لم يعد مجرد اتفاق لوقف إطلاق النار، ولا إنهاء الحرب إبادة استمرت عامين، لكن اتفاق شرم الشيخ، أصبح الآن مؤتمرا مهما للسلام يمكن البناء عليه واستثمار الأزمة والحرب المجرمة لتكون مناسبة لبناء ما هو أكبر من اتفاق، وهنا نحن أمام تحرك مصرى يستغل التحديات ليحولها إلى فرص، ويوظف الزخم الدولى والتعاطف من قبل الشعوب الأوروبية لبناء ما هو أكبر من اتفاق لوقف حرب انتهت صلاحيتها فعليا، فلا نتنياهو قادر على مواصلة الحرب ولا الفصائل لديها ما تقدمه.
ويبدو الأمر أقرب لهزيمة للقوة وانتصار للإرادة ممثلة فى شعب غزة المسالم الذى صمد فى وجه الإبادة والحصار والتجويع، فهو الذى يمثل الصمود، لأنهم ظلوا بلا سقف ولا سلاح ولا نفق ولا ملجأ، تطاردهم طائرات الاحتلال وتقتلهم بلا رحمة وتحرمهم من الطعام والماء.
ومن الصعب على عاقل أن يحاول حساب مكاسب أو انتصارات وسط هذا الضياع، فقط يمكن النظر لما يمكن تحقيقه فى ظل واقع يفرض نفسه وزخم دولى داعم للشعب فى غزة أولا، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذا التعاطف قصير الأجل تنتهى صلاحيته بسرعة ويعود المجتمع الدولى لانشغالاته، وهناك الكثير من الدلائل على أن النضال السلمى طويل النفس هو الذى يمكنه تحقيق نتائج، وليس فى النضال السلمى ما يُخجل، خاصة إذا كان كفاح عُزل فى مواجهة آلة قتل عنصرية تسندها أيديولوجيا متطرفة وأوهام توراتية تداعب خيالات مريضة.
لقد كسبت القضية فى الانتفاضتين الأولى والثانية، وربحت غزة أضعاف ما تحقق من أعمال ومغامرات يعترف من قاموا بها أنها بلا عائد يذكر، وهنا لا يمكن تخوين أو تكفير من يرى رؤية مختلفة، خاصة مع هذا الدمار والخسائر الضخمة، والأهم هو توظيف اللحظات وإعادة بناء الأفكار والتحركات سياسيا ودبلوماسيا.
ونقول دائما إن السياسة هى التى تساند السلاح، وهناك بالفعل فرص ولدت من وسط الدمار، تحتاج إلى جهد وتفكير وقدرة على اقتناص الفرصة، والاقتناص ليس بمفهوم الغنيمة الفردية لبعض الأفراد أو التنظيمات، لكن بمفهوم الجماعة والقضية والشعب الفلسطينى، الذى تضيع مصالحه وسط تزاحم الانتهازية والمصالح.
ونعود للقول إن مصر تجيد اللعب بخبرة بين الأطراف المختلفة، وهى التى تدعم وحدة الفلسطينيين، وليس لمصر أى مصالح خاصة، ولا هى توظف القضية لحساباتها ومفاوضاتها أو تستعملها لملاعبة أو مناورة، وبالتالى فهى الطرف الذى يجيد التفاهم ويعرف الأبعاد ويتعامل معها، ويفترض أن لدى مصر الرؤية والقدرة، بجانب الردع فى خلفية الصورة، ولهذا تواجه مصر حملات من الأكاذيب وحروبا ليس فقط من الاحتلال الصهيونى، لكن أيضا من بعض المحسوبين حلفاء، ومن أطلقت عليهم «الهؤلاء»، أطراف إقليمية وعربية تدعم اللجان والقنوات والعملاء لمهاجمة مصر وممارسة العدوان والسعى لترويج أكاذيب عن طريق قطعان المتمولين والعملاء فى لندن وعواصم عربية، تأوى هؤلاء وتدعمهم وتطعمهم وتمولهم بالرغم من أنهم فاشلون وعاجزون، ويبدو أحيانا أن هذه الأنظمة خاضعة لتوجيهات تنظيم الإخوان أو تعمل بتعليمات أجهزة تحرك التنظيم وتموله وتوفر له الملاذ والحماية ليمارس عداء ضد مصر، أو تتبنى أكاذيب وتروج شائعات ضد الدور المصرى الأهم والأقوى، حيث تسعى مصر طوال عامين إلى وقف الحرب، ومعالجة مغامرات فاشلة وقيادات عاجزة، تتلقى الضرب وتعجز عن تقديم أى مواجهة.
وبالعودة إلى نقطة البداية، فإنه من انعكاسات الأزمة، وربما بفضل غباء وغرور نتنياهو وحكومة المتطرفين، أصبحت القضية الفلسطينية فى الواجهة، ونجحت جهود مصر ودول عربية فى إقناع العالم برواية عكس الرواية الصهيونية التى اتخذت من الطوفان ذريعة لأكثر الحروب العنصرية إجراما فى التاريخ الحديث.
والآن أصبح الاحتلال فى عزلة، وتوقف الحرب يضع نتنياهو والمتطرفين فى مأزق، ومواجهة اقتصادية ودبلوماسية سوف تشغل الاحتلال لفترة، وهو ما يفرض استغلال الظرف الحالى للقفز نحو سلام يفتح طريقا للحق، بناء على معطيات جديدة ومن دون غرق فى الشعارات أو الادعاءات الوهمية، فالانتصارات تتحقق بالعقل وليس بالقفز فى مستنقعات المصالح الضيقة.
هناك فرصة صنعها أطفال غزة العُزل، وتعاطف عالمى وخبرة مصرية تحول التحرك إلى مؤتمر عالمى، يدعم القضية ويبنى خطوطا للسلام، وليس مجرد وقف الحرب، وهو ما توفره قمة شرم الشيخ.