في لحظة امتزج فيها الفخر بالألم، والوفاء بالتكريم، وجدت سحر السيد، أرملة الشهيد البطل اللواء امتياز إسحاق كامل، نفسها تحمل كارنيه عضوية مجلس الشيوخ المصري.
لم يكن الأمر مجرد تعيين رئاسي، بل كان رسالة واضحة من الدولة لكل من ضحى وبذل، أن دماء الشهداء لا تضيع، وأن الوطن لا ينسى أبطاله، ولا أسرهم.
تتحدث سحر السيد في أول حوار صحفي لها بعد انضمامها إلى مجلس الشيوخ، فتؤكد أن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعيينها كان لحظة لا تُنسى، تقول: "صدر القرار وكأنما بعث في قلبي حياة جديدة، شعرت بالفخر الكبير، ليس فقط لكوني أصبحت جزءًا من مؤسسة تشريعية كبرى، بل لأن اسم زوجي الشهيد امتياز كامل ظل حاضرًا، وكأن الدولة تقول لكل أسرة شهيد: أنتم لستم وحدكم".
وتضيف بصوت يختلط فيه الامتنان بالعزة: "أشكر هذا القائد العظيم الذي لا يترك مناسبة إلا ويؤكد فيها أنه يقدر من ضحى، ويكرم من قدم حياته من أجل الوطن.
في وجود الرئيس السيسي نشعر بالأمان، ونرى مصر تحقق الانتصارات داخليًا وخارجيًا، لقد شرفنا في كافة المحافل الدولية، ووضع اسم مصر عاليًا".
وتشير إلى أن مصر، في عهد الرئيس السيسي، تعيش لحظة فارقة من تاريخها، ملؤها الإنجاز والانتصار، خصوصًا في شهر أكتوبر، شهر البطولات والكرامة.
وتضيف: "نحتفل بذكرى نصر أكتوبر، ونرى انتصارات جديدة على الأرض، مصر أنهت حرب غزة سياسيًا من خلال قمة السلام في شرم الشيخ بحضور قادة العالم، وتمثلت بشكل مشرف في اليونسكو، وتأهل منتخبنا الوطني إلى كأس العالم، والمشروعات تُفتتح يوميًا، لم نر هذا الزخم من العمل من قبل، ولا هذه السرعة في التحرك التي جعلت مصر تليق بأحلامنا".
وتتابع: "الرئيس لم ينس المرأة، بل أعطاها ما تستحق من دعم وتمكين، حتى وصلت إلى مناصب لم تصل إليها من قبل، كذلك لم ينس أسر الشهداء، بل كان دومًا حريصًا على أن يكرّمهم، ويساندهم، ويفتح أمامهم أبواب المشاركة في بناء الوطن، نحن نعيش حالة متفردة من النجاح في كل المجالات".
وحين سألناها عن أحلامها كعضو بمجلس الشيوخ، لم تتردد، أجابت بثقة: "أشعر أن وجودي هنا ليس شرفًا فقط، بل مسؤولية كبيرة، أحمل على عاتقي طموحات لا تخصني وحدي، بل تخص كل أم، وكل أرملة، وكل شاب يطمح في مستقبل أفضل، أريد أن أعمل بجد في كل الملفات، وخاصةً الصحة والتعليم والزراعة، لأنها تمس حياة الناس اليومية".
لكن قلب الحوار الحقيقي ينبض حين تتحدث سحر عن زوجها الشهيد، الكلمات تخرج منها ببطء، لكنها مليئة بالحب والإيمان. تقول: "نحتفي خلال أيام بذكرى استشهاده في 20 أكتوبر، الشهيد امتياز كامل لم يكن أبًا لأبنائه فقط، بل كان أبًا لكل من عمل معه، زملاؤه من الضباط كانوا يعتبرونه الأخ الأكبر، الحنون، الصادق، المخلص، كان يحتوي الجميع بحب حقيقي، لم يكن عليه غبار، وكان مثالا للوطنية والإخلاص، ومحبوبًا من كل من عرفه".
ثم تتوقف لحظة، قبل أن تضيف: "حتى بعد رحيله، ما زلت أنا وأبنائي نشعر أنه بيننا، لا نقول إنه استشهد، بل نقول: خرج في مأمورية، وأنا أيضًا في مأمورية أخرى، مأمورية تربية أبنائه على حب الوطن والانتماء إليه كما ربّاهم هو".
لم يكن اللواء امتياز كامل ضابطًا عاديًا، بل أحد أبرز أبطال الشرطة الذين واجهوا الإرهاب على الأرض بكل شجاعة، استشهد في ملحمة الواحات الشهيرة، بعد معركة ضارية مع عناصر إرهابية في صحراء الوطن، لم يتراجع، لم يخف، بل تقدم الصفوف، ليكون كما كان دائمًا، في المقدمة.
تستعيد سحر السيد هذه الذكريات بكل ما فيها من ألم وفخر، تتحدث عنه وكأنه ما زال هناك، ينظر إليها ويبتسم، تقول: "كان مؤمنًا بأن الوطن يستحق كل شيء. كان يرى أن التضحية من أجله ليست خيارًا، بل واجب، لم يتردد يومًا في أداء مهامه، ولم يشكُ من الخطر، كان يعلم أن هذا الطريق محفوف بالمخاطر، لكنه اختاره بقناعة".
وتؤكد أن أبناءها يواصلون طريق والدهم، "نربيهم على أن مصر فوق الجميع، على أن حب الوطن فعل وليس مجرد كلمات، نزرع فيهم الإيمان بأن والدهم لم يرحل عبثًا، وأن تضحياته كانت من أجلهم، ومن أجل كل طفل يعيش اليوم في أمان".
حين تُختم كلمات سحر السيد، لا نشعر بالحزن، بل بالفخر، لا ترى أمامك أرملة تبكي على ذكرى، بل ترى سيدة قوية، تسير في طريقها الجديد داخل مجلس الشيوخ بنفس الثبات الذي سار به زوجها إلى ميادين الشرف.
سحر ليست فقط صوتًا لأسرة شهيد، بل هي الآن لسان حال آلاف الأمهات والزوجات والأبناء الذين وهبوا الوطن أحبّتهم، وهي، كما تقول، لا تزال في مأمورية.. مأمورية الدفاع عن فكرة، عن قضية، عن وطن يستحق أن نعيش له، وأن نموت من أجله.
