محمد شعبان، شاب مصري من محافظة بورسعيد، هو واحد من تلك النماذج التي تعكس المعنى الحقيقي للإصرار والكفاح، حيث لم تكن حياته سهلة ولم تمض وفقا للتوقعات، لكنه نجح في تحويل كل انتكاسة إلى فرصة جديدة للتعلم والنمو.
بدأت رحلة محمد عندما حصل على شهادة الثانوية العامة، وكانت فرحته لا تقل عن فرحة أسرته، خاصة والده الذي كان يرى فيه مستقبلا مشرقا، التحق محمد بكلية الزراعة بجامعة أسيوط، وكان هذا الانضمام خطوة نحو تحقيق طموحاته، أو هكذا اعتقد، لكن الحياة غالبا ما تأتي بتحديات غير متوقعة، فبعد عام واحد فقط من التحاقه بالجامعة، اضطر محمد لاتخاذ قرار صعب؛ قرر ترك الكلية والعودة إلى بورسعيد بسبب ظروفه المادية الصعبة.
لم يكن قرار ترك الجامعة سهلا، خاصة عندما يرى الشاب أحلامه تتبخر أمام عينيه، لكنه لم يسمح للإحباط بأن يسيطر عليه، فقرر محمد استكمال دراسته بطريقة تتناسب مع إمكانياته، فالتحق بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية في بورسعيد، ورغم التحول الكبير في مساره الأكاديمي، لم يتردد في بذل أقصى جهوده لتحقيق النجاح، وبالفعل، تفوق في دراسته، وحصل على تقدير امتياز طوال السنوات الأربع.
ومع نهاية مشواره الأكاديمي، كانت طموحات محمد تتجاوز مجرد الحصول على الشهادة، لقد كان يحلم بالعمل كمعيد في المعهد الذي تفوق فيه، وكان هذا الهدف مشروعا ومنطقيا بالنظر إلى أدائه المتميز ودعم أساتذته له طوال فترة الدراسة، لكن صدمة جديدة كانت في انتظاره، فقد عجز عن الحصول على هذا الحق، لأسباب إدارية قد تكون غير عادلة، ليجد نفسه مرة أخرى في مواجهة واقع مليء بالعراقيل.
ولأن محمد شعبان لم يكن من النوع الذي يستسلم، قرر أن يسلك الطريق القانوني للحصول على حقه، فرفع قضية ليحصل على فرصته العادلة في العمل كمعيد، وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه نتائج المعركة القضائية، أدرك أن الحياة لا تتوقف عند حلم واحد، وبدأ يبحث عن طرق أخرى للنجاح وتحقيق ذاته، سواء في الحياة العلمية أو العملية.
بالتوازي مع رحلته القانونية، بدأ محمد شعبان في البحث عن فرصة عمل تساعده على مواجهة متطلبات الحياة، جرب العديد من المهن، وتنوعت تجربته بين مجالات مختلفة، إلى أن استقر في مهنة إصلاح زجاج السيارات المشروخة، وهي مهنة قد تبدو بعيدة عن طموحاته الأصلية، لكنها كانت بالنسبة له بداية جديدة.
محمد لم يكن يرضى بالحلول التقليدية، فكما كان متفوقا في دراسته، سعى للتفوق في مهنته الجديدة، قرر أن يطور من نفسه، فبدأ في الحصول على دورات تدريبية متقدمة من شركات إنجليزية متخصصة في مجال إصلاح الزجاج، لم يكتفِ بذلك، بل بدأ في استيراد المواد والمعدات المتطورة التي ساعدته في أن يصبح محترفا في هذا المجال.
في فترة قصيرة، أصبح محمد شعبان اسما معروفا في بورسعيد، كان معروفا بمهارته الفائقة في إصلاح زجاج السيارات، وبدأ يتوافد عليه العملاء من مختلف الأماكن، لكن القصة لم تنتهِ هنا، فالناس الذين عرفوا قصته وتأثروا بإصراره وكفاحه أطلقوا عليه لقب "دكتور السيارات"،كان هذا اللقب بمثابة تعويض معنوي له عن الحلم الذي كاد أن يضيع منه، لكنه لم يتوقف عن السعي لتحقيقه بطرق أخرى.
لقد أصبح محمد شعبان نموذجا للكفاح المستمر، ليس فقط لأنه نجح في مهنته، ولكن لأنه استطاع تحويل كل خيبة أمل إلى فرصة جديدة، من طالب جامعي كان يطمح في أن يصبح معيدا، إلى شخص استطاع أن يصنع لنفسه اسما في مجال مختلف تماما.
إن قصة محمد هي درس حقيقي لكل من يواجه تحديات الحياة، فهي تظهر أن النجاح لا يقتصر على المسار الأكاديمي أو المهني الذي يختاره الإنسان في البداية، بل يكمن في القدرة على التكيف مع الظروف والتفوق في أي مجال يتاح له.
ختاما، قصة محمد شعبان ليست مجرد قصة شاب كافح ليحقق طموحاته، بل هي قصة إنسان يمتلك عزيمة قوية وإصرارا لا ينكسر، إنه مثال حي على أن الأحلام يمكن أن تتغير، لكن القدرة على تحقيق النجاح تظل دائما موجودة لمن يسعى ويثابر.