نوفمبر شهر الروحانية فى الكنيسة القبطية.. من القرعة الهيكلية وميلاد البابا إلى صوم الميلاد.. مناسبات هامة أبرزها 18 نوفمبر تجليس بطريرك على كرسى مارمرقس

الخميس، 16 أكتوبر 2025 12:06 م
نوفمبر شهر الروحانية فى الكنيسة القبطية.. من القرعة الهيكلية وميلاد البابا إلى صوم الميلاد.. مناسبات هامة أبرزها 18 نوفمبر تجليس بطريرك على كرسى مارمرقس كنيسة

كتب: محمد الأحمدى

يمضي العام فى صمت، تتناوب أيامه بين انشغال البشر وروتين الحياة، لكن في التقويم الكنسي هناك شهور لا تمر مرورًا عابرًا، بل تترك أثرًا روحيًا عميقًا.

واحد من هذه الشهور هو شهر نوفمبر، يحمل في تقاليد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية سلسلة من الذكريات والاحتفالات الروحية والتاريخية التي تجمع بين الإيمان والوطن، وبين التاريخ والروح، وبين الماضى الممتد والمستقبل الذي ينتظر الرجاء.

فالكنيسة لا تعرف الزمن كأرقام وأيام، بل كتاريخ خلاص، وتقول في تراثها الروحي: "الزمن إذا امتلأ بالنعمة صار عيدًا"، وهكذا يبقى نوفمبر شهرًا مليئًا بأعياد تحمل معاني عميقة في حياة الكنيسة: ذكرى القرعة الهيكلية، ميلاد قداسة البابا تواضروس الثاني، ذكرى تجليسه بطريركًا على الكرسي المرقسي، وبداية صوم الميلاد المجيد.

نوفمبر الكنسى.. زمن الرسائل الروحية العميقة

ليس نوفمبر مجرد شهر مزدحم بالتواريخ، بل له دلالة روحية خاصة في فكر الكنيسة القبطية. فهو الشهر الذي تذكر فيه الكنيسة أبناءها بأن الإيمان ليس طقسًا فقط، بل مسيرة واختيار وتجديد للروح. في نوفمبر تبرز ثلاثة معانٍ جوهرية:

الاختيار الإلهي – في ذكرى القرعة الهيكلية

القيادة والخدمة – في حياة البابا تواضروس

التهيؤ للميلاد – في بدء صوم الميلاد

وبهذا المعنى، فإن نوفمبر ليس مجرد أيام مقدسة، بل خارطة روحية تقول للمؤمن: "اقترب من نفسك.. وافتح قلبك لله."

4 نوفمبر.. ذكرى القرعة الهيكلية – حين تختار السماء

في الرابع من نوفمبر عام 2012، عاش ملايين الأقباط في مصر والعالم لحظة روحية نادرة حين أُجريت القرعة الهيكلية داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية لاختيار البابا رقم 118 خلفًا للبابا شنودة الثالث. وهو التقليد الكنسي الذي يعود إلى سفر الأعمال في اختيار "متياس" تلميذًا بدلًا من يهوذا الإسخريوطي.

تقف الكنيسة أمام هذا اليوم كل عام بإجلال لأنه يذكرها أن القيادة الكنسية ليست منصبًا بشريًا، بل اختيار إلهي. فقد قال البابا تواضروس ذات يوم في إحدى عظاته:
"الخدمة ليست سلطة، بل مسؤولية ومساحة للعطاء والتجرد".
وهكذا تبقى القرعة الهيكلية علامة روحية تقول: "ليس كل من يريد يُختار، بل من تريده السماء."

4 نوفمبر.. ميلاد البابا تواضروس الثاني – قلب راهب وصبر أب

في اليوم نفسه من عام 1952، وُلد قداسة البابا تواضروس الثاني بمحافظة البحيرة. ورغم أن شهر ميلاده قد صار ذكرى شخصية في حياة البابا، فإن الكنيسة تحتفل به كأب ورعاه ومسؤول عن رعاية شعب ممتد من مصر إلى 40 دولة حول العالم.

تتسع هذه المناسبة لتأخذ بعدها الإنساني أيضًا. فعبر سنوات خدمته لم يغفل البابا البُعد الوطني، فاعتبر أن "مصر وطن يعيش فينا" ليست مجرد عبارة تراثية، بل رؤية ومسؤولية. وفي كلماته الشهيرة قال:
"الكنيسة المصرية وطنية الجذور، ومسؤوليتنا أن نصنع الأمل حيثما نكون."

18 نوفمبر.. تجليس بطريرك على كرسي مارمرقس

في الثامن عشر من نوفمبر 2012، جلس البابا تواضروس الثاني على كرسي مارمرقس الرسول، مؤسس الكنيسة في مصر. مشهد التجليس في الكاتدرائية المرقسية لم يكن احتفالًا بروتوكوليًا فحسب، بل كانت لحظة تجديد عهد بين الكنيسة وشعبها.

يقول الآباء: "القيادة في الكنيسة ليست امتيازًا بل صليبًا"، وهو ما جسده البابا تواضروس خلال سنوات جلوسه، التي شهدت بناء كنائس جديدة، وترميم أديرة، وتوسعًا في العمل الرعوي، إلى جانب تعزيز الحوار مع الكنائس الأخرى ومواصلة دور الكنيسة الوطني والاجتماعي والإنساني.

25 نوفمبر.. بداية صوم الميلاد المجيد – موسم الرجاء

ثم يأتي الخامس والعشرون من نوفمبر ليعلن بدء صوم الميلاد المجيد، أحد أجمل مواسم الكنيسة الروحية. فهو ليس مجرد انقطاع عن الطعام الحيواني، بل استعداد للقلب لاستقبال الميلاد كحدث خلاص وتجسد إلهي. يقول قداسة البابا تواضروس عن معنى الصوم:
"الصوم هو مدرسة المحبة.. فيه يقترب الإنسان من نفسه والله والآخرين."

وفي التراث الكنسي، هناك مثل قبطي قديم يقول: "أيام الصوم طرق نحو السماء" — لأن الصوم عند الأقباط شركة، وصلاة، وصدقة، وتهذيب للنفس أكثر من كونه تغييرًا في نوع الطعام.

وهكذا يمضي نوفمبر في الكنيسة القبطية كرحلة إيمانية متكاملة. يبدأ برسالة تقول: "الله يختار"، ثم يعلّم أن "الخدمة مسؤولية"، ويمر على "الأبوة الروحية"، وينتهي بنداء رقيق يسبق الميلاد: "طهّر قلبك.. ففي المزود يولد السلام."

فالكنيسة لا تحتفل بالأيام كي تحتفظ بالذكريات فقط، بل لأنها تؤمن أن التاريخ الروحي طاقة حياة. وفي كل نوفمبر، تكشف أن الزمن إذا امتلأ بالإيمان صار فرصة جديدة للاقتراب من الله، وأن الحياة الروحية ليست عزلة، بل مشاركة ومحبة وعمل وأمل.
 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب