في خطوة مثيرة للجدل أعادت إلى الواجهة النقاش حول حدود الطب، أقرّ مجلس الشيوخ في أوروجواي قانونًا يجيز القتل الرحيم، مانحًا المرضى المصابين بأمراض ميؤوس من علاجها الحق في إنهاء حياتهم بمساعدة طبية. هذا القرار جعل البلاد أول دولة في أمريكا اللاتينية ذات أغلبية كاثوليكية تتبنى تشريعًا صريحًا يُجيز هذا النوع من الإجراءات.
يبقى القتل الرحيم موضوعًا يثير أسئلة لا تنتهي حول حق الإنسان في تقرير مصيره، وحدود التدخل الطبي بين الرحمة والتعدي. فمهما اختلفت المسميات — قتل رحيم، موت بمساعدة، إنهاء معاناة — تبقى النتيجة واحدة: حياة تُنهيها يد بشرية، ويبقى الجدل الأخلاقي مفتوحًا ما بقي الطب يحمل رسالة إنقاذ لا إنهاء.
من التشريع إلى التطبيق
جاء هذا القانون بعد نقاشات استمرت خمس سنوات داخل البرلمان، وتوّجت بموافقة 20 عضوًا من أصل 31 في مجلس الشيوخ. وبذلك، انضمت أوروجواي إلى قائمة محدودة من الدول التي اعترفت رسميًا بما يسمى “الموت الرحيم”، بينما سمحت دول أخرى مثل كولومبيا والإكوادور بالأمر عبر أحكام قضائية فقط، .
تحولات عالمية في الموقف من القتل الرحيم
على الرغم من أن فكرة إنهاء حياة المريض بناءً على طلبه بدت مرفوضة أخلاقيًا لعقود طويلة، فإن عدد الدول التي تتبناها يزداد ببطء. فقد سارت بريطانيا مؤخرًا في الاتجاه نفسه، لتنضم إلى نيوزيلندا وإسبانيا ومعظم ولايات أستراليا، بينما تُجيز ولايات أمريكية مثل أوريجون وواشنطن وكاليفورنيا هذا النوع من الممارسات ضمن شروط صارمة.
وفي سابقة نادرة، حصلت امرأة من هولندا مؤخرًا على موافقة رسمية لتنفيذ القتل الرحيم بسبب معاناتها من مرض نفسي مزمن، مما أعاد فتح ملف البعد الأخلاقي والقانوني لمثل هذه القرارات.
مبررات المؤيدين: إنهاء الألم لا الحياة
يرى المدافعون عن القتل الرحيم أنه يمثل عملاً “رحيمًا” يهدف إلى وضع نهاية لمعاناة المريض بدلًا من إطالة أمد الألم بلا جدوى. ويشير تقرير medicine.missouri.edu إلى أن الممارسات المعتمدة تشمل أساليب مختلفة مثل:
إعطاء جرعات عالية من العقاقير المميتة (القتل النشط).
السماح للمريض بالمشاركة في القرار وإنهاء حياته طوعًا.
تطبيق القتل غير الطوعي في بعض الحالات العقلية الحادة حيث يتعذر على المريض اتخاذ القرار.
الانتحار بمساعدة الطبيب عبر وصف تركيبة قاتلة يتم تناولها ذاتيًا.
هذه الأساليب تختلف في الشكل، لكنها تلتقي عند فكرة واحدة: تسريع الموت بهدف تخفيف الألم.
رفض وقبول ووجهات نظر طبية
في المقابل، يرى معارضو الفكرة أن إنهاء الحياة مهما كانت دوافعه يظل جريمة أخلاقية تمس جوهر الطب، الذي بُني أساسًا على مبدأ “عدم الإيذاء”. فهم يميزون بين ترك المريض ليموت طبيعيًا نتيجة توقف العلاج، وبين قتله عمدًا تحت شعار الرحمة.
يقول المنتقدون إن تلك الإجراءات تتنافى مع الفطرة الإنسانية، لأنها تُحوّل الطبيب من منقذ للحياة إلى منفذ للموت، وتفتح الباب أمام إساءة استخدام السلطة الطبية، خاصة مع الفئات الأكثر ضعفًا مثل كبار السن أو فاقدي الإدراك.
المدافعون عن القتل الرحيم يبررون موقفهم بأن كثيرًا من الأمراض المزمنة أو المميتة لا علاج لها، وأن الإبقاء على المريض في حالة عذاب دائم لا يختلف عن القسوة المتعمدة. بينما يرد الطرف الآخر بأن سحب العلاج أو تسهيل الموت المقصود هو تجاوز لحدود الإنسانية، إذ يختزل قيمة الحياة في قدرتها على الإحساس أو الإنتاج، متجاهلاً بعدها المعنوي والأخلاقي.