أخطر اللحظات فى السياسة، هى التى تفرض خيارا واحدا إما الرفض أو القبول، مع غياب هامش المناورة، وهو ما يبدو واضحا فى موقف حركة حماس أمام مشروع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لوقف الحرب فى غزة وما يرافقه من إجراءات وتحركات تمثل هى فى الواقع الخيارات الأكثر دقة.
الواقع أن هناك تداخلا كبيرا جدا فى موقف حركة حماس من الواقع الفلسطينى، فهى الآن تقدم نفسها على أنها حركة مقاومة، وفى الوقت نفسه فقد حصلت حماس على السلطة بالانتخابات التى خاضتها، ضمن اتفاق أوسلو وغزة أريحا، وبالتالى الأمر متداخل بشكل واضح، وهو نفس الأمر الذى يفرض على حماس الآن أن تتصرف كحركة سياسية مسؤولة، وهى كانت كذلك بالفعل طوال السنوات الماضية.
فقد ارتضى قيادات الحركة أن يقيموا فى قطر بالتفاهم مع الولايات المتحدة وإسرائيل، كما كانت التمويلات القطرية تدخل إلى غزة عند طريق الاحتلال، وهنا يمكن التقاط تناقض ما فى تحركات حماس خاصة أن ما تم فى 7 أكتوبر كان يعتبر تحولا فى المواجهة من جهتهم، استلزم ردا عنيفا من قبل نتنياهو، الذى لم يكتف بمطاردة الحركة ولكن شن حرب إبادة على غزة، دمر أكثر من ثلاثة أرباع مبانيها ومدارسها ومستشفياتها، بجانب عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، وهو ما جعل سكان غزة رهائن وضحايا لصراع غير محسوب.
نقول هذا بمناسبة إن حركة حماس تمر بواحد من أصعب الاختيارات فى تاريخها، منذ تأسيسها عام 1987، وفى كل الأحوال فإن قرار الحركة المتعلق بالموقف من خطة ترامب لوقف الحرب، هو الأخطر، وفى حال القبول أو الرفض، فإن الحركة ستكون أو يفترض أن تكون فى حالة محاسبة للنتائج التى انتهت إليها من عملية الطوفان، الذى يبدو فى بعض الأحيان أنه كنس فى طريقه الكثير من الشعارات والمواقف والادعاءات التى تم ترديدها على مدى سنوات، أصعب من مرارة الحرب التى خاضتها والشعب الفلسطينى على مدار عامين كاملين من الإبادة الجماعية والخذلان الدولى، لكن السياسة لا تتقبل العواطف.
الواقع يفرض على حركة حماس وفصائل المقاومة إعلان موقف من خطة ترامب لوقف الحرب، ودخول المساعدات، وفى حال القبول عليها أن تتخلى عما تبقى من سلاحها، بجانب خيار الخروج لمن يريد، أو الاستسلام لمن يبقى، والواقع أن ما هو معروض فى مشروع ترامب، كان هناك ما هو أفضل منه طوال عامين، رفضت حماس قبوله، وفى حال القبول الآن، تكون قد أهدرت شهورا وساهمت فى مضاعفة أعداد الضحايا، وفى حال الرفض، ستكون هناك جولة جديدة من المطاردة، مع فصل مناطق عن أخرى، وهى خيارات تضاعف من حجم الخسائر، مع وجود واقع من التراجع فى قدرات الحركة، بمواجهة الإبادة والهجمات، باستثناء عمليات أقرب للدعاية منها للمواجهة.
بالطبع فإن مشروع ترامب، هو خليط من مشروعات ومبادرات سابقة، بجانب أنه يتضمن بنودا عن خروج حماس أو نزع سلاح كانت موجودة فى اتفاقات سابقة لم تكتمل، لكنها تتضمن بنودا تتعلق بالسياسة والغدارة، على عكس المرات السابقة، التى كانت حماس تبقى فى القطاع لتعود الى جولات متنوعة، الآن هذا الخيار غير مطروح، وإن كان مشروع ترامب يخلو من حديث عن التهجير أو التصفية، وهى نقطة مهمة جاءت بجهد مصرى كبير ومواجهة وتضامن عربى إلى حد كبير.
والواقع أن كل الطرق تشير إلى صحة وقوة ووضوح الرؤية المصرية، بالرغم من أن مصر واجهت حرب أكاذيب إسرائيلية ومزايدات من أطراف فلسطينية، بالرغم من أن مصر كانت دائما الأكثر خبرة مع كل الأطراف، وتحدثت عن وحدة الفلسطينيين وإنهاء الانقسام.
الشاهد أن على حركة حماس الآن أن تختار بين كونها حركة سياسية مسؤولة، أو تبقى فى سياق الإنكار، والخلط بين السياسى والعسكرى، ثم إن هذه المواجهة كشفت عن ضعف جبهات بدت قبل ذلك قوية، مثل جبهة حزب الله، وجبهة إيران، وحتى الملاذات السياسية بدت هى الأخرى غير كافية لحماية المشروعات المتداخلة، وهنا يأتى دور السياسة التى يجب أن تكون حاضرة، بديلا عن الشعارات والسلاح الذى لم يصمد.
