أصدرت مبادرة "صحح مفاهيمك" الصادرة من وزارة الأوقاف تقرير حول إيذاء ذوى الهمم، والتى اوضحت فيه أن إيذاءُ ذوى الهمم - سواء كان لفظيًّا أو جسديًّا أو اجتماعيًّا -يمثلُ شكلًا من أشكال العنف الممُنهج الذى يمارسه المجتمع أحيانًا بوعى أو بدون وعى، ويعكس ذلك خللًا فى البنية القيمية والإنسانية، وغيابًا لفهم صحيح لمبدأ المساواة والرحمة والاحترام. وتُعالج حملة "صحح مفاهيمك" هذا السلوك باعتباره مظهرًا خطيرًا من مظاهر الانحراف الأخلاقى والتربوى الذى يستوجب تصحيحًا فكريًّا وسلوكيًّا على المستويين الفردى والجماعيّ.
صور الظّاهرة ومظاهرها
تأخذ ظاهرة إيذاء ذوى الهمم أشكالًا متعددة، منها:
- السخريّة اللفظيّة أو التنمر بناءً على الإعاقة أو الهيئة.
- الإقصاء الاجتماعى من الفعاليات العامة أو البيئات التعليمية.
- التمييز فى فرص العمل والتعليم رغم الكفاءة.
- النظرات المشفقة أو المفرطة فى الشفقة والتى تكرس شعورًا بالنقص.
- انتهاك الخصوصية أو إهانة الكرامة من خلال أسئلة أو تعليقات مهينة.
- الإيذاء الجسدى أو الإهمال فى البيئات الخدمية والطبية.
خطورة الظاهرة وآثارها
1. أثر نفسى مباشر على الفرد: يؤدى إلى شعور بالإهانة، والانعزال، وفِقدان الثقة بالنفس، وأحيانًا الاكتئاب الحادّ.
1. أثر اجتماعيّ: يعمّق من الفجوة بين فئات المجتمع، ويكرّس نظرة دونية للآخر، ويضعف منظومة التلاحم الوطني.
3. أثر تربويّ: يخلق أجيالًا ترى التمييز سلوكًا عاديًّا، وتفتقر إلى التربية على الرحمة والمساواة.
4. أثر قانونيّ: يمثل انتهاكًا للحقوق التى يكفلها الدستور والقانون لذوى الهمم، من تعليم وعلاج وفرص عادلة.
الرؤية الدينيّة والأخلاقيّة
تعامل الإسلام مع ذوى الهمم بوصفهم أصحاب كرامة وإنسانية كاملة، لا تُنتقص بأى حال. وتبرز الشريعة الإسلامية عناية عظيمة بهذه الفئة، حيث خُصصت لهم أحكام شرعية تحمى حقوقهم وتحفظ كرامتهم.
وقد ورد فى القرآن الكريم قول الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ. أن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ...} [عبس: ٢،١] فى سياق عتاب رقيق للنبى -صلى الله عليه وسلم- حين انشغل عن عبد الله بن أم مكتوم، وهو من أصحاب الهمم، مما يدل على عظيم قدرهم.
كما قال النبى -صلى الله عليه وسلم- فى الحديث الشريف: «هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟» [رواه البخاري]، تأكيدًا على أن قوة المجتمع تُقاس برحمته ودعمه لأضعفه، لا بتجاهله لهم.
المفاهيم المغلوطة المرتبطة بذوى الهمم
تسعى الحملة إلى تفكيك عدد من المفاهيم الخاطئة، مثل:
- ربط الإعاقة بالعقوبة أو قلة الإيمان.
- اعتبار ذوى الهمم عبئًا على المجتمع.
- حصر مشاركتهم فى مجالات محدودة أو احتفالية فقط.
- النظر إليهم بمنطق الشفقة بدل الاحترام.
كيفية تناول الحملة للموضوع
تعتمد الحملة على مجموعة من المسارات التوعوية لمعالجة هذا الموضوع:
أولًا: المسار الدينيّ
تُقدَّم خطب ودروس دعوية موجهة تؤكد على حرمة إيذاء ذوى الهمم، وتدعو إلى معاملتهم بكرامة ومساواة، وتُبرز فضلهم ومكانتهم فى الإسلام.
ثانيًا: المسار المجتمعى والأسريّ
تستهدف الحملة التوعية الأسرية والمدرسية، من خلال مخاطبة أولياء الأمور والمعلمين لتربية النشء على احترام الفروق البشرية، والتأكيد على أن القوة تكمن فى التكامل لا فى التشابه.
ثالثًا: المسار الإعلاميّ
تُنتج الحملة محتوى مرئى يتضمن قصصًا إيجابية لأشخاص من ذوى الهمم تحدّوا الإعاقة وحققوا إنجازات بارزة، إلى جانب بث ريلز قصيرة توعوية تتناول مواقف الحياة اليومية التى تتطلب احترام هذه الفئة وتقديرها.
رابعًا: المسار الفنى والدراميّ
إعداد مشاهد تمثيلية مؤثرة، تَعرض نماذجَ من الإيذاء الذى يتعرض له ذوو الهمم، مع عرض البدائل السلوكية الصحيحة.
خامسًا، المسار المؤسسيّ
تعمل الحملة على التنسيق مع المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة، ووزارة التضامن الاجتماعى، لإدماج الرسائل التوعوية فى مراكز الخدمة والرعاية.
سادسًا: المسار التشريعى والقانونيّ
تُبرز الحملة الحقوق المكفولة لذوى الهمم بموجب الدستور والقانون، وتدعو لتفعيل آليات الحماية من التمييز، وتسهيل الإبلاغ عن الانتهاكات.
الرسائل المحورية للحملة
- احترامُ ذوى الهمم واجب دينى وأخلاقى، لا منّة ولا فضل فيه.
- كرامة الإنسان لا تتجزأ، والإعاقة لا تُنقص من إنسانيته أو قدرته على العطاء.
- المجتمعات الراقية تُقاس بمدى قدرتها على دمج جميع أبنائها.
- التمييز فى المعاملة شكل من أشكال الظلم.
- لكل إنسان طاقة خاصة، والإعاقة ليست ضعفًا بل اختلاف.
الهدف من معالجة هذا الموضوع
تهدٌفٌ الحملة إلى:
- بناء وعى اجتماعى يحترم حقوق ذوى الهمم ويؤمن بإدماجهم الكامل.
- مُواجهة التمييز والسخرية والتنمر ضد هذه الفئة.
- تعزيز ثقافة المساواة والرحمة فى المجال العام والمؤسسات التربوية.
- توجيه الخطاب الدينى والإعلامى ليكون مشجعًا على تكريم هذه الفئة، لا الاكتفاء بالتعاطف معها.
الخلاصة
احترام ذوى الهمم ليس قضيةَ فئة بعينها، بل هو مقياس لرقى المجتمع فى منظومته القيمية والإنسانية. ويُعد التصدى لأى شكل من أشكال الإيذاء تجاههم واجبًا وطنيًّا ودينيًّا، يتطلب تضافر الجهود التوعوية والتشريعية والمؤسسية، وهو ما تسعى إليه حملة "صحح مفاهيمك" ضمن رؤيتها لبناء وعى متماسك وإنساني.