فى عصر سطوة السوشيال ميديا تنتشر العديد من القصص والحكايات عن أهل الفن بعضها مؤثر وبعضها مثير يحمل حبكة وتفاصيل توحى بأنها حقيقية، ويتداولها الناس على نطاق واسع ويعتبرونها مسلمات وحقائق لا مجال للتشكيك فيها، ويصل الأمر إلى أن يتناقلها بعض المتخصصين والإعلاميين دون مراجعة أو تدقيق على الرغم من أنها مجرد شائعات وأكاذيب لا أساس لها من الصحة، ولا يحتاج الأمر سوى لبعض التدقيق ليتاكد زيف هذه المعلومات وكذب تلك الحكايات.
ومن أكثر الحكايات والقصص المتداولة عن الفنان الكبير صلاح منصور قصة استشهاد ابنه فى حرب أكتوبر وموقفه حين وصله الخبر، حيث تتناقل عشرات الصفحات على موقع التواصل لإجتماعى فيس بوك، وعدد من المواقع الإليكترونية والصحف وقنوات اليوتيوب قصة محبوكة تشير إلى أن الفنان الكبير وزع الشربات والحلوى على جيرانه عندما وصله خبر استشهاد نجله فى حرب أكتوبر 1973، بل وذكرت بعض المواقع والصفحات أنه رقص يوم وفاة ابنه الأول وبكى يوم وفاة ابنه الثانى، حيث أشارت إلى أنه فقد ابنه الثانى بعد رحلة مرض وبعد سنوات قليلة من استشهاد ابنه الأكبر، وأنه عانق الرئيس السادات فى حفل تكريم أسر الشهداء، وبكى فى حضنه وتبرع بمكافأة ومعاش ابنه الشهيد لتسليمه إلى الجيش المصرى، وعلى الرغم من حبكة هذه القصة وتفاصيلها الدرامية إلا أن معظم ما جاء فيها مجرد أكاذيب لا أساس لها من الصحة، وهو ما كشفه المؤرخ والكاتب الصحفى سعيد الشحات فى تحقيق نشر باليوم السابع بتاريخ 21 يناير 2023 تحت عنوان: " أكذوبة الابن الشهيد للفنان العملاق صلاح منصور وأسرار الساعات الأخيرة فى حياته"، حيث استند إلى عدد من الوثائق التى تؤكد كذب هذه القصة المختلقة التى لا تستند إلى أى مصدر، وقام الشحات بعملية بحث للإجابة عن سؤال: هل كان لصلاح منصور ابن استشهد فى حرب أكتوبر؟، وقام بمراجعة جريدة "الأهرام" فى الأيام التالية لوفاة منصورالذى رحل فى 19 يناير 1979، وبدأها بعدد 20 يناير 1979، حيث أفرد الكاتب الصحفى كمال الملاخ الصفحة الأخيرة "من غير عنوان"، وكتب تقريرًا مؤثرًا جمع فيه بين الساعات الأخيرة التى عاشها صلاح منصور وبين تاريخه الفنى.
وتحدث الملاخ عن أبناء صلاح منصور، فقال: "الفنان الكبير له ابن واحد هو مجدى 14 سنة طالب فى السنة الأولى بالمرحلة الثانوية، بينما ابنه الأصغر هشام توفى منذ 3 سنوات أى عام 1976، بعد علاج استمر 4 سنوات "يعنى بدأ من عام 1972"، وكان يطير معه كل عام إلى لندن لعلاج الصم والتخلف، ولكنه توفى فى النهاية"، ولم يذكر التقرير أى أبناء آخرين.
وأشار الكاتب الصحفى سعيد الشحات إلى دليل حاسم فى كذبة "الابن الشهيد للفنان صلاح منصور" وهو النعى الذى نشرته الأسرة فى نفس اليوم "20 يناير" بصفحة الوفيات، قائلاً: "كان فى العمود الأول يمين الصفحة، وبعنوان "انتقل إلى جوار ربه الفنان الكبير صلاح منصور"، وفى التفاصيل: "والد مجدى بالخديوى إسماعيل الثانوية، وزوج السيدة محاسن درويش كامل، وشقيق الفنان محمد شعلان بهيئة المسرح، وحمدى شعلان وجمال منصور المخرج بمسرح الطليعة، والسيدة عصمت منصور بالتربية والتعليم، والسيدة سهير منصور حرم المهندس زكى متولى"
كما استند الشحات فى تحقيقه إلى مقال الناقدة المسرحية آمال بكير المنشور فى 22 يناير، وفى صفحة 14، "الفن أسبوع"، تحت عنوان "السهل الممتنع" والذى تبرز فيه كم كان صلاح منصور عملاقا على المسرح وتحدثت خلال المقال عن الساعات الأخيرة فى حياته قائلة: "كان يخفى آلامه بمجرد وصول الطبيب، ولم يتمكن أحد من الفنانين من رؤيته فقد كان يرفض أن يراه زميل وهو ضعيف، حتى فريد شوقى وكريمة مختار اضطرت زوجته أن تعتذر لهما بأنه نائم، كان رفضه للعلاج والأكل سببا فى تدهور حالته التى لم يعترف بها إلا ليلة وفاته، وفى مستشفى العجوزة بالجناح رقم 9 بقسم 9 كنت آخر من رآه قبل وفاته بـ12 ساعة، كانت معه زوجته وابنه مجدى وشقيقه جمال، وكان يردد بعدما أحس بالخطر: "الله.. ده أنا بموت"
وهكذا يتضح أن قصة استشهاد ابن صلاح منصور مثلها مثل عشرات القصص المفبركة عن أهل الفن التى لا أساس لها من الصحة رغم حبكتها وتداولها على نطاق واسع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة