كانت الساعة الثانية صباح يوم 24 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1973، حين تلقى الجنرال إبراهام أدان قائد الفرقة المدرعة الإسرائيلية التى تحاصر السويس، رسالة لا سلكية من الجنرال «جونين» قائد القيادة الجنوبية يسأله، إذا كان بمقدوره احتلال السويس خلال ساعتين ونصف الساعة، فى الفترة بين الساعة الرابعة والنصف فجرا وموعد السريان الثانى لوقف إطلاق النار فى السابعة صباحا للحرب الدائرة على الجبهتين المصرية والسورية ضد إسرائيل منذ 6 أكتوبر 1973، حسبما يذكر جمال حماد فى كتابه «المعارك الحربية على الجبهة المصرية».
رد «أدان» بأن هذا يتوقف على عدد المصريين المقاتلين بالمدينة ومدى تصميمهم على القتال، وأنه يستطيع الاستيلاء على جزء من المدينة على أسوأ الفروض، يؤكد «حماد» أن «جونين» تردد قليلا ثم قال: «حسنا إذا كانت بئر السبع فتقدم على الفور، وإذا كانت ستالينجراد فلا تدخلها»، ويوضح «حماد» معنى الرد، فإذا كان الدخول بسهولة استيلاء الإسرائيليين على «بئر السبع» الفلسطينية فى يوم 20 أكتوبر 1948، فإنه يوافق على الهجوم، وإذا كان سيجد مقاومة كتلك التى صادفها الجنرال الألمانى «فون باولوس» عند محاولته اقتحام «ستالينجراد» الروسية عام 1942 فينبغى أن يعدل عن المحاولة.
اعتقد الجنرال آدان أن الأمر سيكون مثل «بئر السبع» فأمر قواته بالهجوم صباح 24 أكتوبر، ويذكر حسين العشى فى كتابه «خفايا حصار السويس، 100 يوم مجهولة فى حرب أكتوبر 1973»: «كانوا لا يتخيلون أن هناك فى السويس من سيحاول إطلاق رصاصة واحدة عليهم، وأن المصريين سيرفعون راية التسليم خوفا وهلعا».
يؤكد «حماد»، أن المدينة سهرت فى انتظار وصول الأعداء، وعندما نادى المؤذن لصلاة الفجر اكتظت المساجد بالناس، وفى مسجد الشهداء بجوار مبنى المحافظة، أمّ المصلين الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الإسلامية، وعقب الصلاة ألقى المحافظ بدوى الخولى كلمة قصيرة، أوضح فيها أن العدو يستعد لدخول المدينة وطالب بالهدوء وضبط الأعصاب، وأن يسهم كل فرد بما يستطيعه، وهتف: «الله أكبر، الله أكبر».
فى الساعة السادسة صباحا بدأت الطائرات الإسرائيلية فى قصف الأحياء لثلاث ساعات متواصلة وبشدة، وفى التاسعة والنصف تقدمت كتيبة مدرعة من لواء العقيد آرييه، وعندما حاولت سرية المقدمة عبور الكوبرى للوصول إلى شارع مصطفى كامل، تصدى لها كمين قوى من رجال القوات المسلحة بصواريخ مضادة للدبابات فأصيبت الدبابة الأولى، وتعطلت فوق الكوبرى الضيق فاستدارت باقى الدبابات إلى الخلف، وفى حوالى الساعة العاشرة صباحا وصلت كتيبة مدرعة من لواء العقيد جابى إلى منطقة المحافظة دون مقاومة، وبعدها بخمسين دقيقة تقدمت كتيبة مدرعة مدعمة بكتيبة مظلات، ووصلت الموجة الأولى إلى ميدان الأربعين.
يذكر «العشى»، أن أبطال المقاومة توقعوا خطة اقتحام السويس، ويكشف جمال حماد أنهم كانوا فى كمائنهم، مشيرا إلى الفعل العظيم لرجال منظمة سيناء العربية، بإطلاق محمود عواد قذيفتين «آر بى جى»، أعقبه إبراهيم سليمان فى كمين آخر بقذيفتين، واحدة أصابت دبابة، والثانية أحرقت عربة فيها مظليين إسرائيليين.
يؤكد العشى: «كانت هذه اللحظات نقطة التحول فى المعركة، ففى الوقت الذى توقفت فيه مدرعات الموجة الأولى بتأثير ضربتىّ «إبراهيم سلميان» خرج آلاف إلى الميدان والشوارع المحيطة بقسم الشرطة يهتفون «الله اكبر، الله أكبر»، وأطلقوا نيران بنادقهم ورشاشاتهم على أطقم الدبابات، بينما ألقى البعض بقنابل يدوية داخل أبراج الدبابات التى أخذت تنفجر، ويشتعل بعضها بالنار حتى تحولت المنطقة إلى قطعة من الجحيم، وقفز الإسرائيليون من الدبابات والعربات المدرعة، وهم فى حالة عارمة من الذعر والارتباك، وأسرعوا فى مجموعات يحتمون بمبانى مجاورة لقسم الشرطة، وحاول بعضهم الدخول إلى سينما رويال ولكنهم ضربوا عند مدخل السينما».
يضيف «حماد» أن حوالى 25 فردا إسرائيليا نجحوا فى دخول قسم شرطة الأربعين، واستطاعوا بنيران رشاشاتهم السيطرة عليه، وكان فى داخله ضباط شرطة وجنود، وتمكن خمسة إسرائيليين من الصعود إلى سطح عمارة مجاورة، وبدأوا فى مواجهة أى محاولة لدخول القسم لتحريره، وبذلت محاولتان بطوليتان من رجال الشرطة لاقتحام القسم، قاد الرائد نبيل شرف الأولى، وقاد النقيب عاصم حمودة أخري، لكنهما استشهدا ومعهما ستة من ضباط الصف والجنود، وفى الساعة الرابعة مساء قررت مجموعة من «إبراهيم سليمان، وأشرف عبد الدايم وفايز أمين وإبراهيم يوسف اقتحام القسم.
تسلق إبراهيم سليمان السور الخلفى حاملا مدفع رشاش فى يده، ولمحه قناص إسرائيلى مختفيا فى الطابق الثانى فأطلق عليه النيران، وسقط شهيدا، وظل جثمانه معلقا على سور القسم حتى فجر اليوم التالي، كما سقط الشهيدان أشرف عبدالدايم وفايز أمين، وأخيرا صعد جنود ورجال المقاومة الشعبية إلى سطح العمارة المجاورة للقسم وتمكنوا من الفتك بالخمسة الإسرائيليين الموجودين عليها.