انتُزعت غزة جزئيًّا من مخالب الضباع؛ لكنها ما تزال مُعلَّقةً فى فراغ مفتوح على كل الاحتمالات. وأخطرها أن تفقد زخم الحرب، ولا تلتحق بموكب السلام.
إذ على أهمية إسكات البنادق وإعفاء المدنيين من دوّامة الدم المجانية؛ فإن عدم الانتقال بها إلى السياسة يخدم الجناة ولا ينهى مُعاناة الضحايا.
كما أنه يُبقى الميدان تحت تهديد الاشتعال مُجدّدًا، ولا يشقُّ طريقًا طبيعية نحو التعافى وإعادة الإعمار، فضلاً عن أن تكون مُستدامة ومُقنعة لطرفى الصراع، وقادرة على جذب الرعاة والممولين أيضًا.
نجحت مصر فى زحزحة الموقف الأمريكى بعيدًا من رؤية اليمين المتطرف فى إسرائيل. وفرضت موقفها الرافض للتهجير أو الاحتلال الدائم؛ إنما مقابل ذلك طُرحت ترتيبات أمنية يتوجب الوفاء بها، لكى لا يتباطأ مسار الإنقاذ أو يتوقف عند محطته الأولى.
ذلك أن بقاء الوضع على ما هو عليه ليس فى صالح الغزيين والقضية الفلسطينية إجمالا، والانتقال من خارج التسلسل المطروح فى خطة ترامب ينطوى على مخاطر يصعب استشراف مداها، وينبغى التحوُّط منها بسدِّ الثغرات، واستمالة الفصائل الواقفة على الأطلال لصالح التعقُّل، بدلا من استمراء المقامرة والرهان على المصادفات.
تحوّل "الطوفان" مع الوقت إلى متاهة دائرية، ينخرط فيها حزب الله لإسناد حماس؛ فيتلقى هزيمة نكراء تُعوِّق لبنان وتُبقيه تحت رحمة الحسابات الخارجية. وتتشدد الضاحية تعويلاً على أجواء الانسداد على جبهة القطاع؛ فتتفاجأ بإنجاز صفقة تُغيِّر التوازنات القائمة تمامًا، وتنهى مفاعيل السابع من أكتوبر ليتحول الشمال إلى ساحة أصيلة قائمة بذاتها.
وفيما يتعثّر اتفاق نوفمبر بالخروقات الإسرائيلية المتوالية؛ فإن تشدُّد الميليشيا الشيعية يُغلق أى أُفق سياسى مُحتَمَل، ويترك لنتنياهو هامشًا عريضًا لتحديد منسوب التصعيد والتبريد كيفما شاء، مع قابلية تحويلها إلى مُواجهةٍ ساخنة من جديد.
والدائرة الطوفانية المغلقة تسمح باستقراء مآلات كلِّ جبهة مِمَّا ينعكسُ على صفحة الأخرى. بمعنى أن حال غزّة المُستقبليّة مُهدَّدة بإعادة إنتاج راهن الحزب، ومُستقبله مفتوح على احتمالات تكرار ماضى الحركة.
وكلاهما يفتقد القدرة على ضبط المعادلة المُختلّة أو تغييرها، ويعجز عن الضغط فى بيئته لإرباك العدو فى البيئة البعيدة، مع انقطاع خطوط الإمداد من رأس الممانعة، وتآكل فرص النجاة خارج الانصياع لرؤية الاعتدال، وإعادة ترتيب الأوضاع من الداخل، وبقدرٍ من تجرّع كأس السُّمّ لصالح الأشقاء، قبل أن تُفرَض عليهم من الأعداء.
إنَّ أسوأ ما يتهدَّد غزّة اليومَ أن تصير نسخةً ثانية عن جنوب لبنان. وهناك يفرضُ الصهاينة شروطهم بالنار والبنود الفضفاضة، وكانوا يجثمون على صدر غريمهم فى خمسِ نقاط عالية، ازدادت إلى أن صارت سبعًا.
أصبحت اللعبة سائلة ومن دون قواعد واضحة: يطلبون نزع السلاح أوّلاً قبل الجلاء والسماح بإعادة الإعمار، ويتشدَّد الحزبيِّون بأوامر "فوق لبنانية" فى طلب التحرير والبناء قبل إلقاء بنادقهم الصدئة، ولا يبدو الوِفاق قريبًا، ولا أنهما بصدد التوصُّل إلى نقطة وسيطة.
ويغيب عن نعيم قاسم وبقيّة الرؤوس الحامية؛ أنهم كانوا السبب المباشر فى استجلاب المُحتلّ بعد ربع القرن من الرحيل. وأنَّ مهمة الإعمار موضوعة على أكتاف مانحين لن يُغامروا بإلقاء أموالهم فى محرقة الصخب والاستهتار وادِّعاء البطولات.
كما أنَّ غالبية الشركاء لا يُقرّون استئساد الثنائى الشيعى، ولا سياساته طيلة الشهور الماضية. ويرفضون إبقاء الدويلة تاجًا فوق رأس الدولة، والتربُّح من الهزيمة كما لو أنها نصرٌ كامل، مع الطمع فى صَرف مفاعيله من الضحايا المُجبَرين على التسليم قهرًا، أو التعرُّض لفائض القوّة التى ما أظهرت بأسًا إلّا عليهم.
والصورة فى غزّة أشد قتامة؛ ذلك أن القطاع مُدمّر عن آخره، وفُرَص الحياة شبه مُنعدمة، فيما يقتطعُ الغُزاةُ أكثر من نصف مساحته، وتقف السلطة الشرعية وراء حدوده، ممنوعةً من ملء الفراغ وإحلال البديل.
ويزيد من عبء المسألة؛ أن الانتقال مرهون فى كل تفاصيله بتنحية الحماسيين، وهم من جانبهم يحاولون الاحتيال على الالتزامات التى أقرّوا بها، ويتطلعون لمُغادرة الحفرة بثياب نظيفة مُهندمة، كما لو أنهم لم يحفروها ويقعوا فيها من الأساس.
لقد تبدّى الاستعجال من جانبهم منذ اللحظة الأولى لإبرام الاتفاق. أعادت الحركة تنظيم صفوفها الأمنية، وعيّنت محافظين من خلفية قسّامية عسكرية، ثم أخذت تجوب القطاع وتصفى الحسابات مع خصومها المباشرين.
ارتاحت دون منطق للضوء الأخضر من جانب واشنطن، وتشجّعت أكثر مع تصريح ترامب بمَنحها الفرصة لضبط الأمن، قبل أن تُفاجَأ به يُصَعّد فى خطابه بشأن نزع السلاح، وأنها إن لم تتخلّ عنه فسيتولون انتزاعه بالقوة.
وتلاه حديث قائد القيادة المركزية الأمريكية، الأدميرال براد كوبر، عن الممارسات الدموية بحق المدنيين، ودخول وزراء الاحتلال أنفسهم على خط الانتقاد وتباكى الذئاب على طريقة الحملان.
أبدت حماس قبولاً علنيًّا للتنحِّى عن إدارة القطاع؛ لكن ما تفعله فيه منذ وقف إطلاق النار لا يُشبه سلوك الراحلين، بل هو أقرب إلى تهيئة البيئة لإقامة طويلة للأسف.
لكن بعيدا عمّا يدور فى ذهنها؛ فإنها تُقدِّم بتلك الممارسات خدمةً عظيمة للاحتلال، إن كان فى تدعيم سردية الإرهاب وافتتان الحركة بالدم، أو تعزيز منسوب الغضب والكراهية المُتبادَلة بين الفلسطينيين من كلّ التيارات.
والأهمّ، انعكاس ذلك على ترتيبات المرحلة الانتقالية، وفرص العبور الهادئ من الاستثناء إلى أجواءٍ شبه طبيعية، أو تُمهِّد لتطبيع حال المجال المنكوب، بما يسمح له بالخروج من النكبة إلى فسحة الأمل.
تعرَّض الغزّيون لِمَا لا يطيقه بَشَر، وتحت الاختبارات القاسية يسقط الناس فى الرذائل جَبرًا أو اختيارًا. ولا شكَّ فى أنَّ كثيرين ربما تورّطوا فى التعاون مع الاحتلال، أو مارسوا أعمال السطو والنهب عن احتياجٍ وجشع.
لكنَّ العدالة الحقة تأبى وضعَ المنكوبين تحت ضغوطٍ تفوق طاقاتهم؛ ثمَّ محاسبتهم عنها دفعةً واحدة ومن دون تقدير للظروف والأوجاع.
وما ينطبق على العامة يصحُّ مع الخاصة؛ ذلك أنَّ كتائب القسام غير مُنزَّهة عن الهوى والانحراف، وتُنسَبُ بها أعمال غير جليلة مع قوافل المساعدات، ولا يُعفَى عناصرُها من شُبهة التخابُر أيضًا؛ وإلَّا فمن دلّ على الضيف والمُلثّم وبقيّة القيادات الذين اصطادهم المحتل؟ ومن أبلغ عن محمد السنوار ومجموعته فى جوف الأنفاق؟
لم تخلُ السنوات الماضية من وقائع عمالة فى كهف الحركة المُقدّس، وشهد الجميع على حماسيِّين انفلتوا من حدود القطاع ليلتحقوا بالعدو قبل انكشافهم.
السنوار بنى سُمعتَه المُبكِّرة على أنشطة مجموعة "مجد" الأمنية، التى كانت تتعقَّب المتعاونين، وبعضهم من داخل البيت.
والفكرة هنا ليست فى غَضّ الطرف أو التساهل مع الخيانة؛ بل فى الاعتراف أوّلاً بأن طوفان حماس وضع الجميع أمام لحظةٍ قياميّة كاسرة، وأخرج من البعض أسوأ ما فيهم.
وإن حان أوان الحساب؛ فليكُن على الكلِّ دون استثناء، وبعد استيفاء مقدماته الواجبة، وحدّها الأدنى الفحص والتثبُّت والمحاكمات العادلة.
ليس مُقنعًا أن تُتَّهَم عائلةٌ كبيرة بكاملها، ولا أن تُؤخَذ كلُّها بجريرةِ آحادٍ منها. وعندما تتَّسع الدائرةُ لتشمل خمسَ عائلاتٍ أو ستّة حتى الآن؛ فقد يكون الأمرُ أقربَ لتصفية الحسابات، من كَونه إحقاقًا للحق.
ذلك أنَّ حماس سمحت لنفسها بأن تُغامر بسكَّان القطاع جميعًا، وتلوم كلَّ مَن لا يُسلِّم لها بالولاية المُطلقة على أنه أحسَّ بالضعف أو بحثَ عن ثغرةٍ النجاة.
وتتجاوز حقيقة أنها من حيث صِفَة المقاومة تنوب عنهم ولا تحتكر أصواتهم، ومن حيث كونها حكومةً مُمسكة بزمام القطاع قبل مُقامرتها الطائشة، فهى مسؤولة وحدها عن أمنهم ومعاشهم، وتُسأل وحدها أيضًا عن كلِّ ما ألمَّ بهم، وعن الخائن منهم، قبل البحث فى أسباب خيانته ومحاسبته عليها.
ولا يجوز لها التعامل كما لو أنها تملك البلاد والعباد، وأن لها عليهم حقَّ الانخراط بهم فى النار، والاحتماء منها بلحمهم الحىِّ، ثم إطفاءها فى جلود من كُتِبَت لهم النجاةُ دون حولٍ منها ولا قوة.
على حماس أن تتواضع قليلاً؛ لأنها أثقلت كاهلَ أهلها بما أرادته بمُفردها دون مشاورةٍ أو إخطار. وعليها أن تعرف أن ما نجا من هياكلها؛ إنما أنجاه صمود المُجوَّعين وثباتهم فى وجه المحرقة.
وإن كان عليها أن تشاركهم فى جهود الإنقاذ والاستدراك؛ فالمسؤولية اليومَ تتطلَّب الوفاء بالالتزامات التى أقرَّتها، والبُعد عن محاولات الاحتيال وتقطيع الوقت.
ذلك أنَّ غزّة لا تستطيع البقاء على حالها القائمة، ولن تتعافى إلَّا بسَدِّ الذرائع والعودة إلى السياسة؛ لأنها أقصى ما تقدر عليه، وما يُجنّبها نزوات العدو، وفِخَاخ الأُصولية وغرامها العظيم بالمذابح الأبدية.
ولا حاجة لتأكيد أنَّ السلاح عجزَ عجزًا منظورًا عن واجب الحرب، وليس منطقيًّا أن يُوَجّه لصدور الضحايا بعدما انكسر فى مواجهة الجُناة.
والمقصود بشكلٍ واضح فى "خطّة ترامب" تلك الأسلحة الهجومية، التى صارت مُعطَّلة فعليًّا؛ إن لم تكن نفدت. ويُمكن التوصُّل إلى تفاهماتٍ أقلّ سوءًا من فكرة الانتزاع بمعانيها المُقوِّضة لمشروعية المقاومة.
ولعلَّ الحلَّ هُنا فى المقاربة المصرية التى خفَّضت الحديث إلى رُتبة التجميد، وليَكُن وديعةً داخل القطاع تحت رقابة إقليمية دولية، ستكون مُلزمَةً بالتوازى أنْ تحرُسَ مسار الانتقال، وتستكمل مراحل التعافى والإعمار وإحلال إدارة مدنية فلسطينية، وصولاً إلى عودة السلطة الوطنية بشرعيتها الدولية، وانعقاد ولايتها السياسية على القضية والدولة المأمولة.
لكن سيظلّ السلاح الخفيف سؤالاً يحتاج لأجوبةٍ عاجلة؛ ذلك أن ترتيبات "اليوم التالى" تستدعى تنحية القوى الأمنية للحركة، وإحلال عناصر الشرطة المُعاد تأهيلها خلال الفترة الماضية، ومن دون حدودٍ واضحة؛ فقد تصبح بنادق القسام وصفةً مثالية للحرب الأهلية، أو على الأقل لتلطِّى إسرائيل وراءها تهرُّبًا من بقيّة الالتزامات المُقرَّرة.
يمكن لحماس أن تبقى، كما يُصوِّر لها خيالها العتيق؛ لكنَّ عبء ذلك سيقع على عاتق القطاع وساكنيه.
سيظلّ الاحتلال جاثمًا على صدر غزة؛ إن لم يُجدِّد الحرب مرَّةً ثانية. سيتباطأ الإعمار أو لا يتحرَّك من الأساس، وسيتحوَّل فائضُ الغضب الذى لا يُصرَفُ فى اتجاه التعافى والبناء، إلى مَلامةٍ داخلية مفتوحة بين كلِّ الأطراف، ستتغذَّى على اليأس وانعدام الآمال؛ لتصير صراعًا بدائيًّا بين كلِّ الأطياف، لن تنجو منه حماس نفسُها مع الوقت؛ ولو توهَّمت أنها محميَّةٌ بالرصاص، وقادرة على إعادة إنتاج حال البطش والإرعاب التى أسكنت الغزِّيين فيها منذ الانقلاب على الأقل.
فما كان منذ 2007 إلى ما قبل أكتوبر 2023، غير ما سيكون بعد الطوفان، ولا سبيل لاستجرار الماضى بعدما رقصَ الناسُ رقصتَهم اللصيقة مع الموت، وما عادوا يخشونه إنْ كان من عدوٍّ أو شقيق.
ستضع الحركة سلاحها فى نهاية المطاف. والبحث عن إخراجٍ أقلّ حَرَجًا وإهانة، لا يعنى أنها ستظل مُهيمنةً كما كانت، مع إجبار الاحتلال على الرحيل والمُموِّلين على إلقاء الأموال تحت أقدامها.
وكان عليها أن تستغلّ فُسحةَ الوقت بين المراحل فى احتواء الغضبة الشعبية، وترميم النسيج المجتمعى المُتفسِّخ، وتهيئة البيئة لمسارٍ يتولّاه القادرون عليه من التكنوقراط، ويفتحون له نافذة لإعادة وَصْل المُنقطع بين القطاع والضفّة الغربية؛ لتعود القضية كيانًا ماديًّا واحدًا، لا عنوانًا عادلاً يتوزّع على فضاءين مُتناحِرَين.
تخويف العشائر واستنطاق وجهائها بالدعم لن تتأبّد صلاحيته، وسيفقدُ دلالته مع استفحال الخروقات واتّساع مداها. الصامتون عَشَمًا قد ينفجرون يأسًا، والمُحايدون الآن ستتبدّل مواقفهم حينما يستشعرون اقتراب النار من دُورهم وعائلاتهم.
تدفع مصر بقوّةٍ لإكساب الاتفاق طابعًا قانونيًّا مُلزِمًا، وتدويل رعايته والرقابة على إنفاذه من خلال استصدار تفويض من مجلس الأمن بمهام القوّة الدولية. وتسعى لإشراك الولايات المتحدة ميدانيًّا، كما طالب وزير الخارجية بدر عبد العاطى بتمثيل عسكرىٍّ أمريكى فى التركيبة المقترحة.
وأهمُّ من مُماطلة حماس فى بقية جولات التفاوض، بشأن سلاحها الذى أكثره كلام فى كلام، أن تتجرّد من الذاتيّة لصالح المجموع، وتُوظِّف ما تبقَّى لها من دَورٍ على الطاولة فى مُقايضة السياسة بالبندقية، وتعزيز المُطالبة بالقرار الأُمَمىِّ الواضح، مع وَضع آجالٍ زمنيّة مُحدَّدة للانتقال والإعمار، تنتهى وجوبيًّا بمدّ مظلَّة مُنظَّمة التحرير من رام الله إلى الشريط الساحلى الضيق.
وقد ثبُت أنه لا يُمكن أن يقوم مقام الدولة، كما لا يستطيع الحياة ومواصلة النضال التحرُّرى بمفرده، ولا بطريقة الفصائل الانتحارية المُنطلقة من شرخٍ وطنىٍّ، يُصادرُ ابتداءً كلَّ فرصة للإنجاز فى الختام، أو استثمار الدبلوماسية والقانون بدلا من النزف المجانى فى مجارير إسرائيل.
واجبُ الحركة ألَّا تُكرِّر خطيئة حزب الله فى لبنان، وعلى الحزب أن يستشرف اتجاه الريح من واقع خطّة ترامب فى غزة؛ باعتبارها أقصى ما يُمكِنُ التوصُّل إليه فى ضوء التوازُنات المُختلّة بعنف. والبحث الآن ليس فى نصر إسرائيل أو هزيمتها؛ بل تطويق نتنياهو، وإيقاف مكاسبه عند حدّها الراهن، وردعه بالوسائل المُتاحة عن استكمال اندفاعته إزاء خصومٍ فى أسوأ حالاتهم وأشدّها عجزًا.
غزّة مُعلّقة بين قوّتى جذب: احتلال نَهِم وشديد التطلُّع لاعتصار فرصته التاريخية إلى آخرها، ومُمانعة لا تقتنع بالهزيمة فتُكابر فيها، وتواصِلُ المُقامرة كأىِّ مُدمنٍ يُمنّى نفسَه بالأرباح المُحتملة.
وإذا كان وقف الحرب مكسبًا حقيقيًّا؛ فإنه يُحسَبُ للغزّيين وحاضنتهم الأمينة، وفى مقدّمتها مصر، ولا يكتمل إلَّا بتثبيته والانتقال منه إلى ما يُبدِّد أوهام تل أبيب لجهة الاحتلال والتغيير الديموغرافى؛ أى باستكمال الإجلاء وتنشيط البناء، والقضاء على أوهام قضم الأرض وإعادة تركيب ديموغرافيتها.
إن صدق ترامب؛ فلن تعود الحرب، لكنها واقفةٌ اليومَ فى تقاطُع طُرق، ولا قيمةَ للتهدئة دون سلوك الاتجاه الصحيح، وستمضى الخطَّة فى كلِّ الأحوال؛ إنما يتعيّن الاشتغال بكلِّ جدية وإخلاصٍ وتجرُّد، لضمان ألَّا تنسحق عظام الوطن ومواطنيه وتطلّعاتهم التحرُّرية بالتهدئة، مثلما سُحِقَت بنَزق الطوفان ووحشية القصف والإبادة الجماعية.