قالت مجلة إيكونوميست البريطانية إن الصين تفوز فى الحرب التجارية التى شنتها الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن بكين تعلمت التصعيد والرد بنفس الفعالية مثل أمريكا، بل إنها تجرب قواعدها التجارية الخاصة خارج الحدود الإقليمية، مما سيفير مسار الاقتصاد العالمى.
وتذهب إيكونوميست إلى القول بأن ترامب تبنى، ومنذ عودته إلى البيت الأبيض فى يناير الماضى، تبنى موقفاً غامضاً فيما يتعلق بالدفاعى لسياسته تجاه الصين وقضية تايوان. لكنه كان واضحاً فى موقفه من التجارة مع بكين، وهو أن سيصعد حملة الضغط التى بدأها فى ولايته الأولى.
وكان هذا يعنى مزيد من الرسوم الجمركية، والمزيد من الضوابط على تجارة التكنولوجيا الفائقة، والاستخدام الحماسى للعقوبات.
كان هدف إدارة ترامب هو إعاقة قوة التصنيع الصينية العملاقة، وانتزاع تنازلات مالية وتجارية، وإبطاء التطور التكنولوجى للصين. حتى أن البعض فى فريق ترامب حلم بـ "صفقة كبرى" تتعهد فيها الصين بإصلاح رأسمالية الدولة مقابل ألا تخنقها أمريكا.
لكن بعد ستة أشهر من بدء هذه السياسة الأمريكية، تقول إيكونوميست إن الصين تتنفس الصعداء أكثر من أمريكا لثلاثة أسباب.
السبب الأول أن بكين أثبتت قدرتها على الصمود فى وجه الإكراه الأمريكى ومهارتها فى الرد، محققة ما يعرف بـ "الهيمنة التصعيدية". يرى بعض منتقدى ترامب أن السببت فى هذا يعود إلى ما يسمى بسياسة تاكو والتى تعنى ان ترامب يتراجع دائمًا يتراجع. ويعكس هذا قوة الصين الكامنة واستعدادها ومهارتها. أُلغيت رسوم "يوم التحرير" التى فرضها السيد ترامب على الصين فى أبريل بعد تراجع وول ستريت.
ومؤخرًا، بعد أن فرضت الصين قيودًا على صادرات المعادن النادرة المستخدمة فى تصنيع التكنولوجيا العالية، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100%، ثم تراجع مجددًا. وكذلك، فإن تهديداته بشل الصين من خلال حظر شبه كامل تبدو مستحيلة، لأن القيام بذلك سيضر بأمريكا أيضًا. ولفتت المجلة البريطانية إلى أن سوق الأسهم فى الصين شهدت ارتفاعاً هذا العام بنسبة 34% بالدولار، أى ضعف ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500.
كما أن الصين تعلمت الرد بمهارة. فبعد أن فرض ترامب ضريبة على سفن الحاويات الصينية الواصلة إلى الموانئ الأمريكية، ردت بكين برسوم موانئها الخاصة. وهددت الصين بإجراء تحقيقات فى مجال مكافحة الاحتكار للضغط على شركات أمريكية مثل دوبونت وجوجل وإنفيديا وكوالكوم.
كما أن رفضها شراء فول الصويا الأمريكى - الذى يمثل سوقًا بقيمة 12 مليار دولار لمزارعى الغرب الأوسط العام الماضى، وأكبر صادرات أمريكا إلى الصين – يفقد ترامب كتلة مهمة من الناخبين. ورغم أن بعض القيود الأمريكية على الصين لا تزال قائمة، كما هو الحال فى محركات الطائرات مثلاً، إلا أن الرئيس الصينى شى جين بينج سعى جاهدًا لتخليص سلاسل التوريد الصينية من المدخلات الأجنبية، وجعل البلاد لا غنى عنها لسلاسل توريد الآخرين. ورغم أن ترامب يستطيع من الناحية النظرية أن يصعد الرهانات بتقليص وصول الصين إلى النظام المصرفى بالدولار، فإنه لن يفعل ذلك على الارجخ لأن الاضطرابات الناتجة فى الأسواق المالية ستلحق ضررًا بالغًا بأمريكا.
السبب الثانى لنجاح الصين، بحسب إيكونوميست، هو أن الصين تطور، من خلال التجربة والخطأ، مجموعة جديدة من معايير التجارة العالمية. فهى تريد بناء نظام تقوده الصين على أنقاض نظام التجارة الليبرالى القديم، نظام يُنافس إمبراطورية ترامب فى الرسوم الجمركية.
وقد غيرت الصين بالفعل جغرافية تجارتها، ففى العام المنتهى فى سبتمبر، نمت صادراتها من السلع بأكثر من 8%، فى حين انخفضت صادراتها إلى أمريكا بنسبة 27%. وتثير تهديدات الصين بالحد من صادرات المعادن النادرة الخوف لأنها تهيمن على السوق وقد تشل سلاسل توريد الصناعات التحويلية الغربية. لكنها تُعدّ لافتة للنظر أيضًا لأنها تُظهر سعى الصين لفرض نظام تراخيص عالمى. وهذه نسخة أشدّ ضراوة من قواعد اللعبة التى استخدمتها أمريكا للسيطرة على صناعة أشباه الموصلات.
أما السبب الأخير لفوز الصين، وفقا لتقدير المجلة البريطانية، هو أن الحرب التجارية قد عززت الرئيس شى والحزب الشيوعى، وليس العكس. فرغم مشكلات الصين الجسيمة مثل تهور سوق العقارات، وتردد المستهلكين، وخوف رواد الأعمال، وما تسببه سياستها الصناعية من فائض فى الطاقة الإنتاجية وسوء توزيع رأس المال، لكن الكثير من الصينيين يرون أنم ضايقات ترامب تبرر مشروع شى الذى استمر 12 عامًا لإعداد الصين لعالم معادٍ من خلال أن تصبح قوة عظمى تقنية-صناعية.
واجتمعت قيادة الحزب الشيوعى الحاكم هذا الأسبوع لمناقشة خطة خمسية جديدة، والتى من المتوقع أن تعزز نهج شى القومى التقنى.