اندلع جدل عميق وسطحى ومتداخل ومتقاطع بمناسبة مهرجان الجونة السينمائى، وهو جدل تطايرت فيه «الإفيهات» واشتعلت فيه «الملاسنات» والمعايرات بين الفنان الصاعد، والصحفى الواعد، واختفى الفن وحزنت الصحافة، وسادت «الإطلالة» الجريئة والنظرة الرهيبة، وغطت على السينما، ويبقى «الريد كاربت»، وما تيسر من قفشات أو لقطات الكاميرات الظاهرة والخفية.
وبصراحة.. مجرد انعقاد مهرجان بهذا الحجم فى مدينة ساحلية سياحية مصرية، أمرا جيدا للسياحة، التى قد تتوقف عاما أو أكثر بسبب الحرب فى غزة، وهو يعوض بعض النقص الذى حدث خلال السنوات الأخيرة فى صورة المهرجانات المصرية العريقة، ومع هذا تظل أقل مهرجانات مصر متفوقة على الكثير من مهرجانات المال والاستعراض. ربما يرتاح من يرى مهرجان الجونة حدثا احتفاليا بمسحة فنية يحرص مصمموه ورعاته على أن يبقى أقرب لمهرجان سياحى ترويجى، وتأتى السينما فى المرتبة الثانية أو الثالثة، وتكون الريد كاربت بالإطلالات واللقطات واللفتات لزوم التسويق، وهنا يعتبر نجاحا، لأن الجونة أصبح يجذب أجانب وسياحا، وهو ما يجعله يحقق أهداف أصحابه، وقد عاد ومعه نفس المناقشات والمناوشات، التى لا علاقة لها بالفن أو الصحافة، وإن كانت من صنع «صحفيين»، سواء الصحافة العلنية أو البلوج والصحافة العرفية والسوشيال ميديا التى يديرها «صحفيون» علنا أو من وراء ستار، وهى أمور يعرفها العالمون ببواطن الصحافة، ولا يفترض أن يكون الصحفيون «حساسين» تجاه نقد بعض الظواهر السلبية، ولا يفترض أن يغضبهم انتقاد الأخطاء.
وفى المقابل، هناك خلط لدى بعض المنتمين للفن بين الصحافة والإعلام والسوشيال ميديا أو الصفحات الممولة أو الهادفة للربح، التى تدخل ضمن «البلوج أو الفلوج»، وبعضها منصات تتعاقد مع بعض الفنانين لتنشر أخبارهم و«إطلالاتهم»، كما أن بعض المواقع تتعامل على أنها «صفحات سوشيال»، وتنشر وتكرر ما تنشره البلوجات، وتركز على كل ما هو مثير «شاهد قبل الحذف».
نأتى إلى فقرة الافتتاح التى قدمها الفنان الشاب طه الدسوقى، وهو ممثل جيد، قدم أدوارا حلوة، وما زال فى بداياته، فقرته أعجبت البعض وأغضبت بعض زملاء الصحافة الفنية، الذين اعتبروا انتقاداته انتقاصا، خاصة أنهم دعوا إلى عدم التعميم، وشخصيا لم تعجبنى فقرة المقدمة، رأيتها مصطنعة وفجة، لكنها أعجبت كثيرين، ضمن اختلاف الأمزجة وخلافه، ظهر النجوم وسميح ونجيب ومحمود وكلهم يضحكون بكل انبساط على إفيهات طه الباردة، المهم انبساط نجيب وسميح حتى لو كانت فقرة محشوة بإفيهات سمجة، ومنها كلام طه عن أن الفنان مواطن عادى من حقه أن يعيش أو يحزن أو يفرح أو يكتئب، والذى يشعرنا كأننا أمام نجوم هوليود، بينما عاصرنا نجوما كبارا من كل الأجيال، لم يكونوا بهذا الغرور أو الادعاءات، مثلوا وعاشوا بلا أى ضجيج، وقدموا كثيرا من الأعمال العظيمة، منهم عادل إمام وأحمد زكى ومحمود عبدالعزيز ونور الشريف ومحمود ياسين وحسين فهمى، وحتى محمود حميدة، حسن حسنى، طلعت زكريا، بيومى فواد، يسرا إلهام فاتن معالى.. إلى آخره، كلهم عملوا كثيرا وعاشوا حياتهم ولم يتدخل أحد معهم أو فى حياتهم، وبالتالى فإن ادعاء المحاصرة لممثل فى بداياته مبالغة.
انقسم الصحفيون والإعلاميون وعابرو السبيل بين مؤيد ومعارض لما قاله طه، وقالت رابطة نقاد الفن إن «طه» يخلط بين الصحافة والمواقع أو صفحات السوشيال ميديا والبلوجات والباباراتزى، وصيادى المشاهدات والأرباح، بنشر كل ما هو غريب ومثير من «شاهد طيران فستان الفنانة، النجم يسلم على الفنانة ويبوسها، ونجيب يرقص مع نانسى، ويسرا تضحك لإيناس، وقصة السوستة والشورت والتكشيرة»، طبعا طه دسوقى كان ينطق باسكريبت كتبه فى الغالب صحفى أو معد أو أحد أعضاء اللجنة الإعلامية، وطبعا بعض الكتّاب والنقاد الحاضرين لم يردوا ربما لأنهم ضيوف «معزومين»على حساب المهرجان، وهو أمر يجعل فى فم بعضهم «ماء»، وبالتالى فكل ما يجرى هو صناعة صحفيين.
وخلال الحدث يصعب على المشاهد العثور على أى لقطة فنية أو ندوة أو كلام عن فيلم، وحتى يوسف شاهين يصبح «زرار فى جاكيتة»، والحكايات حوله من النجمات والنجوم تكرار و«إفيهات» خالية من الفن، ووسط «الإطلالات» لا أحد يركز فى الندوات أو المناقشات، التى لا تناسب «الإطلالة»، وتحصل «المناظر» على الاهتمام والتركيز، ثم تأتى فقرة السادة الغاضبين من رعاة الأخلاق، ممن يشاهدون المناظر، ثم يبدأون صب جم غضبيهم على «الانحلال والتسيب» والعرى.. إلى آخر الموضوع، ونعترف بأن هؤلاء أيضا يهدفون إلى الربح، وتحقيق مشاهدات من نفس جمهور الفرجة و«الإطلالة».
ونعود للتأكيد على أن المهرجان مفيد للسياحة، وأن أزمة السينما ليست أزمة مهرجانات، لكنها انعكاس لأزمات إنتاج وتحولات تقنية وإنتاجية أكبر من هؤلاء.. ولهذا موضع آخر.