أكرم القصاص

نجيب محفوظ.. «جعفر الراوى» يقين الجهل وعمقاء «السوشيال ميديا»

السبت، 31 أغسطس 2024 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هناك دائما تساؤل يطرحه البعض عن الموقف فى حال وجود فلان أو موقف أو شخص فى وجود مواقع التواصل، البعض يطرح التساؤل كنوع من الاستنكار لكثير من خبراء ومدعى مواقع التواصل، الجهلاء وأنصاف الجهلاء الذين يتحولون إلى خبراء وعلماء فى كل نوع من الأفكار، تراهم يفتون فى الحرب والسلم والاقتصاد والسياسة وغيرها، هناك تصورات ساخرة عن موقف بعض «فلاحيس» السوشيال ميديا فى حال قيام حرب أكتوبر، وكيف كان من الممكن لبعض العمقاء المطالبة بإعلان الخطط للجمهور، بجانب التفاعل مع ما يجرى ورفضه، أو خروج بعض منظمات التمويل للدفاع عن العدو من «زوايا إنسانية!» إلى آخر القائمة.


ومن بين التساؤلات المهمة التى يمكن طرحها بمناسبة ذكرى رحيل الأديب العظيم نجيب محفوظ التى تحل هذه الأيام، لكن الواقع أن الأديب الكبير كان ولا يزال بالفعل موجودا بقوة على مواقع التواصل من خلال مقولاته الخالدة التى كانت مركزة وعميقة ومعبرة، بجانب كون بعضها كان يحمل الكثير من الفكاهة والسخرية، بل إن هناك الكثير من مقولات نجيب محفوظ يسرقها البعض على « إكس» تويتر سابقا، وينسبونها لأنفسهم، أو لأشخاص آخرين، والواقع أن روايات نجيب محفوظ تزدحم بآلاف المقولات التى تلخص الحياة والعالم والموت والشهرة والسلطة، وبالرغم من أن نجيب لم يكن مهتما بالسياسة، لكنه كان يفهمها بعمق فيلسوف.


نجيب محفوظ واقعى يفهم بالسياسة التى لم يمارسها أبدًا، ولم ينضم إلى تنظيمات، كان ينتمى إلى حزب الوفد، ممثلًا فى سعد زغلول، ومن بعده مصطفى النحاس، وإن لم ينتم إلى أى حزب أو تنظيم، فلسفيا كان يساريا يبحث عن العدالة والتوازن الإنسانى، وأيضًا ابن الطبقة الوسطى، آمن بالوطنية والعلم والحرية والعدالة والتسامح، يسارى ويمينى وثائر وموظف.. هو أيضا متصوف وليبرالى على الطريقة المصرية، لم يتنازل عن إيمانه بالحرية والعدل، ولم يمنع الآخرين من أن يبحثوا عما يريدون.


وكان نجيب محفوظ فى أدبه صادقا، وما كتبه منذ الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، لا يزال قادرا على إثارة الدهشة والكشف عن عمق رؤيته للعالم، وحكمته، ولا تزال مقولاته تزين مواقع التواصل، فقد كان يرى «نحن فى مسرح كبير، الجميع ممثلون، يقولون كلاما جذابا فوق الخشبة ويتهامسون بكلام آخر وراء الكواليس ، هكذا الجميع من القاعدة حتى العلالى»، وهى عبارات وردت فى الشيطان يعظ، التى كانت تعالج قضية الازدواجية فى التفكير والمظاهر، كما «تزدهر مقولته عن أهمية أن يعيش الإنسان حياته، من دون خوف «الخوف لا يمنع الموت لكنه يمنع الحياة».


وحتى خبراء كل شىء وعمقاء السوشيال ميديا الذين يعرفون كل شىء ويفتون فى كل الأمور فقد أبدع نجيب محفوظ فى وصفهم فى شخصية «جعفر الراوى» بطل «قلب الليل» الذى وصل بنهاية القصة لأن يعلن أنه توصل الى سر الوجود والحياة وعكف على تأليف كتابه الذى يمثل خلاصة الفكر والفلسفة والأديان والسياسة، كان نموذج الرجل الذى يعرف كل شىء ولديه إجابة عن كل الأسئلة التى تحير البشرية، ولم يكن كتاب جعفر سوى مجموعة من الهواجس والأفكار المتطايرة والمشوشة، وعندما ناقشه أحدهم قتله ودخل السجن ليخرج هائما على وجهه ويطلق كلاما غير مفهوم حول نهاية العالم.


نجيب كان مشغولا بالكشف عن نوعية من الشخصيات التى تمتلك يقينا بلا علم ولا معرفة، وجعفر الراوى نموذج الشخص الفاشل الذى يتصور أنه يمتلك المعرفة النهائية والنظريات النادرة لتفسير كل شىء، ويذكرنا بعدد ممن يعششون حولنا، ويركب كل منهم «حصان اليقين» على «فيس بوكه وتويتره»، باعتباره الفاهم العالم، يتحدث بيقين جهل لا يشق له غبار، ولايسمع سوى صوته وتفاصيل جهله.


لقد أبدع نجيب محفوظ فى رسم شخصيات لم تكن ولدت وقت كتابة أعماله لكنها تعيش الآن عبر الزمن وتدعى العلم بكل جهل على صفحاتها الافتراضية.


مقال اكرم القصاص

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة