رضا فرحات

«التطرف والإلحاد والشذوذ» أضلاع مثلث تدمير الشعوب

الأحد، 29 سبتمبر 2024 09:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى زاوية مظلمة، حيث تتلاطم أمواج الفكر المتطرف، يتربع مثلث شيطانى يحمل فى طياته قوى دمار هائلة، أضلاعه عبارة عن ثلاثة رؤوس مدمرة تمثل تهديدا وجوديا للمجتمعات والأمم، وهى التطرف والإلحاد والشذوذ، التى تبدو للوهلة الأولى مختلفة فى أهدافها وأساليبها، إلا أنها تتشابك فى واقع الأمر مع بعضها لتدمير البناء الاجتماعى والثقافى للأمم والشعوب، ولا يخفى على أحد أن كل واحدة من هذه الظواهر الثلاث تمثل تهديدا واضحا للقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، التى تشكل الأساس المتين للمجتمعات، لذا وجب علينا التصدى لهذه القوى بكل حزم وقوة.


الضلع الأول فى هذا المثلث الخطير هو التطرف الذى يعد واحدا من أخطر التحديات التى تواجه المجتمعات المعاصرة، خاصة فى منطقتنا العربية، فهو فكر متشدد يعتمد على العنف والإقصاء، ويستغل الدين فى تبرير جرائمه وأفعاله، وشهدنا خلال السنوات الماضية الكثير من المآسى التى نتجت عن التطرف والإرهاب الذى حصد أرواح الأبرياء ودمر المجتمعات، لأن التطرف لا يقف عند حدود الفكر بل ينتقل إلى التنفيذ العملى، من خلال الأعمال الإرهابية التى تهدف إلى تقويض استقرار الدول وزعزعة أمنها.


على الجانب الآخر، يمثل الإلحاد تهديدا مختلفا لكنه لا يقل خطورة عن سابقه، فالإلحاد هو رفض للوجود الإلهى والقيم الدينية، وهو بمثابة فراغ روحى وفقدان للبوصلة الأخلاقية التى تهدى الإنسان فى حياته، ولا يمس الإلحاد الأفراد الذين يعتنقونه فقط، بل يمتد تأثيره إلى المجتمع ككل، حيث يضعف الروابط الاجتماعية ويهدم الأسس التى تقوم عليها الأخلاق العامة، لأن المجتمعات الإسلامية والعربية على وجه الخصوص تعتمد على الدين كعنصر محورى فى تشكيل هويتها الثقافية والقيمية، وبالتالى فإن أى انحراف نحو الإلحاد يعد تهديدا مباشرا لهذه الهوية، لذلك يجب أن ندرك أن الإلحاد لا يعبر عن حرية فكرية بقدر ما يعبر عن فقدان للإيمان والقيم الروحية التى تمثل أساس حياة الإنسان، لذا فإن التصدى للإلحاد لا ينبغى أن يكون عبر الإقصاء أو التهميش، بل من خلال نشر الوعى والفكر المستنير الذى يعزز من قيمة الإيمان والدين فى حياة الأفراد.


الشق الثالث فى مثلث تدمير الشعوب هو الشذوذ الجنسى، الذى يمثل تهديدا كبيرا للقيم الاجتماعية والأخلاقية، وأصبح يروج له بشكل غير مسبوق عبر وسائل الإعلام والمنصات الاجتماعية الغربية كحق من حقوق الإنسان، لكن فى واقع الأمر هذا الفكر يتناقض مع الفطرة السليمة والطبيعة الإنسانية، ويهدف إلى هدم القيم الأسرية التى تقوم عليها المجتمعات، ولا يعد الشذوذ انحرافا عن الفطرة الطبيعية للإنسان فقط، بل هو تهديد مباشر لاستقرار الأسرة، التى تعد اللبنة الأساسية فى بناء المجتمع، والمجتمعات التى تتسامح مع مثل هذه الظواهر تنزلق تدريجيا نحو تفكك أسرى واجتماعى، وتصبح عرضة لانهيار فى القيم والمبادئ التى حافظت على استقرارها على مر العصور.


وبالنظر إلى الأضلاع الثلاثة لهذا المثلث المدمر، نجد أنها جميعا تشترك فى هدف واحد ألا وهو تفكيك الهوية الوطنية وإفساد الفطرة السليمة التى يقوم عليها استقرار المجتمعات، سواء كان ذلك من خلال الإلحاد الذى ينزع الروحانية، أو التطرف الذى يدمر التعايش السلمى، أو الشذوذ الجنسى الذى يشوه مفهوم الأسرة، وتكون النتيجة النهائية هى مجتمعات ضعيفة وهشة وغير قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.


إن الهوية الوطنية والفطرة السليمة هما الدرع الواقى فى وجه هذه التهديدات، والمجتمع الذى يتمسك بقيمه الدينية والأخلاقية ويعزز روح التضامن بين أفراده يستطيع أن يقف أمام محاولات التفكيك والتدمير - الهوية الوطنية - لا تعنى الانتماء إلى قطعة أرض أو حدود جغرافية فقط بل هى انتماء إلى تاريخ وقيم مشتركة تجمع بين أفراد المجتمع، وتعزيز هذه الهوية يبدأ من الأسرة والمدرسة والإعلام، حيث تعد الأسرة هى المؤسسة الأولى التى تغرس فى الأفراد القيم الأخلاقية والدينية، والمدرسة هى التى تعزز هذه القيم من خلال التعليم الهادف، أما الإعلام فيجب أن يكون أداة لنشر الوعى والتثقيف وليس وسيلة لنشر الفوضى الفكرية والتشكيك فى القيم.


تتطلب مواجهة مثلث تدمير الشعوب جهودا متكاملة من الجميع، الحكومات، المؤسسات الدينية، منظمات المجتمع المدنى، التى يجب عليها تحمل مسؤولية حماية المجتمع من هذه الأخطار، ويجب أن نعمل معا لنشر الوعى حول مخاطر الإلحاد والتطرف والشذوذ الجنسى، وتقديم حلول عملية تعزز الفطرة السليمة وتحصن المجتمعات من هذه الظواهر الهدامة.


فى الختام، وعلى الرغم من الظلام الذى يلفنا، فإن هناك بصيص أمل، فالشعوب الواعية القادرة على التفكير النقدى هى حصن حصين ضد الأفكار المتطرفة، فبالتعليم والتوعية والحوار يمكننا أن نبنى مجتمعات أكثر تسامحا وسلاما، والمضى قدما نحو مستقبل أفضل وأكثر استقرارا.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة