كالعادة ما إن تتوقف المدافع حتى تبدأ الحقيقة فى فرض نفسها، بعيدا عن الخطابات والشعارات، خلال ساعات من توقف الحرب فى غزة بدأت أنباء عن صدامات ومطاردات بل وقتل وإعدام بلا محاكمات، وتعلن حماس أن المقتولين خونة بينما تصدر بيانات من أطراف أخرى أن حماس تطارد من عارضها ومن يختلف معها، وبالطبع نحن ليس لدينا الكثير من المعلومات، لكن من المهم أن يكون هناك عقل يدرك أن بدايات القتل هى بدايات حرب أهلية، سبق وجرت فى غزة وتم قتل أعضاء فتح بزعم أنهم خونة، وهذا أمر يثير التساؤلات، بجانب أن هناك لدينا من كانوا حتى أيام يقدمون أنفسهم أنهم ضد الإبادة والاحتلال والقتل فإذا بهم بكل سهولة يتبنون قتل آخرين استنادا لاتهامات غير مؤكدة ولا واضحة.
نقول هذا لنعيد التأكيد أن الشخص العاقل عليه ألا يستند إلى بيانات أو شعارات أو مجرد خطابات مهما كانت حماستها، وأن رفض القتل على الهوية يجب أن يكون أمرا عاما، أو على الأقل يتم القتال بناء على معلومات وليس وشايات، خاصة أن هناك تصريحات للرئيس الأمريكى دونالد ترامب أعلن فيها أنه يسمح لحماس أن تفرض الأمن، وفى نفس الوقت يشير إلى أن حماس يجب أن يتم نزع سلاحها كما هو موضح فى خطة ترامب، وأن حماس وافقت على هذا، وهنا تبدأ النقطة المهمة الخاص بمسار خطة السلام والاتفاق الذى تم التوقيع عليه فى شرم الشيخ، وهو اتفاق بقدر ما يحمل نقاط مهمة عن وقف الحرب يتضمن نقاط ومحاور تتعلق بحكم غزة ما بعد الحرب، وتسليم السلام من قبل حماس، بجانب أن حماس وافقت على الخروج من حكم غزة، والتعاون فى ترتيبات الحكم والسلطة، بالشكل الذى يسهل كل هذه الخطوات، وإذا راجعنا الموافقات التى قدمتها 157 دولة فى الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية نجد أن أغلب دول أوروبا تتوافق على أن الدولة غير مسلحة، وهى نقطة مهمة يفترض التعامل معها مع باقى التفاصيل، إذا كانت هناك رغبة فى دعم هذه الدولة، وليس استمرار تمسك كل فصيل بنفوذه فى مواجهة الفصائل الأخرى.
والحقيقة أن الفصائل الفلسطينية بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقها وتحديد أولوياتها ووضع استراتيجية موحدة للمرحلة المقبلة، والاعتراف بأن الانقسام الداخلى ألحق بالقضية الفلسطينية ضررًا بالغًا، وأن توحيد الصف هو ورقة القوة الأهم فى الوقت الراهن، ولعل هذا هو أحد أهداف مصر دائما من توحيد الفصائل، وآخر مؤتمر كان فى يوليو 2023، قبل أسابيع من الطوفان.
ومن يتابع القضية يعرف أن الصراع الداخلى الذى شهدته الساحة الفلسطينية فى السابق «قتل فيه الفلسطينيون بعضهم بعضا أكثر مما قتلوا من الأعداء»، وهذه الحقيقة يجب وضعها فى الاعتبار عند رسم أى مستقبل للقضية، مع أهمية الاستجابة للدعوة المصرية لعقد مؤتمر جامع للفصائل لتحديد الأهداف والأولويات بشكل واضح، خاصة أن السلاح الذى يتمسك به البعض لم يقدم كثيرا للقضية وفى بعض التحليلات تسبب فى كل هذا الدمار من دون نتيجة ومنح اليمين المتطرف الصهيونى ذريعة لممارسة الإبادة وطرح التهجير، والآن هناك حرب فى الأفق ضحاياها هم سكان غزة.
وبالعودة إلى ما بدأنا به الحديث من صدامات وبوادر حرب أهلية لا يفترض أخذها من أفواه أى طرف، لأنها فى الغالب منافسات وصراعات على النفوذ والمصالح، وليس لأغلبها علاقة بالشعب الفلسطينى، وإنما تفيد الاحتلال ونتنياهو الذى يعانى من «مأزق حقيقى» ويسعى لإطالة أمد الحرب لأسباب سياسية، للهروب من المحاسبة.
الشاهد أن اتفاق وقف الحرب لا يزال بحاجة إلى السياسة والتفاوض، بناء على ما يملكه كل طرف من أوراق قوة على الأرض، ونكرر أن القضية الفلسطينية كسبت بالانتفاضة الأولى والثانية أكثر مما كسبت من استعراضات السلاح، التى تحمل فى باطنها مصالح أطراف خارجية توظف السلاح لصالحها وليس لصالح القضية، ومن مصالح الاحتلال والأطراف الخارجية توظيف السلاح والفتنة لصالحها.
