مع وصول إدارة دونالد ترامب الجديدة إلى السلطة، تستعد أمريكا الجنوبية لتغييرات في السياسة الأمريكية ، خاصة من ناحية الجريمة المنظمة والهجرة والرسوم الجمركية ، مع مواجهة القارة العديد من التحديات.
وتشكل الجريمة المنظمة أولوية على جدول الأعمال، وقد كانت الضربات ضد المجرمين المكسيكيين واحتمال استعادة قناة بنما من بين المواضيع المدرجة في خطاب الرئيس المنتخب، فكيف ستتأثر مكافحة الجريمة في أمريكا اللاتينية بوصول ترامب.
وفقا لتقرير نشرته صحيفة الكوميرثيو الأرجنتينية فإنه في جواتيمالا، واجه أولئك الذين يحاربون الفساد أزمة في مايو 2018، حيث تم تجميد المساعدات الأمريكية لهيئة مكافحة الفساد المدعومة دوليا والمعروفة باسم اللجنة الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب في جواتيمالا (CICIG) من قبل ماركو روبيو، السيناتور الجمهوري الذي اختاره الرئيس الأمريكي مؤخرا.
ووفقا للتقرير فقد حققت اللجنة الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب في جواتيمالا نجاحا وشعبية، وقد ساعد في التحقيق في مخططات الفساد وملاحقتها والتي وصلت إلى مناصب الرئيس ونائب الرئيس.
لكن عمل اللجنة الدولية لمكافحة الفساد في جواتيمالا أثار رد فعل هائلا من جانب الشبكات الفاسدة التي ساعدت في كشفها، وكان قرار روبيو بحجب ستة ملايين دولار من التمويل الأمريكى، مستشهدا بمزاعم مشكوك فيها بشأن النفوذ الروسي على اللجنة، بمثابة ضربة قوية للمؤسسة الضعيفة بالفعل.
تم الإفراج عن الأموال بعد عدة أشهر، ولكن في أعقاب الحادث، صعد الرئيس الجواتيمالي آنذاك جيمي موراليس وشبكات الفساد ذات العلاقات العسكرية من هجماتها على اللجنة الدولية لمكافحة الفساد في جواتيمالا. وأعلن موراليس، بدعم من الجنود والدبابات التي تحيط بمكاتب اللجنة الدولية لمكافحة الفساد في جواتيمالا، عن خططه لطرد اللجنة.
كان الدعم الأمريكى حاسماً للجنة الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب في جواتيمالا منذ إنشائها في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، و لكن ترامب، الذي كان يقضي فترة ولايته الأولى كرئيس آنذاك، لم يفعل شيئاً لحماية اللجنة من الهجوم. ويبدو أن إدارته تعطي الأولوية لتعاون موراليس في الحد من الهجرة على حساب التزام الرئيس الجواتيمالي بالحكم الشفاف.
تم إغلاق اللجنة الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة والفساد في جواتيمالا بشكل كامل في عام 2019، مما يمثل انتكاسة كبيرة في مكافحة الجريمة المنظمة والفساد الذي لا يزال يبتلي جواتيمالا اليوم.
وتقدم قصة اللجنة الدولية لمكافحة الفساد في جواتيمالا مثالاً على كيفية تعامل إدارة ترامب القادمة مع قضايا مماثلة تتعلق بالجريمة المنظمة والفساد في المنطقة عندما يعود إلى البيت الأبيض في 20 يناير.
ويعمل ترامب على تجميع فريق من الموالين والمتشددين لتولي المناصب العليا في إنفاذ القانون والأمن والشؤون الخارجية، والذين من المرجح أن يتبنوا نهجا عسكريا، وقبل كل شيء نهجا تجاريا، لمكافحة الجريمة المنظمة في أمريكا.
الهجرة
تعتبر الهجرة من أهم الأمور المثيرة للقلق، حيث أنه سيقوم بتشديد سياسة الهجرة وينفذ أكبر جهد ترحيل فى تاريخ الولايات المتحدة، وهى مسألة لا تؤثر على المهاجرين فحسب بل أنها ستؤثر على اقتصادات البلدان، حيث تمثل التحويلات نسبة مهمة من ناتجها المحلى الإجمالى، كما هو الحال فى المكسيك، أو بشكل خاص فى المثلث الشمالى، جواتيمالا والسلفادور وهندوراس.
وعلى نحو مماثل، كان من المتوقع تشديد القيود على طلب اللجوء، وهو ما من شأنه أن يجعل من الصعب على الأشخاص الفارين من العنف أو الاضطهاد العثور على ملجأ فى الولايات المتحدة. يخطط ترامب لإنهاء برامج الاستقبال مثل وضع الحماية المؤقتة (TPS) التى استفاد منها الفنزويليون والهايتيون والنيكاراجويون والكوبيون فى السنوات الأخيرة.
كما أنه من المتوقع أن يمارس ترامب ضغوطا أكبر على دول مثل المكسيك وبنما وكولومبيا لوقف تدفق الهجرة إلى الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تضطر المكسيك إلى لعب دور أكثر نشاطا فى الحد من وصول المهاجرين إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.
ووفقا للبيانات الرسمية، اعترضت سلطات الهجرة حوالى 313,496 فنزويليًا غير مسجلين فى العام الماضى، ووعد ترامب كمرشح، وعد الجمهورى بترحيل المهاجرين الفنزويليين على وجه التحديد على وجه السرعة، مع التركيز على أولئك الذين يصنفهم على أنهم "مجرمين".
مخاوف من عودة اليمين المتطرف
وبعيدًا عن تداعيات السياسة الخارجية لأمريكا الشمالية على مصالح أمريكا اللاتينية، تجدر الإشارة إلى التأثير الأيديولوجى لترامب وتعزيز اليمين المتطرف فى أمريكا اللاتينية.
كما أن فوز ترامب يجعل عودة جايير بولسونارو إلى رئاسة البرازيل أكثر احتمالا، ولن يتوقف خافيير مايلى أو ناييب بوكيلى عن الإصرار على فضائل هذه الأساليب، ويسمح ترامب بتعزيز مواقف اليمين المتطرف، أيضا فى أمريكا اللاتينية، والتى تزيد من استقطاب المنطقة.
والأرجنتين والسلفادور أكثر المرحبين به
ويرى الخبراء أنه من المؤكد أن هناك أسباباً وجيهة للقلق فى المنطقة، نظراً لانتخاب دونالد ترامب. بصفته رئيسًا للولايات المتحدة، فإن مناهجه الأيديولوجية اليمينية المتطرفة تجعله لاعبًا مزعزعًا للاستقرار على مستوى العالم وأيضًا فى أمريكا اللاتينية. لا يمكن إنكار إعادة التشكيل الجيوسياسى العالمى مع دونالد ترامب، فى وقت يتسم بعدم الاستقرار الكبير والصراعات المفتوحة، على المستوى الدولى.
لكن فيما يتعلق بالمنطقة، تجدر الإشارة إلى أن التداعيات ستختلف باختلاف مستويات تبعية دول أمريكا اللاتينية سياسيا واقتصاديا للقوة الأمريكية الشمالية، بل أن هناك دولاً يمكن أن تستفيد، نظراً لقربها الإيديولوجى من الرئيس الجديد، كما هى الحال مع ناييب بوكيلى أو خافيير مايلى، رئيسى السلفادور والأرجنتين، على التوالى.