يُعرف عن أهالي محافظة دمياط أنهم لا يفضلون تناول لحوم الجمال، وهي من المحافظات القليلة التي لا تضم محلات أو مزارع لبيع هذا النوع من اللحوم، ويرجع هذا العزوف إلى قصة تاريخية ترجع إلى زمن الحملة الصليبية على دمياط في القرن الثالث عشر.
ذكر ابن بطوطة في رحلته الشهيرة، فقد وصف دمياط بأنها مدينة حديثة البناء آنذاك، تقع على شاطئ النيل وتتميز بأرضها الرملية وثروتها من الثمار والأسماك والألبان، كانت المدينة عامرة بالحياة والنشاط التجاري، إلى أن شهدت واحدة من أقسى فترات الحصار أثناء الحملة الصليبية الخامسة عام 1218م.
في ذلك الوقت، فرضت الحملة حصارًا قاسيًا على دمياط استمر عامًا ونصف العام، مما تسبب في مجاعة شديدة داخل المدينة، حاول السلطان العادل حينها إنهاء المعاناة عبر عرض صلح على قادة الحملة، لكنهم رفضوا، فاستمر الحصار واشتد الجوع بين الأهالي.
ويروي بعض الباحثون والمؤرخون في تاريخ دمياط أن أهالي دمياط لجأوا إلى حيلة مبتكرة لإدخال الطعام إلى مدينتهم المحاصَرة؛ إذ قاموا بذبح الجمال في مدينة المنصورة، وأفرغوا أجسادها من اللحم، ثم وضعوا بداخلها الأرز والدقيق والطعام، وخاطوها بإتقان، ورشوا على جلودها رائحة كريهة نفاذة حتى ينفر منها الجنود الصليبيون.
وبعد ذلك، ألقوا الجمال في مياه النيل، فكان التيار يجرفها إلى دمياط مرورًا بين سفن العدو التي كانت تبتعد عنها بسبب رائحتها، وكان الأهالي يستقبلونها بالزوارق عند منطقة عزبة اللحم، الواقعة في أطراف المدينة آنذاك، وهي المنطقة التي اكتسبت اسمها لاحقًا من تلك الحادثة التاريخية، حيث كان اللحم من أبرز المواد الغذائية التي وصلت إليهم بهذه الطريقة.
ويرجّح المؤرخون أن هذا الحدث ترك أثرًا نفسيًا طويل المدى لدى أهالي دمياط، جعلهم ينفرون من لحوم الجمال حتى يومنا هذا، حيث ارتبطت في ذاكرتهم الشعبية بفترات الحصار والمعاناة والمجاعة.
وهكذا، ظل هذا الموروث الثقافي يتناقل عبر الأجيال، ليصبح من الملامح الفريدة في عادات الطعام بمدينة دمياط، التي لا تزال تحتفظ بخصوصيتها التاريخية حتى الآن.