ذكرى القرعة الهيكلية.. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تستعد لإحياء يوم اختيار البابا تواضروس الثاني 4 نوفمبر.. موعد روحي وإنساني استثنائي يتقاطع فيه الميلاد مع الدعوة والخدمة.. وهذه أبرز طقوس الاحتفال

الإثنين، 13 أكتوبر 2025 07:00 ص
ذكرى القرعة الهيكلية.. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تستعد لإحياء يوم اختيار البابا تواضروس الثاني 4 نوفمبر.. موعد روحي وإنساني استثنائي يتقاطع فيه الميلاد مع الدعوة والخدمة.. وهذه أبرز طقوس الاحتفال البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية

كتب: محمد الأحمدى

تستعد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 4 نوفمبر المقبل لإحياء الذكرى الثالثة عشرة لاختيار قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عبر القرعة الهيكلية التي جرت في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في عام 2012. ويأتي هذا اليوم بطابع مختلف هذا العام، إذ يتزامن أيضًا مع عيد ميلاد قداسته الثاني والسبعين، ليصبح الرابع من نوفمبر يومًا استثنائيًا يجمع بين ميلاد الأب والرعاية الروحية وبين لحظة استدعائه إلى قيادة الكنيسة في واحدة من أدق الفترات التاريخية لمصر والكنيسة. ويشكل هذا اليوم مناسبة لا تقتصر على الاحتفال البروتوكولي، بل تمتد لتحمل دلالات إيمانية وروحية في ضمير الأقباط، بوصف القرعة الهيكلية علامة إيمانية عميقة تطلب مشيئة الله في اختيار راعٍ يقود الكنيسة.


القرعة الهيكلية.. تاريخ ممتد من بطاركة الإيمان

وتعد القرعة الهيكلية من أبرز التقاليد الكنسية الفريدة في التراث القبطي، إذ تعتمدها الكنيسة عندما يصعب حسم منصب البطريرك عبر التصويت وحده. وتعود جذورها إلى تقاليد كنسية قديمة مستوحاة من العهد الجديد حينما اختير متياس الرسول بالقرعة ليحل محل يهوذا. وقد استخدمت الكنيسة القبطية هذا النظام في اختيار عدد من البطاركة السابقين، من أبرزهم البابا كيرلس السادس عام 1959، ثم البابا تواضروس الثاني في 2012. وتعكس القرعة الهيكلية حرص الكنيسة على أن يكون اختيار البطريرك نتيجة مشيئة إلهية لا تميل إلى الأهواء البشرية أو الحسابات الشخصية، ولذلك تجري القرعة على المذبح بعد صلوات تقديسية وفي أجواء خشوعية صارمة يشارك فيها المئات من الأساقفة والكهنة والشعب.


4 نوفمبر 2012.. اللحظة التي نطقت فيها القرعة باسم "تواضروس"

في صباح الأحد 4 نوفمبر 2012، احتشدت أعين الملايين أمام شاشات التلفاز وأمام أبواب الكاتدرائية العباسية تتابع الحدث التاريخي. وقف ثلاثة مرشحين نهائيين على المذبح: الأنبا رافائيل، القمص رافائيل أفامينا، والأنبا تواضروس أسقف عام البحيرة آنذاك. وخلال لحظة صامتة مهيبة، تقدم طفل صغير معصوب العينين إلى المذبح، اختاره الآباء بإجراءات دقيقة ليكون "طفل القرعة". مدّ الصغير يده إلى صندوق زجاجي يحتوي ثلاث ورقات تحمل أسماء المرشحين، وأمسك واحدة منها، وسلّمها للأنبا باخوميوس القائم مقام البطريرك آنذاك، لتُقرأ الكلمة التي صنعت تاريخًا جديدًا: "الأنبا تواضروس".


كيف تلقى البابا الخبر؟

لم يكن الأنبا تواضروس وقتها حاضرًا في الكاتدرائية، إذ كان يقضي فترة خلوة روحية في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون. ويذكر في لقاء تلفزيوني قديم مع الإعلامي عمرو الليثي أنه لم يكن يتوقع اختياره، قائلاً: «لم أكن أسعى للكرسي المرقسي، فالخدمة ليست منصبًا بل مسئولية ثقيلة أمام الله». وعن لحظة إعلامه، قال: «كنت في قلايتي بالدير حينما أخبروني عبر الهاتف، فأغلقت الخط ووقفت أصلي أولًا، لأنني شعرت أن الحمل ثقيل جدًا». وفي إحدى عظات الأربعاء، عبّر عن مشاعره تلك اللحظة قائلًا: «الإنسان قد يختار لنفسه ما يريده، أما الله فيختار له ما يحتاج إليه» في إشارة إلى ثقته في أن الاختيار كان دعوة إلهية لا مجرد منصب كنسي.


طفل القرعة.. سر البراءة الذي تستدعيه الكنيسة في القرار المقدس

من أكثر الأسئلة التي تتكرر في تلك المناسبة: من هو طفل القرعة؟ وكيف يتم اختياره؟ وتحرص الكنيسة على أن يكون الطفل الذي يسحب اسم البابا معصوب العينين رمزًا لطهارة القلب وعدم التحيز. يتم اختيار الطفل من أبناء إحدى كنائس القاهرة بعد ترشيحات محدودة، بشرط ألا يكون من أقارب أو معارف أي من المرشحين. ويخضع الطفل لاختبار نفسي خفيف للتأكد من هدوئه وقدرته على أداء المهمة دون توتر، ويتم تحضيره روحيًا من خلال صلوات قصيرة قبيل بدء القداس. ويصبح حضور طفل القرعة لحظة مركزية في الطقس، إذ يمثل رمزًا لبراءة الطبيعة الإنسانية قبل أن تلوثها المصالح، ويجسد المعنى الإنجيلي: «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد، فلا تدخلوا ملكوت السموات».


طقوس الاحتفال بذكرى القرعة الهيكلية في الكنيسة

تحيي الكنيسة هذه الذكرى سنويًا من خلال قداس خاص في الكاتدرائية المرقسية يترأسه قداسة البابا بنفسه أو أحد المطارنة في حال سفره. ويتضمن اليوم ترتيلاً للألحان الكنسية الخاصة بالمناسبات الروحية الكبرى، ثم كلمة روحية يلقيها البابا تتناول التأمل في عمل الله في قيادة الكنيسة. وعادةً ما يوجه البابا كلمة قصيرة تحمل رسائل رعوية للكنيسة وللوطن، يؤكد فيها على وحدة الكنيسة ومحبتها للوطن. وفي السنوات الماضية، شهدت المناسبة عرض فيلم توثيقي قصير يعيد مشاهد يوم القرعة عام 2012، إضافة إلى كلمات لبعض أعضاء المجمع المقدس الذين عاصروا الحدث. وفي بعض الإيبارشيات بالخارج، يقيم الكهنة قداسات تذكارية للصلاة من أجل حياة البابا وخدمته.


الرابع من نوفمبر.. حين يتقاطع الميلاد مع الدعوة

ما يميز هذا اليوم أنه لا يحمل ذكرى اختيار البابا فقط، بل هو أيضًا عيد ميلاده، وهو ما يترك أثرًا إنسانيًا خاصًا في هذه المناسبة. ففي أحد لقاءاته، قال البابا مبتسمًا: «4 نوفمبر يوم غريب في حياتي، فيه ولدت مرة بالجسد ومرة بالخدمة» في إشارة إلى أن ميلاده تحول من ميلاد شخصي إلى ميلاد مسئولية جديدة تجاه الكنيسة وشعبها. هذا التزامن جعل المناسبة تأخذ طابعًا إنسانيًا لدى الشعب القبطي، حيث تبدأ التهاني بالدعاء قبل الاحتفال، وتتزايد رسائل المحبة التي توجهها الإيبارشيات والهيئات القبطية للرجل الذي يقود الكنيسة منذ 2012 في مرحلة شهدت تحديات وطنية واقليمية كبرى.

رسالة المناسبة.. قيادة روحية ومسيرة محبة

لا تنتهي رمزية القرعة الهيكلية عند حدود الماضي، فهي لا تزال حاضرة في وجدان الكنيسة لأنها تذكر الأقباط أن القيادة ليست امتيازًا، بل تضحية. وكما قال البابا تواضروس في إحدى عظاته: «البطريرك ليس صاحب سلطة بل صاحب مسئولية». تحمل المناسبة هذا العام رسائل تشدد على روح الوحدة والمحبة، خاصة مع التحديات التي تواجه المجتمع. فالبابا دائمًا ما يربط الاحتفال بالتركيز على العمل والبناء قائلاً: «وطننا أمانة في أعناقنا.. ومحبتنا له جزء من إيماننا»، مؤكداً دور الكنيسة الوطني والثقافي والإنساني.


في انتظار الرابع من نوفمبر..

تستعد الكاتدرائية لإحياء الذكرى هذا العام بحضور أعضاء المجمع المقدس وسفراء وشخصيات عامة وممثلين عن الأزهر والأوقاف والكنائس الشقيقة، ليظل هذا اليوم علامة مضيئة في تاريخ الكنيسة القبطية، واليوم الذي نادت فيه القرعة الهيكلية باسم الأب الراعى: البابا تواضروس الثاني.
 



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب