"الموسيقى القبطية" سجل حى لتاريخ مصر الممتد عبر آلاف السنين.. من المعابد إلى الكنائس ألحان تعيش فى الصلوات.. الحنجرة هى الآلة الموسيقية الأولى فى الطقس.. وألحان الفرح والحزن والصوم إيقاع روحي يواكب الطقس الكنسى

الخميس، 02 أكتوبر 2025 04:00 م
"الموسيقى القبطية" سجل حى لتاريخ مصر الممتد عبر آلاف السنين.. من المعابد إلى الكنائس ألحان تعيش فى الصلوات.. الحنجرة هى الآلة الموسيقية الأولى فى الطقس.. وألحان الفرح والحزن والصوم إيقاع روحي يواكب الطقس الكنسى كنيسة

كتبت بتول عصام

تُعد الموسيقى القبطية واحدة من أقدم أشكال التراث المصري الحي، إذ يصفها الباحثون بأنها "الوريث الشرعي" للموسيقى المصرية القديمة، بما تحمله من ألحان ونغمات ضاربة في عمق التاريخ. فالشواهد الأثرية واللوحات الجدارية المنقوشة على جدران المعابد الفرعونية تكشف أن المصري القديم عرف الموسيقى وعاش معها في الطقوس الدينية والحياة اليومية.

المؤرخ اليوناني هيرودوت، الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، أشار إلى أن المصريين كانوا ينشدون ألحاناً حزينة، بينما يرى بعض العلماء أن الفيلسوف فيثاغورس استقى الكثير من معارفه الموسيقية من مصر بعد أن عاش فيها أكثر من عشرين عاماً. وحتى الفيلسوف السكندري اليهودي فيلون قال عن المسيحيين المصريين الأوائل إنهم أخذوا من ألحان مصر القديمة وجعلوها وسيلة للتعبير عن عبادتهم الجديدة، مؤكداً أن "اللحن القبطي كان مصرياً لحناً ودماً".

 

ألحان فرعونية في صلوات الكنيسة


ويرى عالم المصريات الفرنسي إتيين دريتون أن سر الموسيقى الفرعونية ما زال حيًّا في الألحان القبطية الكنسية المستخدمة حتى اليوم. ويشير باحثون إلى أن بعض الألحان القبطية، مثل لحن "بيك ثرونوس" (عرشك يا الله) الذي يُرتل في الجمعة العظيمة، تعود جذورها إلى ألحان فرعونية كانت تُستخدم في طقوس جنائز الملوك. وكذلك لحن "غولغوثا" (الجلجثة) المستخدم في أسبوع الآلام، يوازي ما كان يُتلى عند تحنيط الملوك الفراعنة.

موسيقى صوتية خالصة


الموسيقى القبطية تميزت بكونها "صوتية خالصة"، إذ لا تسمح الكنيسة باستخدام الآلات إلا في حدود ضيقة مثل الدف والمثلث، انطلاقاً من إيمانها بأن "الحنجرة البشرية هي أعظم آلة موسيقية خلقها الله".

وتتنوع طرق الألحان ما بين اللحن الفرايحي المستخدم في الأعياد الكبرى، واللحن الحزايني في أسبوع الآلام، واللحن الصيامي الخاص بالصوم الكبير، واللحن الشعانيني المستخدم في أحد السعف وأعياد الصليب، إلى جانب اللحن السنوي المستخدم في بقية أيام السنة.

مدارس وأشكال للتسبيح


الكنيسة القبطية تعتمد أساليب متعددة في أداء تسابيحها وصلواتها، منها:
التسبيح التبادلي (خورسين): حيث ينقسم المصلون إلى خورسين يتبادلان الإنشاد.
التسبيح بالمرد: المرتل يؤدي مقطعاً فردياً، ويرد الشعب بكلمات ثابتة مثل "آمين" أو "هلليلويا".
التسبيح الجماعي: حيث يشارك الشعب كله في الترنيم.
التسبيح المنفرد: حين يتولى المرتل أداء الألحان كاملة بمفرده.

ألحان محلية وقداسات


الألحان القبطية ارتبطت أيضاً بمناطق جغرافية محددة، مثل اللحن السنجاري نسبة إلى بلدة سنجار، واللحن الأتريبي نسبة إلى أتريب بسوهاج، واللحن الشامي نسبة إلى جبل شامة بقنا. كما ارتبطت بالقداسات الثلاثة الرئيسية: الباسيلي، الغريغوري، والكرلسي، ولكل منها طابع موسيقي وروحي خاص.

 

راغب مفتاح.. حارس التراث الموسيقي القبطي


لا يمكن الحديث عن الموسيقى القبطية دون ذكر اسم الدكتور راغب مفتاح (1898 – 2001)، الذي كرّس حياته للحفاظ على هذا التراث. ففي عشرينيات القرن الماضي، استقدم العالم الإنجليزي إرنست نيولاند سميث إلى مصر ليساعده على تدوين الألحان، مستعيناً بالمرتل الكبير ميخائيل جرجس البتانوني، الذي وصفه سميث بـ "المايسترو العظيم".

نجح مفتاح في جمع وتوثيق الألحان في 16 مجلداً، وسجّل كثيراً منها على أسطوانات، بل أهدى عام 1992 كل إنتاجه إلى مكتبة الكونجرس الأمريكية، التي خصصت ركناً كاملاً للموسيقى القبطية تكريماً له.

وبالتالي، تظل الموسيقى القبطية، بما تحمله من ألحان فرعونية أصيلة ونكهة روحية مسيحية، تراثاً حياً يعبر آلاف السنين. ليست مجرد ألحان كنسية فحسب، بل هي سجل حيّ لتاريخ مصر الموسيقي الممتد من المعابد الفرعونية إلى كنائس اليوم.

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب