع:"أن الطائفة المارونية بدأت رحلتها في مصر عبر استقطاب أبناء الموارنة وأحفادهم الذين انتقلوا إلى طوائف مسيحية أخرى بسبب ظروف الزواج أو قلة الكنائس المارونية في الدلتا والصعيد. وقال المطران: "هؤلاء جاءوا ليحكوا لنا أحداث وذكريات آبائهم وأجدادهم، وهو ما اعتبرته مرحلة أساسية لتوثيق تاريخ الطائفة وميراثها الثقافي والاجتماعي".
ولتعزيز الهوية الثقافية والإعلامية للطائفة، أسس المطران شيحان المركز الماروني اللبناني للثقافة والإعلام بالقاهرة في مارس 2020، ليكون منبرًا إعلاميًا وثقافيًا يجمع تراث الموارنة من أدباء وصحفيين ومفكرين، ويصدر كتبًا توثق تاريخ الطائفة. ومن بين أبرز هذه الإصدارات، كتاب "أول كنيسة مارونية في مصر" الذي يوثق تاريخ كنيسة البارجة التي كُرست عام 1745 في دمياط، وكتاب "البطريرك الحويك حائك أساسات إبرشية القاهرة المارونية". كما جمع المركز مقالات مي زيادة في الأهرام وأصدرها في كتاب بالتعاون مع مؤسسة الأهرام، ويستمر المركز في إصدار أعمال أخرى تسهم في توثيق التاريخ الثقافي والديني للموارنة في مصر.
وأشار المطران شيحان إلى أن الطائفة المارونية، كونها جزءًا من الكنيسة الكاثوليكية، تخضع لقوانين الكنيسة الكاثوليكية العالمية، إضافة إلى قانون خاص للكنائس الشرقية صادر عن الفاتيكان، ما يوفر إطارًا قانونيًا دقيقًا ينظم الحياة الروحية والاجتماعية لأبناء الطائفة في مصر.
وتتميز الطائفة المارونية بدورها الاجتماعي الكبير في مصر، حيث لها تاريخ طويل في تقديم الخدمات الطبية والتعليمية. وأكد المطران أن الكنيسة المارونية دائمًا ما كانت تواكب الاحتياجات المجتمعية، من خلال إنشاء مدارس ومشافي تقدم خدماتها للفقراء والمحتاجين. وتحدث عن نماذج تاريخية مشهودة، مثل الأب الماروني بطرس ذكره الذي قدم خدماته الطبية أثناء فترة الطاعون في أيام الحملة الفرنسية، ومنسينيور يوحنا طعمة الذي كرمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عيد العلم تقديرًا لإسهاماته المجتمعية.
اليوم، تقدم الطائفة خدماتها عبر مدرستين تديرهما الإبرشية والرهبنة المريمية المارونية، إضافة إلى مستشفى في حي مصر الجديدة، لتشمل الخدمات التعليمية والصحية جوانب عدة، مع التأكيد على أهمية التعليم كركيزة أساسية في تنمية المجتمع وتمكين الشباب.
وحول الوضع السياسي والاجتماعي في مصر، قال المطران شيحان إن الوضع كان صعبًا للغاية خلال فترة حكم الإخوان، معبرًا عن حزنه لما شهدته البلاد من تدهور اجتماعي واقتصادي، مؤكداً أن الموارنة والمجتمع اللبناني كانوا دائمًا معنيين بدعم مصر والحرص على مستقبلها. وأضاف: "كنا نصلي لإنقاذ مصر من هذا الشر، وكانت ثورة 30 يونيو نقطة تحول حقيقية للمضي نحو مصر الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يحظى بتقدير كبير في لبنان وبين المسيحيين في مصر".
وتطرق المطران إلى طموحات الطائفة المستقبلية، مشيرًا إلى مشروع تدشين "بيت الحويك للثقافات والحضارات" في الإسكندرية، وإصدار كتيب يوثق مسار الآباء الموارنة وكنائسهم القديمة في مصر، بهدف تشجيع السياحة الدينية وتعريف الجمهور بالتراث التاريخي والثقافي للطائفة. كما عبر عن أمنيته في تخصيص يوم للاحتفال بالوحدة الوطنية وتعزيز التعايش بين المسيحيين والمسلمين في مصر، مؤكدًا أهمية نشر قيم المحبة والتضامن والتعايش بين جميع مكونات المجتمع.
وأضاف المطران أن الطائفة المارونية تسعى دائمًا إلى توسيع حضورها الثقافي والإعلامي من خلال المركز الماروني اللبناني للثقافة والإعلام، وجمع تراث المطارنة والأدباء والمفكرين من أبناء الطائفة، مع التركيز على نشر المعرفة والوعي بتاريخ الموارنة في مصر وإسهاماتهم في المجتمع.
وبالنسبة للمشاركة المجتمعية، أكد المطران شيحان أن الطائفة المارونية لا تقتصر على الحياة الدينية فقط، بل تلعب دورًا فعالًا في التنمية الاجتماعية والخدمات الإنسانية، من خلال تقديم الدعم الطبي، والمساعدات الغذائية، والتعليمية، بالإضافة إلى ورش عمل تدريبية للشباب والنساء، بهدف تمكينهم اقتصاديًا واجتماعيًا.
تظل الطائفة المارونية في مصر بعد 75 عامًا من تأسيسها نموذجًا حيًا للتعايش الديني والعمل الاجتماعي الفعّال، محافظة على تراثها الروحي والثقافي، وملتزمة بمبادئ خدمة الإنسان والنهوض بالمجتمع، ما يجعلها عنصرًا أساسيًا في نسيج المجتمع المصري. إن ذكرى هذا العام ليست مجرد احتفال بالسنوات الماضية، بل تجديد للعهد على مواصلة العطاء، وتعزيز دور الطائفة في دعم التعليم والصحة والثقافة، ونشر قيم المحبة والتسامح والتعايش بين جميع أبناء الوطن.