"الراقصون على أجساد الأسرى" إذلال منظم تحت حماية بن غفير.. سياسة الإهانة والقتل البطيء في السجون الاسرائيلية.. كيف يصنع الاحتلال فرحته من وجوه الموت البطئ؟.. ومراقبون يصفونه بأنه «رقصة بربرية»

الجمعة، 24 أكتوبر 2025 10:55 ص
"الراقصون على أجساد الأسرى" إذلال منظم تحت حماية بن غفير.. سياسة الإهانة والقتل البطيء في السجون الاسرائيلية.. كيف يصنع الاحتلال فرحته من وجوه الموت البطئ؟.. ومراقبون يصفونه بأنه «رقصة بربرية» الاسرى

رامى محيى الدين

في مشهد جديد وصفه مراقبون بأنه «رقصة بربرية على أجساد الأسرى»، ظهر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير وهو يدخل أحد سجون الاحتلال، مهدّداً الأسرى الفلسطينيين ومطالباً بإعدامهم، ما مثّل قفزة نوعية في دائرة الانتهاكات الممنهجة التي تشهدها السجون الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين منذ سنوات.

هذا التحقيق يستعرض امتداد تلك الانتهاكات، ويضعها في سياق سياسي وقانوني، منطقياً وتاريخياً، مع تسليط الضوء على ما حصل “اليوم” — ظهور بن غفير بهذا الشكل — كأحدث حلقة في مسلسل طويل من الإذلال والقمع.

"إنه ليس حادثًا معزولًا… بل سلسلة من الانتهاكات التي تتبع نمطًا واضحًا في المعاملة داخل سجون الاحتلال” — هذا ما خلُص إليه تحقيق حقوقي مستند إلى شهادات ومصادر متعددة.
ظهر بن غفير داخل سجن «نوتشافوت» وهو يوجّه كلاماً حاداً إلى أسرى فلسطينيين، قائلاً بصراحة إنهم لن يحصلوا على “شوكولاتة، مربّى، تلفاز أو راديو”، مضيفًا أن «الشيء الوحيد المتبقي هو قانون الإعدام».
قال بن غفير: «كل أعضاء النخبة (حماس) يجلسون على الأرض كما يجب»، مشيراً إلى أن الأسرى مكبّلون ورؤوسهم منحنية، في مشهد شديد الإهانة والذل.
ردود الفعل الحقوقية والإعلامية جاءت سريعة: وصفت حركة حماس المشهد بأنه تجسيد «لسلوك سادي وفاشي»، مطالبة المجتمع الدولي بـ«فضح هذا الاحتلال النازي».
«نادي الأسير الفلسطيني» وصف ما يحدث بأنه «حرب إبادة» داخل السجون، وأشار إلى أن ما حصل اليوم ليس حادثة منفردة بل جزء من سياسة ممنهَجة.
سياق واسع من الانتهاكات ليس المشهد اليوم منعزلاً، بل جزء من سلسلةٍ متصاعدة من الانتهاكات الموثّقة ضدّ الأسرى الفلسطينيين، منها:

الاكتظاظ الشديد: سياسة “الاكتظاظ” في السجون التي تفوق طاقتها، مما أدى إلى أوضاع معيشية كارثية، مثل نقص الغذاء والماء، وانقطاع الكهرباء، وتقليص وقت استحمام المعتقلين.

التعذيب والإهمال الطبي: تقارير عديدة تتحدث عن ضرب وسجن دون معالجة طبية وكأنّ المعتقلين “منتج إضافي” للانتقام.

الاعتقال الإداري: آلاف الفلسطينيين محتجزون بدون تهمة أو محاكمة، بينهم نساء وأطفال، بحسب تقرير “تضامن”.

التحريض الرسمي والمشاريع التشريعية: مشروع قانون داخل الكنيست الإسرائيلي يسمح بإعدام أسرى فلسطينيين بتهمة “الإرهاب” — ما يعتبر خرقاً للقانون الدولي الإنساني.

4
الأسرى

 

لماذا هذا الأمر يُعدّ “راقصاً على الجسد”؟

لأن العرض لا يكتفي بانتهاك حرمة الإنسان، بل يستغله كوسيلة ترويج سياسي، وساحة انتخابية، ووسيلة تحريض.

لأن الاعتداء ليس فقط فردياً، بل مؤسساتيّ: تشريعاً، تنفيذًا، وتصويراً ليوصل رسالة الرعب.

لأن الهدف لا يقتصر على الاعتقال، بل على الإذلال، وعلى القضاء على الإنسانية، وعلى كسر الروح.

لأن هذا المشهد يُستعرض كدرس “من يخرج للقتل” لا يتوقع معاملة إنسانية — وفق تعبير بن غفير نفسه.

5
أسرى فلسطينيون

 

خلفية وتجليات الحادث المعاصر

كما تمّ التطرّق إليه في تحقيق سابق، ظهر ما يُمكن وصفه بـ «العرض التحقيري» عندما دخل مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إلى أحد مرافق الاعتقال، مخاطبًا الأسرى الفلسطينيين بعبارات حادة، وموضّحًا أن «الشيء الوحيد المتبقي هو قانون الإعدام». يتبدى من المشهد أن الاعتقال لم يعد مقتصراً على الحجز أو وضع اليد، بل يتضمّن إذلالاً علنيًا وتصعيدًا صورياً.

لكن ما جدير بالذكر أن هذا الحادث ليس نقطة مفاجئة بل يتصل بسلسلة من الانتهاكات الموثَّقة، تجمّعها الأطروحة التالية: هناك نظام داخل سجون الاحتلال يتبنى (بحسب شهادات ضحايا وحقوقيين) معاملة ممنهَجة للأسرى الفلسطينيين، تتجاوز مجرد الاعتقال إلى التعذيب، الإهمال الطبي، العزل، التفريغ القانوني، والممارسات الحاطة بالكرامة الإنسانية.

إشارات إلى انتهاكات متعددة ومؤكّد


 

ضرب وتعذيب جماعي

أحد المعتقلين، “صلاح” (اسم مستعار) وصف كيف «لقد بدأوا يضربوننا في عدة غرف دفعة واحدة، باليدين وبالأقدام وبعصي معدنية، وأطلقوا كلابهم علينا».

ذكر أن أحد المعتقلين المصاب بداء السكري كان “يتقيّأ الدم لدرجة أننا كنا نخاف أن يُستشهد من كثرة الدماء”.

الإهمال الطبي المتعمَّد والأوضاع المزرية

تقرير صادر عن Al Mezan Center for Human Rights يقول إن سياسة الإهمال الطبي الممنهَج من جانب مصلحة سجون الاحتلال تسبّب في تفشّي أمراض جلدية كالجرب (scabies) وسط الأسرى، إضافة إلى انتشار العدوى والإصابات دون علاج.

تقرير دولي يُظهر أن “فيما لا يقلّ عن 53 معتقلاً فلسطينياً قد ماتوا داخل مرافق الاعتقال الإسرائيلية” منذ أكتوبر 2023، جراء ظروف احتجاز تُعدّ “تعذيباً أو معاملة وحشية أو مهينة”.

8
جنود الاحتلال

 

تحرّش جنسي، تعرٍّ قسري، عزل وتفريغ قانوني

وثائق حقوقية تشير إلى أن في سجن Sde Teiman detention centre (جنوب إسرائيل) تمّت ممارسات تتضمّن «تعصيّات جنسية» كالاغتصاب من قبل الحراس، وعمليات تعرٍّ جماعي، وتعليق جنسي، بحسب تقرير صحفي.

منظمات دولية أكّدت أن الاعتقال الإداري وسنوات الحبس بلا تهمة أو محاكمة تشكّل “فراغاً قانونياً” يسمح بارتكاب هذه الانتهاكات بلا مساءلة.

7
أحد الأسرى

لماذا يُعدّ هذا نمطًا وليس حادثًا فرديًا؟

هناك تشابه كبير في الأساليب: التقييد الطويل، التعرٍّ، التعطيل الطبي، التجمّع الجماعي للضرب.

هناك تقارير متكرّرة من جهات مستقلة تطالب بالتحقيقات، وتؤكد أن التحقيقات التي تفتحها إسرائيل غالباً لا تؤدي إلى محاسبة جدّية.
الجارديان

هناك إشارات إلى تغيّر في طبيعة التعامل مع الأسرى، خصوصاً بعد 7 أكتوبر 2023، حيث شهدت ظروف الاعتقال تدهوراً أسرع.

9
أسرى

 

تداعيات وأبعاد إنسانية وقانونية

إن فقدان البصر لدى معتقل مثل Mahmoud Abu Foul جراء التعذيب يُعدّ جريمة إنسانية.

الانتهاكات ليست فقط فردية، بل لها آثار مجتمعية: الجسد المهدور يُصبح رسالة، والأسير المُعذّب يتحوّل إلى عنصر في الحملات الدعائية أو النفسيّة.

من الناحية القانونية، فإن ما يحدث يشكّل خرقاً لاتفاقيات مثل اتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكولها الإضافي، وللحقوق المُثبَتة في قوانين حقوق الإنسان.

السياسات الممنهَجة للإهمال الطبي أو التجويع قد تُشكّل تهمة “إبادة اجتماعية” أو “معاملة غير إنسانية” في المحاكم الدولية.

إن ما يُسمّى بــ«الرقص على أجساد الأسرى» ليس فقط استعارة بل وصف لتصاعد واضح في سياسات «الإذلال المُنظّم» داخل سجون الاحتلال. من التقييد والتعرٍّ إلى الإهمال الطبي والحرمان من القانون، تشكّل سلسلة من الانتهاكات التي تستهدف ليس فقط الجسد بل كرامة الإنسان، إذا لم تُستجب الدعوات الدولية بسرعة، وإذا لم تُنفّذ التوصيات، فإن ما يحصل لن يبقى حادثًا منفردًا بل سيُصبح قاعدة تتسع، ويتحوّل الأسرى إلى «أرقام» في سجلات التقصير والتسويف.

إن مشهد بن غفير اليوم ليس منعزلاً، بل تجلٍ ظاهري لعقود من سياسة القمع والتحريض داخل السجون الإسرائيلية. إنه “راقصٌ على أجساد الأسرى” بمعنى أن الاعتقال أصبح عرضاً، والذل مسرحاً، والدمعة مادة تسويقية، والإنسان مجرد رقم في معادلة قمع، وإذا لم تتخذ الجهات الدولية موقفاً صارماً، فلن يُغيّر مشهد اليوم مسار هذا الملف — بل سيصبح قاعدة يُحتذى بها.



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب