حازم الجندى

حوكمة الذكاء الاصطناعي وتنظيمه تشريعيا

الثلاثاء، 27 أغسطس 2024 11:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يشهد العالم في وقتنا الراهن موجات تحول هائلة في مجالات التحول الرقمي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فتصاعد الحديث عن الاتجاه إلى "أنسنة الآلة" و"ميكنة البشرية"، وفي هذا الصدد، يبرز مفهومان رئيسيان في عالم اليوم؛ هما: التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، حيث ساهما في إضفاء العديد من التغيرات على الحياة اليومية للبشر في المجالات كافة، إذ أنه مع التطور المتسارع للتكنولوجيا أضحى الإنسان يستخدم تقنيات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي بشكل شبه يومي.

فالذكاء الاصطناعي أصبح يساهم في مختلف المجالات من الصحة والتعليم والبحث العلمي والصناعة والزراعة وغيرها، إلى جانب مساهمة الذكاء الاصطناعي في إحداث تحولات إيجابية في مكافحة تغير المناخ، وفي مجال الطاقة، حيث إن تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) أصبحت قادرة على إحداث تحول في العديد من القطاعات الصناعية، عن طريق معالجة كميات هائلة من البيانات ومساعدة البشر على اتخاذ القرارات، وفي ظل التطور التكنولوجي الهائل وعصر التحول الرقمي أصبح الذكاء الاصطناعي تحدى كبير أمام الأمم للحاق بركب التقدم والتطور التكنولوجي، حيث أصبح يستخدم في كل المجالات ويساهم في إحداث التنمية الاقتصادية وتقديم الخدمات بل ويهدد العديد من الوظائف البشرية.


وفي ضوء ذلك باتت هناك ضرورة ملحة بأن تكون الدول على استعداد لمواجهة تحديات وأثار استخدام وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بالمخاوف الأخلاقية والأضرار الناجمة عنه، مثل: فقدان الوظائف، واستخدامها تقنيات الذكاء الاصطناعي لأغراضٍ ضارة، والتزييف في المحتوى وصعوبة حماية البيانات وحقوق الملكية الفكرية مما يسبب مخاطر تتمثل في اختراق البيانات والتعدى على الخصوصية وغيرها.


فيجب الحذر من استخدام الذكاء الاصطناعي في نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة وخطابات العنف والكراهية عبر منصات التواصل الاجتماعي وتأثير ذلك على الأمن القومي، حيث كشفت عديد الدراسات عن نشر معلومات كاذبة وخاطئة عن طريق روبوتات الدردشة المدعمة بالذكاء الاصطناعي بما يستوجب وضع رؤى لمواجهة هذا الخطر واكتشاف أنماط الأنشطة المشبوهة واستهداف الجهات الفاعلة بدلا من استهداف محتوى محدد.

بالتالي أصبحت هناك حاجة ماسة لتنظيم وتقنين استخدام تكنولوجيا وتقنيات الذكاء الاصطناعي للاستفادة من إيجابياتها وحماية المجتمع من أضرارها وسلبياتها، لذا هناك ضرورة ملحة لإصدار تشريع للذكاء الاصطناعي في مصر؛ ينظم إنتاج وتطوير واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ لمواجهة التحديات القانونية التي تفرضها هذه التطبيقات، ويتضمن نصوص تنظم المسئوليات المدنية والجنائية الناشئة عن استخدام هذه التطبيقات، كما أن مسألة الحفاظ على القيم في ظل الذكاء الاصطناعي لن يضبطها إلا تشريع.

كما لابد أن تكون هناك اتفاقيات ومواثيق تنظم هذا الأمر على المستوى الدولي لحماية الأجيال الجديدة والنشء من مخاطر الذكاء الاصطناعي والحفاظ على القيم المجتمعية والأخلاقيات حتى لا يكون فيها ما يشوش على الشباب والأجيال الجديدة، فضلاً عن ضرورة مراعاة الحفاظ على القيم الخاصة بالدول والمجتمعات العربية والإسلامية في استخدام الذكاء الاصطناعي حفاظا على الأجيال القادمة وحمايتها من مخاطر الذكاء الاصطناعي على تغيير وتزييف القيم، وهو ما يتطلب التوعية الكافية للشباب والأطفال بكيفية الاستفادة من التطور التكنولوجي الهائل واستخدام الذكاء الاصطناعي بالاستفادة من إيجابياته وتلافي أضراره.

ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يفتح فرصًا هائلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لكن علينا معالجة تحدياته للاستفادة من إيجابياته، حيث إنه يثير قضايا أخلاقية كبرى، فكيف يمكننا التأكد من عدم انتهاك حقوق الإنسان الأساسية من الخصوصية وسرية البيانات؟، هل يمكن برمجة القيم المجتمعية والأخلاقية والدينية؟، وهل نحن في مصر لدينا الاستعداد الكافي والجاهزية لاستخدام تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي وحوكمتها؟، هل لدينا بنية تحتية رقمية مؤهلة؟، وماذا عن شبابنا وطلابنا وامتلاكهم مهارات وقدرات إبداعية وابتكارية للتفاعل مع تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي والسعي لخلق كوادر مؤهلة ومدربة جيداً ويكون لدينا أجيال جديدة من المبتكرين والمطورين.


فحوكمة الذكاء الاصطناعي بات أمراً ضرورياً، بأن يكون هناك إطار تشريعي ينظمه وقواعد وضوابط تحكم تطبيق وتفعيله دون الإضرار بالمجتمع وقيمه وأخلاقياته وبما يضمن المساهمة في تحقيق التنمية ودفع عجلة الإنتاج والنمو الاقتصادي، فلابد أن يتم الاتفاق على إطار أخلاقي لتطوير الذكاء الاصطناعي.

ونظرا لأهمية هذا الموضوع فتح مجلس الشيوخ مناقشات موسعة قبل نهاية دور الانعقاد الرابع خلال شهر يونيو الماضي، لدراسة عن موضوع "الشباب والذكاء الاصطناعي.. الفرص والتحديات"، وتم الموافقة على هذه الدراسة وإحالتها إلى رئيس الجمهورية بما تضمنته من توصيات هامة، وأذكر أننى أثناء المناقشات طالبت بوضع ميثاق شرف أخلاقي للذكاء الاصطناعي يحدد المبادئ الأخلاقية لاستخدامات تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بجانب ضرورة وجود تشريع منظم، وكان هناك توافق كيير على ذلك، وهو ما يجب أن تتنبه إليه الحكومة وتسارع إلى تنفيذه.


أيضاً هناك ضرورة لتأهيل البنية التحتية الرقمية والقوى العاملة الماهرة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، ووجود حوافز تشريعية وتنظيمية وتشجيعية لدعم الإبداع والابتكار، وتعزيز آليات الاقتصاد الرقمي، وتشجيع الاستثمار الرقمي، وتوفير برامج تعليميةٍ وتدريبيةٍ شاملةٍ للشباب في مجال الذكاء الاصطناعي، لتمكينهم من اكتساب المهارات والخبرات اللازمة، وتهيئة بيئةٍ داعمةٍ للابتكار والبحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي.

ولابد من الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي، وتشجيع الطلاب والشباب على الالتحاق بالكليات التكنولوجية ومجالات الذكاء الاصطناعي في الجامعات، كما يجب علينا تمكين الشباب من خلال تزويدهم بالمهارات التي يحتاجونها لاستخدام الذكاء الاصطناعي والاندماج في سوق العمل المتغير.

وكذلك هناك ضرورة لتعديل قانون حماية الملكية الفكرية بإضافة نصوص تنظم الحقوق الأدبية والمالية؛ الخاصة بمخرجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لمنع التعدي على حقوق الملكية الفكرية، وهناك ضرورة أيضاً للعمل على التوعية المجتمعية بمميزات الذكاء الاصطناعي ومحاذيره، ونشر ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية.

أيضاً على الحكومة أن تضع استراتيجية وطنية رقمية شاملة تشمل خطة زمنية لحوكمة واستخدام الذكاء الاصطناعي، وإقامة مشروعات رقمية تعزز استخدام الذكاء الاصطناعي، وتشجيع إقامة مشروعات ريادة الأعمال والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحفيز الشباب وصغار المستثمرين على تأسيس الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحفيز المبتكرين والمطورين على التطوير والتحديث في تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما يجب علينا أن نتأكد من تطويره من خلال نهج إنساني قائم على القيم وحقوق الإنسان.

والدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تولى أهمية كبيرة لمجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، لذلك أنشأت في عام 2019 المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي، ثم أعلنت عن الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى استغلال تكنولوجيات الذكاء الاصطناعى لدعم تحقيق أهداف مصر للتنمية المستدامة، ومن المتوقع أن تشهد مزيد من الجهود خلال الفترة القادمة في هذا المجال.

وما يزال هناك المزيد المطلوب في مجال التشريعات، سواء لتشجيع الشركات والأفراد على الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، وتحفيز الابتكار والإبداع، أو تنظيم وحماية الأمن السيبراني، باعتباره جزءاً مهماً من الأمن القومي، لذلك يجب تفعيل توصية مجلس الشيوخ بوضع إطار قانوني ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي على غرار المبادرات التي تطرحها الدول المتقدمة في هذا المجال، إذ تتسارع الجهود الدولية لوضع تشريعات منظمة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي تستهدف حماية الأفراد من أخطار الذكاء الاصطناعي وضمان سلامتهم وحفظ خصوصيتهم، فضلاً عن أهمية تنسيق الجهود الدولية من أجل توحيد المبادئ الأخلاقية والمعايير الفنية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي للحد من تفاقم المخاطر المترتبة على استخداماته في مختلف المجالات.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة