زار المشير عبدالحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة، فرنسا، يوم 16 أكتوبر عام 1965، واجتمع بالزعيم الفرنسى شارل ديجول، واستمرت الزيارة 5 أيام، شهد خلالها حدثا سيقود فيما بعد إلى حدث آخر مهما، يعتبره الكاتب والمفكر الراحل سيد ياسين «حدثا تاريخيا فى الحقبة الناصرية».
يكشف «ياسين» القصة فى مقاله «العلم والسياسة فى الحقبة الناصرية»، بجريدة الأهرام، 7 يناير 2016، قائلا: إنه أثناء زيارة «عامر» إلى فرنسا قابل وفدا من المبعوثين المصريين بمقر السفارة المصرية فى باريس، وجابهوه بانتقادات شتى للممارسات السياسية والاقتصادية للنظام الناصرى، مما دفعه عقب عودته لمصر أن يناقش الموضوع مع الرئيس جمال عبدالناصر، الذى كان حريصا على التواصل مع أجيال الشباب، ويؤكد «ياسين» أن ذلك أدى بالرئيس عبدالناصر إلى أن ينظم مؤتمرا للمبعوثين بجامعة الإسكندرية عام 1966، ويقول: «تم انتخابى للاشتراك مع وفد المبعوثين إلى فرنسا مع حسام عيسى، ورشدى راشد، وحسن حنفى ومحمود عبدالفضيل وعدد آخر، واتفقنا قبل السفر إلى المؤتمر على إعداد مجموعة من الأبحاث لتقديمها إلى القيادة الناصرية، وأعددت بالاشتراك مع رشدى راشد دراسة عن البحث العلمى وتطوير التعليم الجامعى».
ويشهد «ياسين» أن المؤتمر كان حدثا تاريخيا فى الحقبة الناصرية، لأن شباب المبعوثين مارسوا النقد الاجتماعى العنيف بجسارة لبعض الممارسات السياسية والاقتصادية فى حضور الرئيس جمال عبدالناصر، والمشير عبدالحكيم عامر، وعلى صبرى، وأنور السادات، وغيرهم من القادة السياسيين، ودارت المناقشات طوال أيام ثلاثة، واحترم الرئيس عبدالناصر وعده للمبعوثين، بأن تنشر الجرائد القومية الثلاث «الأهرام، الأخبار، الجمهورية» كل الحوار الذى دار فى المؤتمر بما فيه الانتقادات العنيفة لممارسات النظام، ويمكن القول إنه كان نقدا من داخل النظام وليس من خارجه، حرصا على استكمال المسيرة الاشتراكية».
كان المشاركون من المبعوثين إلى كل الدول الأوروبية وأمريكا والاتحاد السوفيتى للحصول على الدكتوراه، كانوا من كل محافظات مصر، وفى 6 أغسطس، مثل هذا اليوم 1966، وكان لقاؤهم الأول مع عبدالناصر فى المؤتمر، واستمرت المناقشات من الساعة 7 مساء حتى الحادية عشر والنصف فى الأعمال الكاملة لخطب وتصريحات جمال عبدالناصر، إعداد ابنته الدكتورة هدى، تبدو الآراء النقدية كالحديث عن «ظهور طبقة جديدة» و«حرية الصحافة والتعبير»، و«الإفراط فى الشعارات»، بالإضافة إلى قضايا خاصة بالمبعوثين، قال رجاء محمد مخاريطة، وكان يدرس علوم سلوكية وإدارة فى أمريكا، موجها حديثه للرئيس: إن تسليط الضوء على السلبيات لا يعنى إنكار الإنجازات، ويضيف: «أنا غايب عن البلد بقالى سنة ونصف، ولما رجعت شفت شعارات كثيرة جدا، كل الأماكن اللى زرناها مليانة شعارات، كل خرم إبرة فيها يافطة مكتوب عليها حاجة زى ده فى كل مكان، الرجاء اللى عندى إلى قيادات الاتحاد الاشتراكى هو العمل على بلورة هذه المفاهيم فى صورة سلوك، السلوك أولا قبل رفع الشعارات»، وأجابه «عبدالناصر»: «أضم صوتى إلى صوتك».
وحين استغرق البعض وقتا فى طرح القضايا الخاصة، تحدث أحد المبعوثين، قائلا: «سيادة الرئيس، أتينا إلى هذا المؤتمر لا نساوم على مصلحة خاصة، زيادة المرتبات أو تخفيض جمرك، ولكن أتينا كمثقفين بل كمواطنين نساهم معكم فى وضع المشاكل العامة لا المشاكل الخاصة، حتى وإن كان لنا مشاكل خاصة فإنها يجب أن توضع فى إطار المشاكل العامة، خاصة فى خطط التنمية، لقد قاسينا طوال هذا المؤتمر من زيادة بعض العناصر اليمينية بل والرجعية، التى تحاول إيقاف كل تيار تقدمى لتحويل المؤتمر إلى ساحة مساومات على المصالح الشخصية والمطالبة بزيادة الأجور، سيدى الرئيس. إن الفكرة الأساسية لهذا المؤتمر هى عندما زار المشير عبدالحكيم عامر فرنسا، وضعت أسئلة أمامه تخص بناء الجمهورية العربية المتحدة، فالأسئلة الثلاثة كانت خاصة بالاتحاد الاشتراكى والتنظيم السياسى للجمهورية، والسؤال الثانى كان خاصا بالطبقات التى لها خطرها، طبقة التكنوقراط وطبقة الإداريين، وكل الفئات التى لها فئات طبقية، والسؤال الثالث خاص بالحريات السياسية، والمطالبة بحق النقد وليس انتظارا للتعليمات. إن فكرة المؤتمر هى المشاركة معكم فى الحلول التى من الممكن أن تؤدى لحلول المشاكل العامة فى الدولة، نحن مع العمال والفلاحين كطليعة ثورية المثقفين، هناك فئات عازلة فعلية وصلت إلى مراكز القرارات، وعندما تنفذ كل قرار، يعنى المضمون الثورى للقرار تحاول أن تفضيه من نفسه، وتطبقه بطريقة إدارية محضة، وهذه الفئة تحاول أيضا السيطرة على التنظيم السياسى، وتحجب كل اتجاه تقدمى، وأيضا تحاول أن تقف عقبة فى سبيل الاتصال المباشر بين القيادة الثورية وبين الشعب، ونطالب من سيادتكم عقد مؤتمر عام للمثقفين يدرسون مع سيادتكم فيه المشاكل العامة، ويؤكدون أن المثقفين ثوريين، كما قلتم هم طليعة الشعب».