سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 12يناير 1950.. طه حسين يتلقى نبأ اختياره وزيرا للمعارف أثناء استماعه لقصة من تأليف شكسبير ويتفق مع النحاس باشا رئيس الحكومة على إقرار مجانية التعليم الابتدائى والثانوى

الأحد، 12 يناير 2025 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 12يناير 1950.. طه حسين يتلقى نبأ اختياره وزيرا للمعارف أثناء استماعه لقصة من تأليف شكسبير ويتفق مع النحاس باشا رئيس الحكومة على إقرار مجانية التعليم الابتدائى والثانوى  طه حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كلف الملك فاروق، النحاس باشا بتشكيل الحكومة يوم 10 يناير 1950، بعد فوز حزب الوفد بالانتخابات البرلمانية، فاقترح النحاس على «نجيب الهلالى باشا» وزارة الخارجية لكنه اعتذر، فرشحه لوزارة المعارف فاعتذر كذلك، وتعلل بأن لديه فى مكتبه قضايا كبيرة وعويصة، وسأله النحاس: «من يتولى وزارة المعارف وأنت الذى أدرتها فى الوزارة السابقة بمهارة، وأخرجت تقرير التعليم الذى كان موضع إعجاب رجال التربية جميعا، قال: أرشح الدكتور طه حسين»، حسبما يذكر «النحاس باشا» فى الجزء الثانى من مذكراته، تحقيق ودراسة الكاتب أحمد عز الدين.

التقى «النحاس» «طه» وعرض عليه المنصب، وفقا للدكتور محمد حسن الزيات وزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر 1973 وزوج ابنة طه حسين فى كتابه «ما بعد الأيام»، مضيفا، أن طه رجا النحاس معاودة التفكير لأنه ليس عضوا فى الوفد، وأن السراى (الملك) غاضبة عليه منذ زمن بعيد، كما أنه ملتزم أمام نفسه وأمام الشباب ببرنامج للتعليم سبق أن شرحه عام 1937 فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر»، وهو لا يعرف رأى وزارة الوفد عندما تتولى الحكم فى تطبيق هذا البرنامج الذى يؤكد ضرورة إعلان مجانية التعليم الابتدائى والثانوى، وأضاف طه، أن هناك سببا رابعا لا يحتاج إلى تبيين «يقصد عاهته».

فند «النحاس» ما ذكره طه حسين، قائلا: «السبب الرابع كلام فارغ، إن سمح الدكتور بهذا التعبير، فقد قام طه حسين بواجباته فى إدارة كلية الآداب وفى مراقبة الثقافة، وأدى عمله مستشارا لوزارة المعارف ومديرا لجامعة الإسكندرية بكفاءة ودقة لا تُعرف عن المبصرين، أما عن موقف السراى، فهى مخيرة بين النحاس باشا ومعه طه حسين، وبين رفض تعيين طه وزيرا للمعارف ورفض تعيين النحاس رئيسا لمجلس الوزراء، وعن موقف الوفد فإن أعضاء الحزب سوف يسرهم جميعا قبولك مشاركتنا فى تحمل أعباء الوزارة».

رد طه: «فى اعتقادى أن التعليم العام يجب أن يكون مجانيا كى لا يحرم واحد من أبناء الوطن، وكى تتاح لجميع المواطنين فرصة متكافئة»، فقال النحاس: «عارف، وأنت لا بد متذكر أننا التقينا مرة فى قطار من قطارات الصعيد وتحدثنا فى هذا الموضوع»، ويقول طه: وإذا أصبحت أنا وزيرا للمعارف فإن رفعتكم ستحبون قطعا إعلان مجانية التعليم فى أول خطاب للعرش تلقونه أمام البرلمان».

هذه الرواية التى ذكرها «الزيات» يصفها الكاتب الصحفى إبراهيم عبدالعزيز بأنها غير دقيقة، ويذكر فى كتابه رواية أخرى، مستندا إلى ما ذكره طه حسين نفسه، فعن مجانية التعليم وحسب جريدة الأهرام يوم 3 مارس 1951، قال طه فى خطبة بالدقهلية أثناء جولته لحث الأغنياء على التبرع لإنشاء المدارس: «أؤكد لكم أننى ما دعوت إلى نشر العلم وتيسيره، وإنشاء المدارس الكثيرة قبل أن أكون وزيرا إلا بعد أن اتفقت مع النحاس باشا على أن أدعو إلى هذا، ونحن بعيدون عن الحكم، بحيث إذا عاد إلى الحكم كان جزءا أساسيا من برنامجه، إنما كنت أدعو إلى نشر العلم بوحى منه واتفاق معه، كنت أعبر عن نفسه وقلبه وأمله، وأقسم صادقا وأشهد ويشهد الوزراء جميعا أنه هو الذى وضع فى خطبة العرش الأولى مجانية التعليم فورا».

وعن قصة دخوله الوزارة وخروجه منها، أوضح طه حسين فى مقال له بالأهرام، 3 مايو 1952، أنه دخلها فجأة دون أن يستشار كما أخرج منها فجأة دون سابق إنذار، وقال فى مقاله: «الله يشهد ما عرفت هذا الترشيح إلا بعد أن أرسل مشروع المرسوم بتأليف الوزارة إلى القصر، ودعيت لا ليعرض علىّ هذا الترشيح ولا ليسمع رأيى فيه، ولكن لأنتظر النبأ بتوقيع المرسوم، ولأذهب بعد ذلك مع الزملاء إلى القصر لحلف اليمين القانونية.

ولقد أرانى مغرقا فى الاستماع لقصة من قصص شكسبير حين أنبئت بأن الرئيس يدعونى فى التليفون فلما استجبت له، طلب إلى أن أزوره فى داره فورا، فقطعت القراءة حيث قطعها التليفون، وأسرعت إليه أظنه سيستشيرنى فى بعض الأمر كما يتفضل بذلك بين حين وحين، فلم أكد ألقاه حتى أنبأنى بأنه اختارنى وزيرا للمعارف، ولم أكد أرد عليه تحيته واختياره حتى أنبأنى بأن المرسوم قد رفع إلى القصر، وبأن المناقشة لا تفيد، فلم أزد على أن شكرت وانتظرت واستقبلت الوزارة أحسبها أمرا هينا، وما أكثر ما يستقبل الناس من الأمور الهينة، ولكن لم أكد أمارس بعض أمرها حتى رأيتنى غرقت فيها إلى أذنى، وأنسى كل شىء إلا أن هناك شعبا يريد أن يتعلم وإنى موكل بتعليمه، وأن الوسائل إلى تعليمه محدودة لا تسعف، وقصيرة لا تؤدى إلى الغاية، وإن على أن أبذل خير ما عندى لأصل إلى خير ما يمكن الوصول إليه».







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة