في غرفة بسيطة، على أريكة تحمل في طياتها عبق الذكريات، تجلس السيدة فاطمة العشماوي، والدة الشهيد العقيد تامر العشماوي، تتحدث عن ابنها الذي رحل عن الدنيا قبل تسع سنوات، لكنها تتحدث عنه كأنه لا يزال بيننا، تتنقل بكلماتها بين لحظات الفخر والألم، وبين الذكريات التي لا يمكن أن تتوقف.
كيف تصفين لنا شعورك في عيد الشرطة هذا العام؟
شعور مختلط... بين الفخر والاعتزاز، وبين الحزن والاشتياق، تامر ليس فقط شهيداً من أجل وطنه، بل هو أيضاً ابني، الذي كنت أراه كل لحظة في البيت، كان فيه من الطيبة والصدق ما لا يوصف، في عيد الشرطة، نحتفل ببسالة كل من خدم هذا الوطن، لكن في قلبنا تامر لا يغيب، إنه حي في أرواحنا وأفعالنا.
كيف تتذكرين اللحظات الأخيرة التي تحدثت فيها معه؟
تامر كان يعلم جيداً ما ينتظره. دائمًا كان يقول لي: "يا ماما، لو جالي الشهادة، أنا مش خايف، أنا رايح لأعلى مكان". آخر مكالمة بيننا كانت قبل استشهاده بوقت قصير، كان يطمئن عليَّ، يتحدث معي عن العمل، عن آماله في المستقبل، وكأن قلبه كان يشعر أن الوقت قد اقترب. لكنني لم أتوقع أن يكون الوداع الأخير.
.jpg)
حوار السيدة فاطمة العشماوي والدة الشهيد العقيد تامر العشماوي (1)
بعد تسع سنوات على استشهاد تامر، كيف تشعرين اليوم؟
الوقت لا يغير شيء في قلبي، بل يزيدني صلابة في مواجهة الحياة، تامر كان رجلاً شجاعًا، ولم يكن يشبع من تقديم الخير. كانت حياته مليئة بالعطاء، وفي استشهاده أضاف لنا شرفًا عظيمًا، لا أشعر أنني فقدته تمامًا، لأنه لا يزال بيننا في كل خطوة، في كل لحظة أنا فخورة به، كما كنت فخورة به في حياته.
حدثينا عن سيف، الذي التحق بكلية الشرطة بعد استشهاد شقيقه، كيف ترى هذه الخطوة؟
سيف.. رغم شبابه يمتلك من القوة والإرادة ما يعجز عنه الكبار، عندما قرر الالتحاق بكلية الشرطة، كنت أعلم أنه لا يفعل ذلك من أجل إتمام حلم أبيه، بل من أجل خدمة هذا الوطن، كان تامر قد زرع في قلبه حب الوطن وضرورة الحفاظ على أمنه، سيف الآن يواصل نفس الطريق، يحمل حلم تامر معه، لكن في قلبه أمل أن يكون خير خلف لخير سلف.
ماذا تقولين للمجتمع المصري في هذه الذكرى العظيمة؟
مصر اليوم تمر بمرحلة صعبة، ونحن في حاجة إلى التكاتف والتلاحم أكثر من أي وقت مضى. أقول للمصريين: لن نسمح لأي شخص أن يزرع في قلوبنا الشك أو الخوف. التحديات كثيرة، والشائعات تعصف بنا، لكننا أقوى من ذلك بكثير. معركة الوعي هي المعركة الأهم الآن، وعلينا أن نبقى يقظين ومتحدين ضد كل من يريد هدم وطننا. مصر تستحق منا التضحية والولاء.
.jpg)
هل تظنين أن مصر ستظل في مأمن من المخاطر التي تحيط بها؟
أنا واثقة أن مصر ستظل في أيدٍ أمينة. هذه الأرض الطيبة لا يمكن أن يهزمها الظلام. تامر كان يدافع عن هذا الوطن بدمه، وكل من يخدم في الشرطة هو سليل لتلك الروح التي نمت في كل شبر من أرضنا. مهما كانت التحديات، فمصر في قلب كل منا، وحمايتها واجب علينا جميعاً.
ماذا تقولين لابنك الشهيد تامر في عيد الشرطة هذا العام؟
أقول له: "أنت في القلب دائمًا، يا تامر، شرفنا وأنت حي، ولن ننسى تضحياتك مهما مر الزمن".
وأقول له: "إياك أن تظن أننا نسينا، ففي كل يوم نحيي ذكراك ونتذكرك".
تنهض الام والدموع تغالب عينيها، لكنها تحاول إخفاءها بابتسامة. وكأن حديثها هذا هو صلاة من نوع آخر، صلاة تذكر وتخليد لروح شهيد، ولحلم لا يموت.