مر العاهل السعودى الملك فيصل إلى القاهرة يوم 9 سبتمبر من عام 1965 لزيارة جمال عبدالناصر، ردا على زيارته إلى جدة، حسبما يذكر محمد حسنين هيكل فى كتابه «الانفجار - 1967»، مضيفا: «كانت العلاقات بين الاثنين ما زالت تعيش فى الأجواء الودية لاتفاق جدة، ووجدها جمال عبدالناصر فرصة سانحة ليحدث الملك فيصل فى نفس الموضوع الذى أشار إليه فى خطابه العام عن «عمليات الاتجار داخل مؤتمرات القمة».
كان اللقاء قبل مؤتمر القمة العربية المقرر عقده فى «الدار البيضاء» بالمغرب «13 سبتمبر 1965»، وكان الاتفاق الذى عقد فى جدة معنيا بالوصول لحل حول الخلاف المصرى السعودى بشأن اليمن، وتم التوصل إليه يوم 24 أغسطس 1965، واتفق فيه على أن «يقرر الشعب اليمنى رأيه فى نوع الحكم الذى يرتضيه لنفسه، وذلك فى استفتاء شعبى فى موعد أقصاه يوم 23 نوفمبر 1966».
أما المقصود بعمليات الاتجار داخل مؤتمرات القمة، فكان عبارة عن تحذير أطلقه عبدالناصر فى خطاب عام يوم 29 أغسطس 1965، وقال فيه نصا: «إذا استمرت عملية الاتجار هذه داخل مؤتمرات القمة فإن روح هذه المؤتمرات تضيع وتعجز عن تحقيق أى هدف من أهدافها، وبالتالى فإن الجمهورية العربية المتحدة «مصر» ستجد نفسها مضطرة إلى الانسحاب من مؤتمرات القمة لتحمل مسؤولياتها التاريخية القومية وحدها»، وكان «عبدالناصر» يقصد فى ذلك أطروحات النظام السورى برئاسة الفريق أمين الحافظ.
فى صباح 10 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1965، وطبقا لهيكل: «عقد عبدالناصر وفيصل اجتماعا مغلقا بينهما، وقصد جمال عبدالناصر أن يكون صريحا إلى أبعد حد ممكن، ووفقا للصفحة السادسة من محضر الاجتماع، قال لفيصل: «إذا كان كل طرف منا سيدخل فى مزايدات هدفها إحراج الطرف الآخر بأكثر مما يستطيع فى هذه الظروف، فإننا سنجد أنفسنا أمام طريق مسدود وخطر، فهم يطالبون الآن بتحرير فلسطين والإسكندرونة وعربستان إلى آخره عن طريق العمل المسلح، وهذه كلها أهداف قد تكون مطلوبة ولكن تحقيقها مرهون بأجيال مقبلة، وبأوضاع أخرى تكون فيها الأمة العربية أحسن حالا وأكثر قوة وأشد تماسكا مما هى الآن، وأنا لم أتردد فى أن أقف فى اجتماع عام، وعلى مسمع من كل الجماهير العربية، وأقول أنه ليست عندى خطة لتحرير فلسطين، وكنت أعلم مقدما أن هذا الكلام سوف يحدث خيبة أمل لدى الشعوب العربية، ولكنى قبلت المسؤولية بواجب الحقيقة، فنحن بالفعل جميعا لا نملك خطة لتحرير فلسطين الآن، ولا نملك الوسائل لتحقيق ذلك الهدف على فرض أن لدينا خطة».
وأضاف «عبدالناصر» لفيصل: «اعتقادى أن الصراع بيننا وبين إسرائيل قضية مائة سنة، وإذن فالمزايدة الآن فى هذا الموضوع لن يكون من شأنها إلا تضييع الممكن فى طلب المستحيل، وأنا لا أسمح لأحد أن يزايد علىّ فى قضية التحرر العربى، واعتقادى أننا الآن مطالبون بأن نحقق لأنفسنا إمكانية العمل داخل حدودنا، وأما خارج هذه الحدود بأعمال هجومية فإن ذلك يتعدى طاقتنا الحالية ويعرضنا لردود فعل لا نستطيع مواجهتها، فالولايات المتحدة مثلا لن تسمح لنا بالهجوم على إسرائيل، بل إننى على استعداد لأن أقول لك، وأنا قادم من زيارة أخيرة للاتحاد السوفيتى، أن الاتحاد السوفيتى نفسه لن يسمح لنا بالهجوم على إسرائيل، ولست أعرف لمصلحة من هذه المزايدات التى تنتظرنا فى الدار البيضاء».
رد الملك فيصل، قائلا: «إنه والله لا يفهم السبب الذى يحدو بالبعض منا إلى أن يقولوا كلاما هو أول من يعرف أنه فوق طاقتهم، لكنهم يتكلمون لإثارة الرأى العام، وهذا هدفهم بصرف النظر عن النتائج، وهو على أى حال يتفهم موقف الرئيس لكنه يعرف مقدما أنه لا يستطيع أن يسانده فى التصدى لهذه المزايدات، فلو نطقنا بكلمة واحدة - طال عمرك - لاتهمونا على الفور بالتخلف وبالرجعية، وبأننا عملاء للأمريكان، والحقيقة فخامة الرئيس، أن التصدى لهذه المزايدات لا يجئ إلا منك، فلا يفل الحديد إلا الحديد كما يقولون».
انتقل عبدالناصر إلى نقطة أخرى وهى وجود قوات الطوارئ الدولية فى سيناء، مؤكدا أن «وجودها لا يقيد مصر على الإطلاق فى حال اعتداء إسرائيل على أى بلد عربى، وأنها موجودة بإذن من مصر وسحبها مرهون بأمر من القيادة العسكرية المصرية، وطلب عبدالناصر من فيصل أن يتدخل فى حال إثارة هذه القضية فى القمة العربية بالدار البيضاء، فرد فيصل بأنه يتفهم ذلك، ثم أضاف عبدالناصر ملاحظة قال فيها: «إن صحفا معنية فى بيروت يفترض أنها تعبر عن السعودية تتخذ من قضية قوات الطوارئ نوعا من قميص عثمان»، ورد فيصل قائلا: إن فخامة الرئيس يعرف أن الصحافة فى العالم العربى كله «فلتانة» وهؤلاء ناس لهم مصالح كثيرة واسعة وليسوا مرتبطين بالمملكة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة