"روايات مسكوكة".. قراءة للتاريخ والحضارة عبر "العملات".. صور

الخميس، 02 أكتوبر 2025 01:28 م
"روايات مسكوكة".. قراءة للتاريخ والحضارة عبر "العملات".. صور جانب من المعرض

كتب محمد أسعد

قبل أيام؛ افتتحت هيئة المتاحف بالمملكة العربية السعودية معرض «روايات مسكوكة: إرث السعودية في العملات» في المتحف الوطني السعودي بحي المربع بالرياض، والذي يستمر حتى 16 ديسمبر المقبل.

B0002486

ويكشف المعرض عن رحلة تمتد لأكثر من 1300 عام من التحولات التاريخية والفنية والاقتصادية التي وثّقتها العملات، منذ العصور السابقة للإسلام وحتى الريال السعودي الحديث، لتقدم المسكوكات عبر العصور سجلًا حيًّا يعكس تطوّر المجتمعات ونشوء الدول وتغيّر الأنظمة الاقتصادية والسياسية، لتصبح شاهدًا ماديًّا على الهوية الوطنية وذاكرة جماعية للأمة.
ويضم المعرض مجموعة استثنائية من العملات والمسكوكات النادرة من مقتنيات الدكتور آلان بارون، مؤسس نوميسماتيكا جنيف، وأحد أبرز جامعي العملات التاريخية، إلى جانب مختارات فريدة من مجموعة وزارة الثقافة. كما يقدّم أعمالًا فنية معاصرة بمشاركة الفنان زيمون الذي استلهم من رمزية النقود ودلالاتها البصرية، وذلك ضمن تصميم سينوغرافي مبتكر أبدعه غيث أبو غانم وجاد مالكي وفرح فياض، وبمشاركة الدكتور نايف الشرعان المتخصص في تاريخ العملات الإسلامية، حيث دُمجت المشاهد الفنية والمعمارية لتجسيد أزمنة مختلفة في قاعة واحدة.

وتحدث الدكتور آلان بارون، لـ"اليوم السابع"، وقال المجموعة المعروضة بالمعرض هي الأهم عالميا بين فئة العملات المسكوكة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، إذ جُمعت على مدار عقود عبر الاقتناءات الخاصة والمزادات الدولية، وتٌعرض اليوم للجمهور لأول مرة، حيث تُعد هذه المجموعة فريدة من نوعها، إذ أن العديد من عملاتها لم تُعرض على الجمهور من قبل، وتروي قصة ثرية عن ظهور الإسلام وتاريخ المدينتين المقدستين في المملكة العربية السعودية.

B0002873

أضاف؛ يعد عرض هذه العملات، التي يعود بعضها إلى عهد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم، بعد عقود من جمعها، حدثًا مهمًا يمنح الجمهور فرصة اكتشاف كنوزهم التراثية، كما يقدّم المعرض عملاتٍ تُصوِّر بعضًا من أبرز الملكات في التاريخ الإسلامي، مع إبراز أوجه الشبه بينهن وبين نساء مؤثِّرات عبر التاريخ، مثل آن دوقة بريتاني، وكاثرين العظيمة ملكة روسيا، وإيزابيلا ملكة أسبانيا، وتضمّ المجموعة أيضًا عملات تحمل اسم وصورة الملكة النمساوية الشهيرة في القرن الثامن عشر ماريا تيريزا، التي تميّزت بجمالها وشيوع تقليدها، إلى حدّ جعل عملاتها الفضية الأكثر تداولًا في منطقة الخليج لعقود طويلة. ومن اللافت أنّ هذه العملات أصبحت - في أواخر القرن الثامن عشر- الأكثر رواجًا في الخليج، ممثِّلةً ملكةً نمساوية.

واستكمل بقوله: تبرز قاعة أخرى روائع الخط العربي في العملات الذهبية الرئيسية، إلى جانب مجموعة أخرى تُصوِّر فن الصقارة، فتعرض ميدالية لحاكم عربي مع صقر، تجاورها عملات ألمانية من القرن الثامن عشر تظهر مشاهد صيد بالصقور في البلاط الألماني، ما يظهر الاقتباس الذي انتشر على مدى قرون، ويقف شاهدًا بارزًا على تأثير العالم العربي في الغرب.

B0002372

يقول الدكتور آلان بارون "إن اقتناء العملات يعني امتلاك قطعة من التاريخ؛ فهو وسيلة للتواصل مع شخصيات تاريخية عظيمة، وصياغة جديدة لسردٍ تاريخيٍّ خاص، واستكشافٍ يمتدّ لأكثر من ألفين وخمسمائة عام من المجد والتحديات. فالعملات ليست قطعًا معدنية فحسب، بل شواهد حيّة صمدت حتى يومنا هذا، تتيح لك تواصلًا مباشرًا مع الماضي.
وعن الأسباب التي أثارت فضوله لجمع العملات يقول "ما أثار فضولي في جمع العملات هو هوسي منذ الطفولة بالماضي وافتتاني بالشخصيات التاريخية العظيمة. فامتلاك هذه الشواهد الملموسة والتفاعل معها، كان وما يزال شغفًا مستمرًا لا يضعفه الزمن.

ويرى أنه يمكن استكشاف الكثير من خلال العملات؛ ففي العصور الرومانية واليونانية، ولا سيما الرومانية، كانت كل الأحداث — من الحروب إلى الضرائب والشؤون السياسية — تُسجَّل على العملات. وفي زمنٍ خلا من الصحف أو التلفاز، كانت العملات المصدرَ الوحيد للمعلومات. والأمر نفسه ينطبق على العملات الإسلامية، إذ تحمل أسماء موثَّقة مثل الحجاز ومكة والمدينة المنوّرة، حيث يُكتب اسم المدينة التي سُكّت فيها، وتخلّد أسماء شخصيات تاريخية قد لا يعرفها أحد اليوم، لكن إرثهم يبقى حيًّا عبر هذه القطع المعدنية.

B0002384

استكمل حديثه بقوله: تكشف العملات الكثير عن التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. فالذهب كان رمزًا للثروة، وغالبًا ما كانت العملات الذهبية تُدَّخر وتُدفن قبل ظهور البنوك، بينما كانت العملات البرونزية والفضية تُتداول مباشرة. كما تحمل العملات بصمات التحوّلات الفكرية والثقافية عبر العصور، فتكشف كيف تغيّرت المعتقدات والأفكار وأنماط الحياة، لتكون بذلك سجلًا حيًّا يعكس جوانب متعدّدة من حياة المجتمعات عبر التاريخ.

وتُمثّل أولى العملات المعروضة في هذا المعرض، والتي تعود إلى عام 1718، بدايةَ سكّ العملات الإسلامية؛ إذ بدأ ذلك في العقد الأول من الهجرة في مناطق حول سوريا ودمشق. وكانت تلك العملات الأولى تُحاكي العملات البيزنطية المنتشرة آنذاك، والمعروفة بصناعتها من الذهب النقي، بعد "نزع صبغتها المسيحية".
وقد لجأ الحاكم الأموي عبد الملك بن مروان إلى فكرة ذكية لتشجيع قبول العملة الجديدة، تمثّلت في نسخ النموذج البيزنطي — الذي كان يصوّر شخصيات بشرية — مع إزالة جميع الرموز المسيحية، مثل الصليب.

B0002405

وبعد بضع سنوات، وفي المرحلة الثانية من سكّ العملات، استُبدلت النقوش اللاتينية بكتابة عربية تتضمن الشهادة. وفي المرحلة النهائية، ظهرت عملة إسلامية خالصة تحمل نقوشًا عربية فقط، غالبًا ما تتضمّن آياتٍ من القرآن، وتاريخ السك، وأحيانًا مكانه. وقد حدث هذا الانفصال التام عن التأثير البيزنطي خلال فترة قصيرة تراوحت بين 10 و15 عامًا، إذ انعكست هذه الهوية الجديدة بوضوح وبراعة على نقود تلك الحقبة.

B0002429
 

 

B0002417
 


 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب