أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً جديداً بعنوان "بنوك النيو: الطريق لتعزيز الشمول المالي" تناول من خلاله نبذة تعريفية عن البنوك الرقمية، واستعراض أكثر تفصيلاً لبنوك النيو من حيث نشأتها، وأهم الإحصاءات ذات الصلة بها، وأهميتها في تعزيز الشمول المالي، ثم تناول عدد من بنوك النيو الرائدة حول العالم في البرازيل، والولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات، وتوضيح موقف مصر من إنشاء البنوك الرقمية والآفاق المستقبلية لبنوك النيو.
وأوضح التقرير، أن العالم يشهد ثورة تكنولوجية هائلة تأثرت بها جميع القطاعات الاقتصادية. ولم يكن القطاع المالي والمصرفي بمعزل عن تلك التطورات؛ حيث مكنت التطورات التكنولوجية الحديثة في القطاعين المالي والمصرفي الأفراد من إدارة حساباتهم المصرفية وإجراء المعاملات المالية من خلال الأجهزة الإلكترونية والتطبيقات التقنية. وقد أدت هذه التطورات، إلى جانب تزايد انتشار الإنترنت عبر الهاتف المحمول والهواتف الذكية، إلى ظهور لاعب جديد في القطاع المالي وهي بنوك النيو كأحد أهم أشكال البنوك الرقمية التي انتشرت مؤخرًا، حيث تقدم تلك البنوك خدمات مالية مختلفة لعملائها، دون أن يكون لها وجود مادي في الواقع.
وأشار التقرير، إلى أن البنوك الرقمية، هي نوع من مؤسسات التكنولوجيا المالية التي تقدم العديد من الخدمات المصرفية التي تقدمها البنوك التقليدية، ولكن الفرق الرئيس هو أن البنوك الرقمية ليس لديها فروع مادية. فجميع المعاملات، بدءًا من فتح حساب وحتى تحويل الأموال ودفع الفواتير وغيرها، تتم عبر الإنترنت، أو من خلال تطبيقات الهاتف المحمول.
كما أشار التقرير، إلى وجود تداخل في الوظائف بين البنوك الرقمية والبنوك التقليدية، فكلاهما يعمل لجذب مدخرات الأفراد واستثمارها، ولكن توجد أيضًا بعض الاختلافات التي تؤثر في النهاية على قرار عملاء البنوك للتوجه لأي منها سواء التقليدية أو الرقمية، لما تتمتع به كل منهما من مزايا قد لا تكون متوافرة في النوع الآخر، وقد تم استعراض هذه الاختلافات ومنها ما يلي:
-عملية فتح الحسابات: يمكن من خلال البنوك الرقمية فتح حساب مصرفي رقمي عن بعد، في أي وقت، وفي أي مكان من خلال الهاتف أو الكمبيوتر دون الحاجة لزيارة أحد الفروع أو تقديم نسخ مادية معتمدة من الهوية، حيث يمكن إجراء التحقق عبر Zoom أو أي منصة عبر الإنترنت، بالنسبة للبنوك التقليدية، قد يحتفظ عدد قليل من البنوك بخيار فتح حساب عبر الإنترنت. ويعد شرط إرسال جميع المستندات الأصلية الموقعة ضروريًا. وتفضل معظم البنوك إجراء مقابلة شخصية.
-التصنيف الائتماني للعملاء: يتطلب نظام الائتمان في البنوك التقليدية من المتقدمين للحصول على القروض تقديم الكثير من الوثائق، بينما يمكن للبنوك الرقمية بفضل قدرتها على جمع البيانات مثل عادات الإنفاق باستخدام تطبيقات المحفظة الإلكترونية، إنشاء بيانات ائتمانية بديلة خاصة بها للمساعدة في إنشاء أنواع جديدة من خدمات الائتمان الصغير لمستخدميها.
-سهولة الوصول: يمكن لعملاء البنوك الرقمية الوصول إلى الخدمات وإجراء المعاملات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع دون الحاجة إلى القلق بشأن ساعات العمل، أو الإجازات الرسمية، ومع ذلك، تقدم البنوك التقليدية أيضًا خدمات مصرفية عبر الهاتف المحمول وعبر الإنترنت تؤدي نفس الوظائف التي تحتاج إلى الوصول إليها خارج ساعات العمل المصرفية العادية على غرار التعاملات عبر الهاتف المحمول.
-شبكة الصراف الآلي: من السهل التعرف على أجهزة الصراف الآلي التابعة للبنك التقليدي؛ لأنها تحمل اسم البنك وشعاره. كما يمكن الحصول على النقد من الفرع المحلي وكذلك من أجهزة الصراف الآلي. عادة ما تكون البنوك الرقمية جزءًا من شبكة الصراف الآلي أيضًا، ولكن قد يكون من الصعب العثور على ماكينة صراف آلي مجانية لاستخدامها.
-التكلفة: تتنافس البنوك الرقمية من خلال تقديم حسابات بدون رسوم أو برسوم منخفضة، وكذلك من خلال تقديم فائدة أعلى من المتوسط على حسابات التوفير.
-خدمة العملاء: مع البنوك الرقمية، يجب الاعتماد على خطوط مساعدة خدمة العملاء أو روبوتات الدردشة التي قد لا تكون سريعة الاستجابة أو مفيدة مثل التحدث مع شخص حقيقي في فرع البنك الفعلي.
-اختيار المنتجات وفرص الاستثمار: تقدم البنوك التقليدية عادةً مجموعة واسعة من المنتجات المصرفية للاختيار من بينها مقارنة بالبنوك الرقمية. فقد يكون من الأسهل الحصول على ما يحتاجه العميل بالضبط من خلال بنك تقليدي. بينما تقدم معظم البنوك الرقمية خدمات قليلة أو محدودة للاستثمار أو إدارة الثروات.
-الخدمات المتخصصة: تقدم البنوك التقليدية خدمات متخصصة لا تقدمها معظم البنوك الرقمية مثل صناديق الودائع الآمنة أو التحويلات البنكية.
وأشار التقرير إلى تباين أنواع البنوك الرقمية، حيث توجد خمسة أنواع مختلفة من البنوك الرقمية، وهي:
-البنوك المتحدية/البنوك الجديدة: تتمتع بتراخيص مصرفية كاملة، وهي منافس مباشر للبنوك التقليدية، حيث تقدم نفس الخدمات التي تقدمها البنوك التقليدية.
-بنوك النيو: لا تمتلك هذه البنوك ترخيصًا مصرفيًا، ولكنها تتعاون مع المؤسسات المالية مثل البنوك لتقديم خدمات مرخصة. وتعد بنوك رقمية بالكامل، وتصل إلى العملاء عبر تطبيقات الهاتف المحمول ومنصات الويب.
-بنوك بيتا: هي مشروعات مشتركة أو شركات تابعة لبنوك قائمة تُقدم الخدمات المالية من خلال ترخيص الشركة الأم.
-البنوك غير المصرفية: لا تمتلك أي تراخيص مصرفية تقليدية. ولكنها توفر الخدمات المالية عبر وسائل أخرى. ويسمح هذا النموذج للشركة بالعمل بشكل مستقل عن البنوك الموجودة.
-البنوك القائمة على التحول الرقمي: هي بنوك تسعى إلى التحول الرقمي الكامل، والتنافس مع اللاعبين الرقميين. وتقوم بتقسيم العملاء إلى عملاء رقميين وعملاء تقليديين.
أشار التقرير إلى أن النمو الهائل في بنوك النيو أحدث نقلة نوعية في النظام المصرفي بأكمله، مما أدى إلى تحول جذري في تقديم الخدمات المالية للعملاء، حيث تتميز بنوك النيو باتباع نهج رقمي بالكامل ونماذج أعمال معاصرة تساهم في سرعة انتشارها على مستوى دول العالم. ويرجع ظهور بنوك النيو لأول مرة في أوائل عام 2010 في أعقاب الأزمة المالية التي شهدت انتشارًا واسع النطاق للتخلف عن سداد الرهونات العقارية؛ ووفقاً لتقرير "بنوك النيو - الأرباح في نهاية النفق" الصادر عن مؤسسة "سيمون كوتشر" في عام 2023، نمت إيرادات القطاع بشكل كبير بين عامي 2022 و2023 بمعدل نمو بلغ 43% على المستوى الإجمالي؛ حيث ارتفع إجمالي الإيرادات من 58 مليار دولار في عام 2022 إلى 83 مليار دولار في عام 2023. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن بنوك النيو تستخدم استراتيجيات مختلفة لتحقيق الإيرادات. وأحد النماذج التي تتبناها بنوك النيو لزيادة الإيرادات هي فرض رسوم على الخدمات الخاصة، بما في ذلك حماية السحب على المكشوف، والمعاملات بالعملة الأجنبية وعمليات السحب من أجهزة الصراف الآلي.
وأضاف التقرير أنه بجانب ارتفاع إيرادات بنوك النيو، شهدت قيمة المعاملات في سوق بنوك النيو العالمي نموًا ملحوظًا، حيث ارتفعت من 0.23 تريليون دولار في 2017 إلى 4.96 تريليونات دولار في 2023، كما شهد متوسط قيمة المعاملة لكل مستخدم في سوق بنوك النيو العالمية ارتفاعًا ملحوظًا، حيث ارتفعت من 12.39 ألف دولار في 2017 إلى 19.76 ألف دولار في 2023.
وفي السياق ذاته، شهد عدد مستخدمي بنوك النيو ارتفاعًا ملحوظًا، حيث ارتفع من 18.95 مليون مستخدم في 2017 إلى 250.7 مليون مستخدم في 2023، ويرجع هذا الارتفاع إلى عدة عوامل ومنها: الطلب المتزايد على الخدمات المصرفية المرنة، والتي يمكن الوصول إليها بسهولة، وظهور التكنولوجيا الرقمية والإنترنت، وتغيير سلوك المستهلكين وتفضيلاتهم.
وقد أبرز التقرير أهمية بنوك النيو في تعزيز الشمول المالي وذلك من خلال: تسهيل فتح الحسابات البنكية، وتخفيض رسوم الخدمات المالية، وتسهيل إمكانية الوصول للخدمات المالية، وتقديم منتجات مالية مبتكرة مصممة وفقا لاحتياجات العميل وسهلة الاستخدام، وعدم الاعتماد على التاريخ الائتماني، وتشجيع الادخار، ومحو الأمية المالية.
وأوضح مركز المعلومات ودعم القرار إلى أن بنوك النيو تواجه أيضًا العديد من التحديات أبرزها: القضايا الأمنية والتهديدات السيبرانية، التحديات التنظيمية، الربحية، وقابلية التوسع، المنافسة، عدم الاعتراف بالعلامة التجارية، نقص ولاء العملاء.
وأوضح التقرير أنه رغم التحديات والتهديدات الأمنية العديدة التي تلوح في أفق القطاع المصرفي الجديد، يوجد العديد من التدابير التي يمكن لبنوك النيو تنفيذها للتخفيف من هذه التحديات أو تجنبها. ومن هذه التدابير: إنشاء علاقات قوية مع العملاء، والابتكار في زيادة الإيرادات والشراكات، وبناء نظام إدارة مخاطر، والاستثمار في تعزيز الأمن السيبراني وحماية البيانات.
وقد ألقى المركز الضوء على وضع البنوك الرقمية في مصر، والأفاق المستقبلية لبنوك النيو، حيث أشار التقرير إلى أن مصر قد وضعت الشمول المالي كأولوية خلال السنوات الماضية، حيث شهد نموًا ملحوظًا مدفوعًا بالسياسات الحكومية الداعمة المتضمنة في سياق استراتيجية الشمول المالي (2022-2025) التي أطلقها البنك المركزي المصري بهدف التمكين الاقتصادي لكافة فئات المجتمع من خلال نظام مالي رسمي شامل يتيح منتجات خدمات بجودة وتكلفة مناسبة لتحقيق النمو المستدام، كما أن الشمول المالي يعد أحد العناصر الرئيسة لتحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية في رؤية مصر 2030 وتحديدًا الهدف الخاص بخلق اقتصاد تنافسي ومتنوع. وتستهدف رؤية مصر 2030 تعزيز الشمول المالي من خلال توسيع نطاق الحصول على الخدمات المالية، وتنمية الثقافة المالية للمواطنين، وابتكار منتجات مالية تلبي احتياجات المواطنين.
وتتجه الدولة المصرية نحو الشمول المالي بوتيرة متسارعة، ليصبح معدل نمو الشمول المالي في مصر خلال السنوات الماضية من أفضل المعدلات على مستوى الدول النظيرة، وحققت نسبة الشمول المالي والتي تعبر عن امتلاك واستخدام المواطنين 16 سنة فأكثر لحساب معاملات مالية طفرة خلال الفترة من (2016-2023)؛ حيث ارتفعت من 27.4% في عام 2016 إلى 70.7% في عام 2023 بمعدل نمو 174%.
وفي هذا الصدد؛ واستكمالاً لجهود الدولة المصرية لتعزيز الشمول المالي، وفي إطار دعم مصر للتحول الرقمي والابتكار لتعزيز الاقتصاد، أصدر البنك المركزي المصري "قواعد ترخيص وتسجيل البنوك الرقمية والرقابة والإشراف عليها" والتي دخلت حيز التنفيذ في 12 يوليو 2023. وتسمح تلك القواعد الجديدة بإنشاء وتشغيل البنوك الرقمية في مصر بشكل فعال، كما ود استعرض التقرير الخطوات التي يجب أن يقوم بها المستثمرون لإنشاء بنك رقمي في مصر.
وأشار التقرير إلى أنه في إطار التوجه نحو إنشاء بنوك رقمية، منح البنك المركزي المصري موافقة مبدئية لشركة مصر للابتكار الرقمي، إحدى الشركات التابعة لبنك مصر، لإطلاق أول بنك رقمي في مصر، ومن المتوقع أن يتم إطلاق البنك الرقمي Onebank في الربع الأخير من عام 2024 بعد الانتهاء من المرحلة الثانية من ترخيصه.
وأضاف التقرير أنه من المتوقع يكون مستقبل بنوك النيو مشرقًا، ويعد السبب الرئيس لتزايد شهرة هذه البنوك طبيعتها الرقمية بالكامل وبساطة خدماتها. ورغم التحول نحو الرقمنة في البنوك التقليدية، فإنها لا تزال تستحوذ على حصة سوقية كبيرة في القطاع المصرفي. ومع ذلك، تشير الاتجاهات والأبحاث الحديثة إلى اتجاه العملاء نحو بنوك النيو، ويأتي النمو المتوقع لسوق بنوك النيو مدفوعًا بعدة عوامل مثل الاستخدام المتزايد للهواتف الذكية، والطلب المتزايد على الخدمات المصرفية الرقمية، وتزايد عدد الشراكات بين البنوك التقليدية وشركات التكنولوجيا المالية.
وقد استعرض التقرير بعض الآفاق المستقبلية عالمياً لبنوك النيو وذلك كما يلي:
-توسع ونمو سوق بنوك النيو: في ضوء الاعتماد الكبير على الإنترنت والهواتف الذكية: إذ من المتوقع أن تواصل سوق بنوك النيو نموها في السنوات المقبلة بين جيل الشباب الأكثر انفتاحًا نحو استخدام الخدمات المصرفية الرقمية، ومن المتوقع أيضًا أن تساهم عوامل مثل ارتفاع الطلب على الخدمات المصرفية الرقمية، والتطوير المستمر للبنية التحتية للتكنولوجيا المالية في هذا النمو، بالإضافة إلى ذلك، تتعاون بنوك النيو بشكل متزايد مع البنوك والمؤسسات المالية التقليدية، لذا من المتوقع أن يساعد ذلك في زيادة الاعتماد على خدمات بنوك النيو، ويُتوقع أن ترتفع قيمة المعاملات في سوق بنوك النيو العالمية من 6.37 تريليونات دولار في 2024 إلى 10.44 تريليونات دولار في 2028، بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يرتفع متوسط قيمة المعاملة لكل مستخدم في سوق بنوك النيو العالمية من 21.11 ألف دولار في 2024 إلى 27.02 ألف دولار في 2028.
-نمو عدد مستخدمي النيو: يُتوقع أن يواصل عدد مستخدمي بنوك النيو في النمو ليصل إلى 386.3 مليون مستخدم في 2028. ويُعزى هذا النمو إلى العديد من العوامل، بما في ذلك زيادة الطلب على الخدمات المصرفية المرنة، وظهور التكنولوجيا الرقمية والإنترنت، والتغيرات في سلوك المستهلك وتفضيلاته. وعلاوة على ذلك، فإن التكاليف المنخفضة والمرونة الكبيرة التي تقدمها بنوك النيو مقارنة بالبنوك التقليدية تساهم أيضًا في زيادة نموها.
-الابتكار التكنولوجي: يُتوقع أن تستمر بنوك النيو في اعتماد التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل لتوفير خدمات مصرفية أكثر كفاءة وأمانًا، حيث تمكنت البنوك من أتمتة نسبة كبيرة من عملياتها، والحد من الاعتمادية على العمل اليدوي؛ مما ساهم بدوره في زيادة الكفاءة وخفض التكاليف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة