لأحلام الولاية الثانية فى البيت الأبيض التزامات وفواتير انتخابية، من بينها تحقيق ما يلزم من رفاهية وتقدم على صعيد الداخل، وإظهار ما يليق بالولايات المتحدة الأمريكية من حسم وحزم على صعيد الخارج، وهى الالتزامات التى غاب عنها الرئيس الأمريكى جو بايدن، فلم يحم الأمريكيين من موجات التضخم العالمية وآثارها، وأدار ملفات الخارج بنهج عنوانه الفوضى، فكان الرد موجزا على غلاف مجلة التايم وبعد أول مناظرة انتخابية أمام منافسه دونالد ترامب، ومن كلمة واحدة هى «الذعر».
وخلال ولايته الأولى التى تنتهى فى غضون أشهر، كان الرئيس الأمريكى جو بايدن، المنسحب حديثا من سباق الانتخابات الرئاسية، على موعد للتعامل مع عدوان غزة، الذى جسد كما جسدت حرب روسيا وأوكرانيا، وتداعيات الخروج الأمريكى من أفغانستان، والحروب التجارية الممتدة بين واشنطن وبكين، حلقة جديدة من الارتباك وازدواجية المعايير والانحيازات التى يغيب عنها المنطق، لتضم إدارة واشنطن ملف الحرب لقائمة ملفات أخرى نالت من شعبية جو بايدن ومهدت طريق الخروج المبكر من ماراثون الانتخابات الأمريكية 2024.
وعلى مدار 300 يوم من العدوان على غزة، أثارت الحرب الوحشية التى تقودها إسرائيل داخل القطاع انقسامات عنيفة داخل دوائر أمريكا السياسية، ونالت بقوة من شعبية جو بايدن، الذى بادر بإعلان دعم لا محدود لحليفة واشنطن، وقام بزيارة استثنائية لتل أبيب تعبيرا عن هذا الدعم فور اندلاع الحرب، وأرسل حاملتى طائرات إلى المنطقة إلى جانب مساعدات عسكرية هائلة. لم يكن ما قام به بايدن محل انقسام سياسى كبير فى الولايات المتحدة، حيث يعد دعم إسرائيل سياسة راسخة غير حزبية، خاصة عندما «تتعرض لهجوم»، لكن مع تكشف الحرب فى الأشهر التالية، وارتكاب إسرائيل مجازر وحشية لا تحصى، وسقوط عدد هائل من الشهداء أغلبهم من النساء والأطفال، بدأ هذا الدعم يتصدع، خاصة داخل معسكر الرئيس بايدن الديمقراطى، فخرجت أصوات تطالب بوضع حدود للدعم.
وأمام المجازر الإسرائيلية، تزايدت الانتقادات فى الداخل وتصاعدت انتفاضة الجامعات الأمريكية التى عصفت بها الاحتجاجات الداعمة لفلسطين وتحولها أحيانا لساحة اشتباك بينهم وبين أنصار إسرائيل، بينما ظل بايدن ثابتا فى دعمه لتل أبيب فى تعبير واضح عن علاقة الرئيس الأمريكى، الذى كثيرا ما افتخر بكونه صهيونيا بالدولة العبرية.
حاول بايدن تخفيف الضغوط بتبنى خطاب أكثر حدة إزاء نتنياهو وجيش الاحتلال، بالدعوة إلى السماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية، وتوفير مناطق آمنة للنازحين مع تحركه لفرض عقوبات على بعض المستوطنين، ورغم ذلك، لم تفلح محاولاته فى تهدئة الرأى العام الأمريكى عامة والسياسيين الديمقراطيين، لا سيما التقدميين وتزايدت انتقاداتهم بعد الهجوم الإسرائيلى على رفح، وتعمد استهداف المدنيين فى محرقة الخيام، مايو الماضى، وعدم حدوث تغيير حقيقى فى السياسة الأمريكية أو استجابة لمطالب تعليق المساعدات.
ومع تصاعد الانقسامات بين القادة العسكريين والسياسيين فى واشنطن وتل أبيب، حول كيفية إدارة إسرائيل للحرب، والضغط الأمريكى للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع إصرار نتنياهو على مواصلة نهجه الوحشى، أعلن بايدن وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة الهجومية، مكتفيا بالأسلحة الدفاعية، وإن كان هذا لم يشمل كل أنواع الأسلحة.
ومع استمرار الحرب، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفى ظل استمرار تقدم المرشح الجمهورى دونالد ترامب فى استطلاعات الرأى، أدرك بايدن أنه بحاجة لإنجاز قد يكون مفتاحا لبقائه فى البيت الأبيض لولاية ثانية، وربما كان هذا الإنجاز فى السياسة الخارجية بوقف الحرب التى قلبت العالم رأسا على عقب، فكثف الرئيس الأمريكى جهود إدارته للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وخرج فى أواخر مايو الماضى ليعلن عن التوصل إلى هذا الاتفاق، لكن إسرائيل نفت ذلك، وتلاعبت كعادتها بالبيانات والتصريحات، مما سبب إحراجا للإدارة الأمريكية.
استغل الرئيس السابق دونالد ترامب هذا التعثر ليشن هجوما متكررا على بايدن فى الحملة الانتخابية «قبل انسحاب الأخير»، كما هاجم المرشح الجمهورى فى المناظرة الرئاسية الدرامية بينهما، واتهمه بأنه يتصرف كفلسطينى فى الصراع، لكنهم لا يحبونه لأنه فلسطينى سيئ جدا.
وأمام الضغوط الهائلة التى تعرض لها بايدن من جانب حزبه للانسحاب من السباق الرئاسى، لمخاوف متعلقة بعمره وصحته، كان غياب الإنجاز الذى يبحث عنه أحد العوامل التى دفعته للتنحى بعد أسابيع من المقاومة، مما اضطر الديمقراطيين للدفع بـ«كامالا» فى مواجهة ترامب.
وبعد خروجه من السباق الرئاسى، يعلق بايدن آمالا كبيرة على أن ينجح فى وقف هذه الحرب الهمجية على غزة، كى لا يظل اسمه مذكورا فى التاريخ الأمريكى بالرئيس الذى شهد عهده اشتعال حربين، فى غزة وأوكرانيا، دون أن ينجح فى إخماد أى منهما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة