كشفت دراسة حديثة نشرت في مجلة "نيو إنجلاند الطبية" عن نجاح علاج جيني تجريبي في استعادة وظائف الجهاز المناعي لدى الأطفال المصابين باضطراب وراثي نادر يُعرف بنقص الأدينوزين دي أميناز، أو ما يُسمى بـ(ADA-SCID)، وهو أحد أشد أنواع ضعف المناعة الوراثية خطورة، بحسب موقع تايمز ناو.
تم تنفيذ الدراسة بالتعاون بين جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وكلية لندن الجامعية، ومستشفى "جريت أورموند ستريت" في بريطانيا، حيث عالج الباحثون 62 طفلًا باستخدام هذا العلاج المبتكر.
وأظهرت النتائج أن 59 طفلًا من بين هؤلاء تمكنوا من استعادة وظائف جهازهم المناعي بنجاح، في حين أبدى ثلاثة فقط استجابة محدودة للعلاج، إلا أنهم عادوا إلى العلاجات التقليدية.
ما هو اضطراب ADA-SCID؟
ينتج هذا المرض النادر عن طفرات في الجين المسؤول عن إنتاج إنزيم الأدينوزين دي أميناز، وهو عنصر أساسي في عمل الجهاز المناعي.
يؤدي غياب هذا الإنزيم إلى ضعف شديد في مقاومة العدوى، مما يجعل الأطفال عرضة للإصابة بأمراض خطيرة تهدد حياتهم في سن مبكرة.
وغالبًا لا يعيش المصابون أكثر من عامين دون تدخل علاجي.
العلاجات التقليدية المتاحة تشمل زراعة نخاع العظم وحقن الإنزيمات أسبوعيًا، لكنها تحمل مخاطر ومضاعفات طويلة المدى، مما يجعل الحاجة إلى حلول جذرية أكثر أمانًا وفعالية أمرًا ضروريًا.
كيف يعمل العلاج الجيني؟
يعتمد هذا العلاج على إدخال نسخة سليمة من الجين المصاب داخل الخلايا الجذعية الدموية للطفل، باستخدام فيروس معدل تم تصميمه بدقة وبعد إعادة زرع الخلايا المصححة في جسم الطفل، تبدأ بإنتاج خلايا مناعية طبيعية وقادرة على مكافحة العدوى.
يشير الباحثون إلى أن الجهاز المناعي يبدأ في التعافي خلال أسابيع قليلة من العملية، بينما يستقر تمامًا خلال فترة تتراوح بين ستة أشهر إلى عام كامل.
نتائج الدراسة طويلة المدى
تابع الباحثون الأطفال المشاركين في الدراسة لمدة بلغت إجمالًا 474 سنة من البيانات التراكمية للمرضى، وهي أطول فترة متابعة لعلاج من هذا النوع. وأظهرت النتائج استقرارًا ملحوظًا في وظائف الجهاز المناعي على المدى الطويل، دون تسجيل مضاعفات خطيرة أو آثار جانبية مرتبطة بالعلاج الجيني ذاته، حيث كانت الأعراض الجانبية البسيطة مرتبطة بالإجراءات التحضيرية فقط.
وأوضح الدكتور دونالد كون، كبير الباحثين في جامعة كاليفورنيا والمؤلف الرئيسي للدراسة، أن "استمرارية عمل الجهاز المناعي وسلامة الأطفال بعد العلاج تمثل مؤشرات قوية على نجاح هذا النهج العلاجي"، مضيفًا أن هذه النتائج تفتح الباب أمام تطبيقات واسعة في المستقبل.
طفلة تنجو بفضل العلاج
من أبرز الحالات التي تناولتها الدراسة حالة الطفلة "إليانا ناشيم"، التي تبلغ الآن 11 عامًا كانت إليانا تعاني من عزلة طبية صارمة منذ ولادتها بسبب ضعف جهازها المناعي، لكنها خضعت للعلاج الجيني في طفولتها، وأصبح بإمكانها اليوم الذهاب إلى المدرسة وممارسة الرياضة والعيش حياة طبيعية.
وصف والداها التجربة بأنها "ولادة جديدة"، لما أحدثته من تحول كامل في حياتها.
آفاق مستقبلية واعدة
تشير الدراسة إلى أن أكثر من نصف الأطفال تلقوا خلايا جذعية مصححة تم حفظها بالتجميد، دون أن تفقد فعاليتها، وهو ما يعد تقدمًا تقنيًا كبيرًا، لأنه يتيح تصنيع العلاج في مواقع متعددة وتوزيعه على نطاق أوسع.
يسعى فريق البحث حاليًا للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة، مما يُمهد الطريق لإتاحة العلاج على نطاق واسع، وتحويله إلى علاج قياسي للأطفال المصابين بهذا الاضطراب القاتل.
ولا يقتصر هذا الإنجاز على علاج ADA-SCID فحسب، بل يفتح الباب أمام تطوير علاجات جينية مشابهة لأمراض وراثية أخرى، قد تُغير مستقبل الطب بشكل جذري، وتنقل البشرية إلى عصر جديد من العلاجات الدقيقة القائمة على الجينات.
بهذا الاكتشاف، يقترب العالم خطوة أخرى نحو علاج الأمراض الوراثية المستعصية، مانحًا الأمل للأطفال الذين كانوا يعيشون في ظلال المرض والعزلة، بأن يكون لهم مستقبل أكثر صحة وحرية.