كيف عامل الإمبراطور نيرون المسيحيين خلال فترة حكمه؟

الإثنين، 13 أكتوبر 2025 08:00 م
كيف عامل الإمبراطور نيرون المسيحيين خلال فترة حكمه؟ نيرون

محمد عبد الرحمن

كان اضطهاد الإمبراطور نيرون للمسيحيين أحد أشهر أعماله وأكثرها إثارة للجدل. وإذا صدّقنا ما ورد في المصادر القديمة، فإن هذا الاضطهاد كان أول محاولة على نطاق واسع في الإمبراطورية الرومانية للقضاء على المسيحية، التي كانت آنذاك جماعة دينية صغيرة في منتصف القرن الأول الميلادي.

في نظر السلطات الرومانية، مثلت المسيحية تهديداً للنظام القائم ولعبادة الآلهة الوثنية، إضافة إلى أن نيرون كان بحاجة إلى تهدئة غضب ضحايا الحريق العظيم في روما، فوجد في المسيحيين كبش فداء مثالي.

تعرض المسيحيون آنذاك لأبشع أنواع التعذيب والعقوبات المهينة، من الحرق أحياءً إلى الصلب. ويُقال إن نيرون أمر بإعدام أبرز القادة المسيحيين، وهما بطرس وبولس.

ومع ذلك، يشكك بعض المؤرخين المعاصرين في مدى صحة تلك الروايات، إذ يُعتقد أن الكتّاب المسيحيين الأوائل ضخّموا الأحداث لتمجيد الشهداء وتشويه صورة نيرون، حتى صُوّر لاحقاً على أنه «ضدّ المسيح».

نيرون يحمّل المسيحيين مسؤولية الحريق العظيم في روما

اندلع الحريق العظيم في روما في يوليو عام 64 ميلادية، واستمر ستة أيام، مدمّراً معظم العاصمة ومشرّداً الآلاف. حاول نيرون مساعدة المتضررين وفرض قوانين بناء صارمة لمنع الكوارث المستقبلية، لكنه واجه اتهامات من مجلس الشيوخ الروماني بأنه أشعل النار بنفسه ليُعيد بناء المدينة وفق مشاريعه الطموحة، خاصة بعدما بدأ في بناء قصره الفخم «البيت الذهبي» (Domus Aurea) وسط أنقاض المدينة.

ولإخماد الغضب الشعبي، ألقى اللوم على جماعة دينية ناشئة من أتباع المسيح، لا تعترف بآلهة روما ولا تخضع لسلطتها.

بداية الاضطهاد الدموي

يذكر المؤرخ تاكيتوس أن نيرون استغل الحريق لشن حملة وحشية ضد المسيحيين الذين كانوا مكروهين من عامة الرومان. فتم اعتقالهم وتعذيبهم بطرق قاسية، كما جُعلت معاناتهم عرضاً ترفيهياً للجماهير؛ أُلقي بعضهم للوحوش في ساحات القتال، وأُحرق آخرون كـ«مشاعل بشرية» في الاحتفالات الليلية.
كما صُلب بعضهم على غرار صلب المسيح، وهو عقاب كان مخصصاً عادة لأخطر المجرمين. أدى هذا الاضطهاد إلى انتشار الخوف بين المسيحيين ودفعهم إلى ممارسة شعائرهم سراً في سراديب روما.

استشهاد بطرس وبولس

من بين ضحايا الاضطهاد كان القديس بطرس والقديس بولس، وهما من أبرز تلاميذ المسيح، ويُقال إن بطرس صُلب مقلوباً بناءً على رغبته، إذ رأى نفسه غير جدير بالموت على طريقة المسيح، بينما أُعدم بولس بقطع رأسه نظراً لكونه مواطناً رومانيّاً، وبعد أن أصبحت المسيحية الديانة الرسمية في الإمبراطورية، استخدم أساقفة روما استشهاد بطرس لترسيخ مكانة البابوية كقوة روحية عليا في العالم المسيحي.

المسيحية تهدد سلطة الإمبراطور

رأى الرومان، ومنهم المؤرخان تاكيتوس وسويتونيوس، أن المسيحية تمثل خطراً على النظام الإمبراطوري، لأنها ديانة توحيدية تتعارض مع تعدد الآلهة الذي ميّز الدين الروماني المتسامح عادة مع المعتقدات الأخرى.
كما رفض المسيحيون عبادة الإمبراطور كإله، وهو ما اعتُبر تحدياً مباشراً لسلطته الإلهية وتهديداً لاستقرار الإمبراطورية.

نقطة تحول في تاريخ المسيحية

من الملاحظ أن المصادر التي تناولت اضطهاد نيرون جاءت بعد وفاته بسنوات طويلة. فـ«تاكيتوس» و«سويتونيوس» عاشا في القرن الثاني، بينما كتب المؤرخ المسيحي ترتليانوس في القرن الثالث، ووردت الروايات التفصيلية عن استشهاد بطرس وبولس في القرن الرابع الميلادي، أي في زمن الإمبراطور قسطنطين الكبير الذي جعل المسيحية ديانة رسمية. وخلال تلك الفترة، عمل الكتّاب المسيحيون على بناء هوية دينية جديدة، فجعلوا من نيرون رمزاً للشر، وعدّوه «ضدّ المسيح» المذكور في سفر الرؤيا.

من الطغيان إلى الإيمان

أدى اضطهاد نيرون، مهما كان حجمه الحقيقي، إلى ترسيخ فكرة الاستشهاد في العقيدة المسيحية، وتعزيز وحدة المؤمنين في مواجهة الاضطهاد، كما رفع من مكانة روما كمركز روحي للمسيحية. ورغم أن نيرون حاول القضاء على الديانة الجديدة، فإن أفعاله ساهمت في تقويتها وانتشارها، ومنحته في الذاكرة المسيحية لقباً لا يُحسد عليه: عدو المسيح الأبدي.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب


الموضوعات المتعلقة