سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 23 يناير 1935.. مولد المفكر الدكتور جلال أمين بعد أن أفشلت أمه مخطط والده بإجهاضها ودفعت الطبيب الإيطالى بقدمها قائلة: «روح يا شيخ هو أنا حبلى فى الحرام»

الخميس، 23 يناير 2025 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 23 يناير 1935.. مولد المفكر الدكتور جلال أمين بعد أن أفشلت أمه مخطط والده بإجهاضها ودفعت الطبيب الإيطالى بقدمها قائلة: «روح يا شيخ هو أنا حبلى فى الحرام» جلال أمين

جلست الأم أمام الطبيب الإيطالى، وسمحت له بأن يبدأ عملية الكشف عليها حتى يجرى عملية الإجهاض لها استجابة لضغوط الأب، وفجأة تحرك فى قلبها غضب غريزى جعلها تدفع الطبيب بقدمها بكل قوتها صائحة فى ثورة: «روح يا شيخ، هوه أنا حبلى فى الحرام».

تراجع الطبيب خائفا وقال معلنا استسلامه، وبلكنة أجنبية: «يا حبيبى أنا مالى؟ عايز تسقط تسقط، عايز تخبل تخبل»، وعادت الزوجة منتصرة إلى البيت، والأب خائب، ولم يعاود الأب الكرة مستسلما لمشيئة الله، وهكذا حافظت الأم على حملها، حتى وضعت مولودها «جلال أحمد أمين» فى 23 يناير، مثل هذا اليوم، 1935، حسبما يذكر المفكر الدكتور جلال أمين فى سيرته الذاتية «ماذا علمتنى الحياة؟».

كان يحلو للأم ترديد هذه القصة كنوع من الافتخار بمقاومتها للأب المفكر الكبير الدكتور أحمد أمين الذى قدم للمكتبة العربية نحو 29 مؤلفا فى التاريخ الإسلامى والأدب والفكر، وتولى عمادة كلية الآداب بالجامعة المصرية «القاهرة» خلفا لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين دون أن يكون حائزا على الدكتوراه، ويصفه ابنه جلال، قائلا: «كان أبى من أسرة شعبية متوسطة الحال، ولكنه بلا شك «أرستقراطى» الأخلاق والحس، كان دام التساؤل عن الموقف الأخلاقى الصحيح، وكأن المسائل كلها وأمور الحياة كلها تتحول عنده فى نهايات الأمر إلى مشكلة أخلاقية».

بالرغم من هذا الموقف الأخلاقى لأحمد أمين إلا أنه حاول إجبار زوجته على الإجهاض فى حملها الثامن، ويكشف جلال عن السبب، قائلا: «كان أبى لا يريد من الأولاد إلا اثنين أو ثلاثة، فانتهى به الأمر إلى أن أصبح أبا لعشرة، مات منهم اثنان فى المهد وبقى ثمانية، إلى أنه عندما وصل الأمر إلى احتمال مجىء الثامن، وهو أنا، لم يطق أبى صبرا وقرر أنه آن الأوان لأن يضع حدا للأمر وأن يجبر والدتى على الإجهاض».

يذكر جلال، أنه لا يعرف بالضبط سر تمسك أمه بهذا الطفل الثامن، فقد كانت لديها وفرة من الأولاد والبنات، ويضيف معلقا: «من المؤكد أن المصريين كانوا، ولا يزال أكثرهم يعتبر كثرة الأولاد مفخرة للأم، ولكن الأرجح أن الأمر كان يتعلق بوجه خاص بعمتى التى كانت، على حد قول والدتى تحسدها أشد الحسد لكثرة ما أنعم الله به على والدتى من الأبناء الذكور، ومن ثم كان تمسك والدتى بى يرجع فى الأساس إلى رغبتها فى إغاظة عمتى»، ويضيف جلال، أن الإجهاض فى هذا الوقت «منتصف الثلاثينيات» لم يكن أمرا سهلا، وكان على أبيه أن يستعين بطبيب أجنبى، فرتب موعدا مع طبيب إيطالى، ويؤكد: «حاولت أمى عدة مرات الهرب، مرة إلى بيت أخيها فى العباسية، ومرة إلى بيت أختها فى قريتهما «زاوية البقلى» بالمنوفية، حتى اضطرت فى النهاية إلى الرضوخ لتهديدات أبى، فانصاعت لأمره وذهبت معه إلى الطبيب».

جرى ما جرى فى عيادة الطبيب برفض الأم التى كانت فى نحو الأربعين من العمر بالاستمرار فى الخضوع لرغبة الأب وكان فى نحو الخمسين، وحافظت الأم على حملها ثم ولدت جلال، وكبر حتى صار واحدا من كبار المفكرين بمصر، وبدأت البذرة الأولى لمساره الفكرى فى ظل أب يصفه قائلا: «رجل قليل الكلام، قليل المرح، يأخذ الحياة مأخذ الجد، ولا يجد متعة حقيقية إلا فى القراءة والكتابة».

حرص الأب أحمد أمين على تعليم أولاده تعليما راقيا، وبالإضافة إلى ذلك ساهمت القراءة فى تقدمهم المعرفى المبكر، ويكشف جلال تأثير هذا الجانب عليه، قائلا: «ما أجمل الكتب التى قرأتها بين سنى العاشرة والعشرين، كانت هذه السنوات العشر التالية للحرب العالمية «1945 - 1955»، وعندما استرجع فى ذهنى ما كنت أقرأه فى تلك الفترة لا تدهشنى كميته بقدر ما تدهشنى جودته، وأتساءل بأسف: كم هو صعب فى أيامنا الحالية أن يصادف صبى فى مثل هذه السن، لا فى مصر وحدها بل وفى غيرها أيضا هذه الفرصة الرائعة التى أتيحت لى».

يؤكد جلال: «كان الفضل الأكبر فى هذا يعود إلى طبيعة البيت الذى نشأت فيه، كان أبى يتلقى سيلا لا ينقطع من الكتب المهداة إليه من مختلف الأنواع، وكان بعضها من قصص الأطفال التى كتبها بعض أصدقائه أو تلاميذه، فكان يلقى إلينا بهذه الكتب لنقرأ منها ما نشاء دون أى توجيه منه أو متابعة لما نقرأ، هكذا قرأت فى سنواتى الأولى كتب كامل الكيلانى ذات الطباعة الأنيقة والصور الملونة، وما كان يؤلفه أو يترجمه أحمد عطية الإبراشى وجودة السحار»، ويذكر جلال أنه اتخذ قراره فى سن مبكرة جدا بأن يحقق نوعا من التفوق أو التميز عن طريق الكتابة، ويرى أن هذا القرار كانت له علاقة وثيقة بالمكانة العالية التى كانت تحتلها الكتابة والتأليف والنشر فى أسرة أحمد أمين.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة