ألهذه الدرجة كان أحمد شوقى مهما؟ حتى أنه بعد مرور كل هذه السنوات قرر الكاتب والصحفى والشاعر السودانى عمرو منير دهب أن يقدم ما يشبه شرحًا لشعر أحمد شوقى، بعد كل تلك السنوات، كل تلك الدراسات، كل هذا الحديث، لا يزال هناك ما يقال عن أمير الشعراء أحمد شوقي، ما يشرح في شعره، وما يؤخذ من مسيرته الفنية والأدبية المؤثرة، وهنا الكاتب عمرو منير دهب في مقدمة كتابه "شوقي الأخير زمانه"، الصادر حديثاً عن "منشورات ضفاف" طرح هذا السؤال، وصاغ عنوان كتابه محاكيًا أحد أبيات أبي العلاء المعري، لأنه بالأساس يرى عنوان "معجز أحمد" يليق بأحمد شوقي.
أحمد شوقي هو الشاعر الأكثر تأثيراً في كاتبنا، هو الشاعر الذي رآه استثناء، فبينما يتملكه ذلك الإحساس شبه المعتاد عند كتابة الشعر يشعر بأنه يمكن تقديم ما لم يقدمه أحد، إلا أمير الشعراء، إذًا فهو شاعر له استثنائيته الخاصة، ما يجعله الأكثر تأثيراً، كما أنه يجمع، ما بين الموهبة الشاعرية، كأنه ولد بها، وما بين الصيغة الشعرية الاستثنائية، فهنا الإجابة: شوقي استثناء، رغم كل تلك السنوات، رغم كل هذا الحديث، هناك ما يقال عن شوقي.
يقدم الشاعر أطروحة تأريخية ذاتية وشعرية لأحمد شوقي، مستفيدا في أطروحته من الرؤية الواضحة بعد كل تلك السنوات، وبعد ظهور عدد كبير من التجارب الشعرية والفنية التي تظهر تأثير تجربة أمير الشعراء أحمد شوقي
من خلال تلك الرؤية الصافية والنظرة المختلفة، نجد هنا أطروحة تقدم في هدوء بعد جدل السنوات، يبدأ الكاتب بتناول أحد أكثر القضايا الأدبية الجدلية عند أحمد شوقي، وهي شعر المناسبات، الذي انتقده الحداثيون كثيرا، الذين يرون الشعر تجربة فنية وإنسانية أعلى من موقف عابر، أما الكاتب والصحفي عمرو منير دهب يرى، وهي رؤية صافية في سنوات هدأ فيها الجدال حول أحمد شوقي، والحقد عليه، فكما ذكر زكي مبارك في كتابه "أحمد شوقي"، الصادر عام 1988 عن دار "الجيل": "شوقي شاعر محسود، فقد ملأ جميع الأسماع وأشجى كثيرا من القلوب، وقد أتيح له أن يظل زعيم الشعراء أكثر من أربعين عاما، وهي زعامة حقه لا يمتري فيها إلا المكابرون. وقد شقي خصومه في هدمه وهو على مر الزمن لا يصنع فيه النقد المعرض إلا كما يصنع المطر من متين الحصون"، وهو ما يفسر الجلد حول أحمد شوقي وتجربته الشعرية، وما يفسر أيضا الرؤية الصافية للكاتب عمرو منير دهب وأهمية كتابه هذا، فهنا نظرة لشوقي في هدوء، أيضًا، استعان الكاتب بالفقرة المقتبسة من كتاب الراحل زكي مبارك أثناء حديثه عن لقب أمير الشعراء، والذي رآه لا يعبر عن شيء ذاتي إطلاقًا، موكدًا وجهة نظره: "وكما قيل فإن لقب شوقي كان من الممكن أن يكون شاعر العروبة مثلا لو أن الاحتفاء به كان تحت ظلال حكومة قومية عربية لا دولة ملكية أشرفت بشكل واضح على التتويج المستحق على كل حال".
أما عن رؤية الكاتب والصحفي والشاعر عمرو منير دهب لجدل شعر المناسبات في تجربة أحمد شوقي الشعرية، ففي أطروحته هذه يرى شعر المناسبات تجربة إبداعية تحول حدث عابر وجامد إلى تجربة شاعرية كاملة، حديث إنسان، مشاعر، روح أكثر منها حدث لن تتذكره الأجيال القادمة، وهنا يرى الكاتب معنى عظيم للفن، وهنا، أيضا، يقدم الكاتب مع رؤيته لشعر شوقي وشعر المناسبات رؤية عامة لجدوى الفن ودوره، يرى الكاتب، أيضا، في شعر المناسبات عادة شرقية أصيلة؛ بل وعادة إنسانية أصيلة للاحتفال بالأحداث الهامة، وهنا يأتي دور الفن لتحويلها إلى حالة شعورية وتجربة إبداعية كاملة.
تلك الأطروحة التاريخية والنقدية تتحول إلى تجربة إبداعية موازية، فهي أيضا تأريخ شخصي، ذاتي، للكاتب، يتذكر به من خلال استقراء تجربة أحمد شوقي الشعرية تجربة الكاتب الشخصية، فمثلا يتذكر الكاتب رؤيته قديما لأحد تفعيلات شوقي وقوافيه ويتذكر حياته وقتها، وكيف كان طالبا ومراهقا شديد التدين، ويتذكر موقفه من أحد قصائده في تلك الفترة.
بشكل عام، تجربة أحمد شوقي تشكل الشاعر أدبيا، وتشكله، أيضا إنسانيا، فتمكنه من استقراء ذاكرته، ومراحل حياته من شعر شوقي، ما بين المراهقة والشيخوخة، وهو، أيضا، دور الفن، فهكذا هو الفن، يشكلنا ويتحول إلى تأريخ مواز لحيواتنا، وهكذا، أيضا، نحن أمام تجربة نقدية وتأريخية تتناول قضايا أدبية جدلية، أيضاً، هي تجربة إبداعية ذاتية لذاكرة رجل محطاتها يشكلها الفن والأدب، بالأخص الشاعر الاستثناء، "المعجز"، كما يذكر الكاتب في تقديم كتابه الأحدث، أحمد شوقي.