لم يمس الشك قلبي طوال السنوات السبع الماضية من أننا قادرون على التحدى، فكل المقدمات الاقتصادية، والقرارات الصعبة التي اتخذها الرئيس كانت صحيحة، وبالتالي ستكون النتائج صحيحة حتماً، واليوم طلت علينا بشائر النجاح، وأفق العبور إلى النصر.

فحين تقرر وكالة ستاندرد آند بورز رفع تصنيف مصر الائتماني إلى درجة B فهذا يعني، أن الاقتصاد المصرى قد حصل على شهادة ثقة دولية في الاستقرار وفي آفاق النمو المتسارع، كما يأتى أيضاً بمثابة اعتراف صريح بأن رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي التي انطلقت قبل سنوات للإصلاح الاقتصادي بدأت تجني ثمارها الفعلية، بعد أن تحمل الرجل مسؤولية قرار صعب لم يتراجع عنه لحظة، رغم الضغوط والتحديات، لأنه كان يثق في الطريق ويؤمن أن الإصلاح هو السبيل الوحيد لنهضة مصر الحقيقية.

طوال سبع سنوات، ووسط تقلبات إقليمية وعالمية عاصفة، من جائحة كورونا إلى أزمات الغذاء والطاقة ثم الحرب في غزة، لم تتوقف الدولة المصرية عن تنفيذ برنامج الإصلاح المالي والنقدي الذي حملته المجموعة الاقتصادية الوزارية بقيادة مباشرة ودعم استثنائي من الرئيس، وها هي النتائج تظهر اليوم في الأرقام والحقائق وبشهادات من كبرى المؤسسات الدولية التي تؤكد ارتفاع الفائض الأولي في الموازنة إلى 3.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع عجز الموازنة الكلي، وتحسن ميزان المدفوعات بفضل مرونة سعر الصرف وعودة التدفقات الأجنبية وتحسن تحويلات المصريين بالخارج وارتفاع إيرادات السياحة.

لم يكن الطريق يسيراً، وكان الاختبار الأقسى الذي مر به الاقتصاد المصري خلال العام الماضي تمثل في تراجع إيرادات قناة السويس نتيجة للهجمات المتكررة التي شنتها جماعة الحوثي في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر، وهو ما دفع العديد من الخطوط الملاحية العالمية إلى تغيير مساراتها بعيداً عن القناة، متجهة نحو طريق رأس الرجاء الصالح، فخسرت القناة جزءاً كبيراً من حركة العبور وانخفضت الإيرادات الشهرية بنسبة تجاوزت 40٪ في بعض الأشهر، ووصلت إلى مستوى غير مسبوق من الخسائر ورغم ذلك، صمد الاقتصاد المصري، ولم يتأثر استقراره المالي ولا التزامه بالإصلاحات، في وقت كانت فيه المنطقة كلها على صفيح ساخن، وكانت فيه قناة السويس أهم مصادر الدخل القومي عبر التاريخ ، ولك أن تتصور أن كل هذا النمو الاقتصادي قد حدث بالفعل وسط ما تعرضت له قناة السويس ، مما يعني أن قوتنا الاقتصادية صارت تعتمد على مصادر اقتصادية أخرى غير القناة، وهذه الملاحظة اللافتة يمكن أن تطمئن قلوبنا بأن القادم أفضل كثيرا حين تعود القناة للعمل بكامل طاقتها.
كل هذا يحدث في مصر بينما كانت الحرب بين إسرائيل وحماس تشتعل في غزة، والاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله تتصاعد على الحدود اللبنانية، بينما تندلع الحرب بين الجيش والدعم السريع في السودان، ويظل التوتر قائماً في سوريا والعراق واليمن و الحرب دائرة بين إيران وإسرائيل ، ليجد العالم نفسه أمام إقليم يشتعل بالكامل، ومع ذلك تظل مصر البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي ينجح في تثبيت أقدامه اقتصادياً ومالياً وسياسياً، بل ويحقق تقدماً في تصنيفه الائتماني في ذروة هذه الأزمات.
من هنا تأتي أهمية رفع التصنيف إلى B: فهو ليس فقط تقديراً لمعدلات النمو والأرقام، بل اعتراف دولي بقدرة الدولة المصرية على الصمود وسط إقليم مشتعل، وبأن سياسة مصر الاقتصادية تعمل بكفاءة رغم العوامل الخارجية المعقدة.

هذه الثقة ستنعكس فوراً على تكلفة الاقتراض الخارجي، وعلى شهية المستثمرين الدوليين تجاه أدوات الدين والأسواق المصرية، بما يعيد فتح قنوات التمويل طويل الأجل أمام الدولة والقطاع الخاص معاً، ويمهد الطريق لمرحلة انفراجة حقيقية مع بدايات عام 2026، حين تعود قناة السويس إلى معدلاتها الطبيعية بعد استقرار البحر الأحمر، وتتعافى إيراداتها تدريجياً، مما سيدعم الاحتياطيات النقدية ويرسخ النمو المستدام.
لقد نجحت مصر في تجاوز عنق الزجاجة بفضل إدارة رشيدة للسياسات النقدية والمالية، وتنسيق كامل بين وزارة المالية والبنك المركزي، وإصرار القيادة السياسية على حماية مسار الإصلاح حتى نهايته ، ومن هنا يصبح رفع التصنيف الائتماني ليس مجرد رقم جديد في تقرير دولي، بل إعلان رسمي عن بدء مرحلة جديدة من الثقة الدولية والقدرة المحلية على تحقيق ما يصبو إليه المواطن المصري وما صبر عليه لسنوات طويلة وصعبة .

إن التحية واجبة للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي اختار الطريق الصعب عن وعي، وواجه كل العواصف بثبات، وللمجموعة الاقتصادية التي نفذت برنامج الإصلاح بكل احترافية ، فحين تصر القيادة على القرار، وتؤمن بالمستقبل، يصبح التفاؤل بالنهضة القادمة ليس حلماً، بل حقيقة تكتبها الأرقام وتشهد بها المؤسسات الدولية.
إن مصر اليوم تقف على أعتاب عام جديد يمكن أن يكون عام الانطلاقة الكبرى نحو الاستقرار والنمو والازدهار في 2026، إذا ما استمرت نفس الروح الجادة، ونفس الانضباط المالي، ونفس الثقة في الذات التي قادتنا إلى هذا الإنجاز الكبير.