هناك إنجاز فى شرم الشيخ، وسلام تفرضه مصر بعد أكثر من 48 عاما على مسار السلام الصعب الذى تثبت العقود صحته، وفى شرم الشيخ انعقدت القمة التى جرى فيها توقيع من زعماء رؤساء ورؤساء وزراء على اتفاق نهاية الحرب فى غزة، وهو ما أعلنه بنيامين نتنياهو، بينما كانت طائرة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تهبط فى مطار إسرائيل، حيث اتجه إلى الكنيست وألقى كلمة مطولة تحدث فيها عن نفسه كبطل وصانع سلام يريد إيقاف الحرب، كما أن ترامب أسهب فى مدح نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال، مشيدا بانتصاراته، والواقع أن الرئيس ترامب أدلى بتصريحات قبل صعوده الطائرة الرئاسية، وقال إنه لا يعرف شيئا عن ريفيرا فى غزة، وكان بهذا يغلق أى أبواب عن تهجير الفلسطينيين إلى خارج غزة، أو قبول أى مخططات من هذا النوع.
لكن الواقع، ونحن نتحدث عن أهمية إنهاء الحرب وإبرام صفقات تبادل المحتجزين والأسرى بين الاحتلال والفصائل، نرى أننا بالفعل أمام نهاية لما أسميته «حرب المهزومين»، حيث فشل كل طرف فى تحقيق انتصار، فلا نتنياهو نفذ أهدافه باستعادة المحتجزين بالقوة، ولا قضى على الفصائل، والفصائل من جهتها لم تحقق نتائج، بل إنها خسرت ظهيرا مثل حزب الله، وإيران خرجت من الصورة، وسوريا أصبحت تحت مرمى إسرائيل، واليمن نظن أنها تلقى مصيرا آخر، قريبا، الشاهد أن الصمود كان من ناحية أطفال غزة وسكانها المدنيين، الذين صمدوا تحت القصف بلا سقف ولا غيره.
أما رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، فلا شك أنه ارتكب جرائم إبادة وقتل تليق بكبار مجرمى الحروب، ومع هذا فقد رأيناه يستقبل الرئيس الأمريكى الذى ألقى خطابًا مطولًا، استعرض خلاله إنجازاته فى وقف حرب غزة، والقضاء على قوة حزب الله، وتدمير منشآت إيران النووية، وقال: إن كابوسًا طويلًا انتهى أخيرًا للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، بعد الاتفاق على المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار فى غزة، وتبادل الرهائن والمعتقلين بين إسرائيل وحركة حماس.
بدا الرئيس ترامب فى مغازلة واضحة لرئيس وزراء الاحتلال، الذى بدوره أهدى الرئيس الأمريكى حمامة ذهبية على هامش وجوده فى الكنيست الإسرائيلى، وهذه «الحمامة» فى الواقع بالرغم من أنها حمامة ذهبية معدنية، لكنها لو قدر لها أن تنطق فسوف تنطق بسباب ولعنات ضد نتنياهو، الذى يفضل الرئيس ترامب أن يدلعه بـ«بيبى»، وربما فكرت «حمامة نتنياهو» فى الهروب خجلا من أيدى نتنياهو، لكونها، ومعها كل حمام العالم، رمزا للسلام الذى لا يعرفه نتنياهو وفريقه المتطرف من تجار الحروب.
طبعا البعض عمقاء فيس بوك، انشغلوا بمغازلات ترامب لنتنياهو، وكلماته التى يفتقد بعضها البروتوكول، ومن يعرف ترامب يرى أنه لا يضع اعتبارات لأحاديثه، ثم إن وراء هذا الغزل صدامات تزامنت مع قبول الفصائل لخطة ترامب، حيث تناولت وسائل إعلام إسرائيلية ما وصفته بتوبيخ قاسٍ وجهه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، خلال اتصالات بينهما، بشأن خطته لإنهاء الحرب فى قطاع غزة، وإعادة الذى قابل حماس ترامب ببرود واعتبر رد حماس لا معنى له، وأوضح رافيد أن ترامب استشاط غضبا من نبرة نتنياهو المتشائمة، وقال له بحدة: «لماذا أنت دائما سلبى؟»، وأرسل سلسلة رسائل متتالية إلى نتنياهو ومساعديه يطلب منهم الانضباط، وهنا كان تفسير المماحكات والغزل المتبادل، وحمامة نتنياهو التى أهداها لترامب.
والواقع أن الرئيس ترامب بالفعل مولع بالتكريم، وكان يطلب جائزة نوبل للسلام باعتباره من أوقف الحروب، ولم ينس التلسين على سلفه الديمقراطى جو بايدن، وقال إنه ليس بطلا بينما ترامب اعتبر نفسه ذلك، كما قال إن هيلارى كلينتون قالت إن ترامب سيشعل الحروب «بينما أنا أطفئها»، مشيرا إلى حرب روسيا وأوكرانيا، ربما لهذا كان خطاب الرئيس ترامب فى شرم الشيخ أكثر انضباطا، حيث أشاد بدور مصر وقوة قيادتها وجيشها، ورد بالشكر على القلادة التى تلقاها، وكانت تعكس تقديرا مصريا لدور لعبه الرئيس ترامب فعلا، باعتباره رئيس الولايات المتحدة، كانت مصر والرئيس السيسى يعالجون تركيبة سياسية ونفسية للرئيس دونالد ترامب، وهى وصفة نجحت فى أن تشجعه على المجىء لشرم الشيخ داعما لخطة سلام أغلبها مصرى، فيما يتعلق بإنهاء الحرب ومعاناة عامين، وفى نفس الوقت تم إفساد خطة جلب نتنياهو إلى شرم الشيخ بعمل احترافى مصرى، من خبرات العقود والسنين فى صنع سلام قوة وتوازن لا يعرف أسراره سوى المصريين، ولم ينس ترامب أن يشيد بالأمن فى مصر، حيث يمكنك أن تتجول فى الشوارع دون أن يضربك أحد على رأسك أو يسرقك.
