المرح والعتاب .. ما قاله نجيب محفوظ في أصداء السيرة الذاتية

الخميس، 04 يوليو 2024 07:00 م
المرح والعتاب .. ما قاله نجيب محفوظ في أصداء السيرة الذاتية نجيب محفوظ
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كل ما قاله نجيب محفوظ جميل، وبه من الفن ما به، وقراءته لا تصدأ أبدا، دائما متجدد، كأنك تقرأه للمرة الأولى.

ومن أجمل ما قرأت ما قاله في "أصداء السيرة الذاتية".

المرح


نظرَت إليَّ بعينَين باهتتَين ذابلتَين. النظرة تشكو مُرَّ الشكوى، وتُريد أن تبوح، ولكن اللسان عاجز.
كنت أعودها والحجرة خالية.
الجلد متهرِّئ، والعظام بارزة، والأركان تفوح منها رائحة الموت.
یا صاحبة المداعبات التي لا تُنسى.
طفولتي عامرة بمداعباتك اللطيفة.
لم يكن يَعيبك إلا الإغراق في المرح.
أي نعم … الإغراق في المرح.

رسالة

وردة جافة مبعثرة الأوراق عثرتُ عليها وراء صفٍّ من الكتب وأنا أُعيد ترتيب مكتبتي.
ابتسمت. انحسرَت غيابات الماضي السحيق عن نور عابر.
وأفلتَ من قبضة الزمن حنين عاش دقائق خمسًا.
وندَّ عن الأوراق الجافة عبير كالهمس.
وتذكَّرتُ قول الصديق الحكيم: «قسوة الذاكرة تنجلي في التذكُّر كما تنجلي في النسيان.»
عتاب
هِمت على وجهي حاملًا طعنة الغدر بين أضلعي.
وقال الصديق الحكيم: «لستَ أول من كابد الهجران.»
فسألته: أليس للشيخوخة مقام؟
فقال: «غِرٌّ من يعشق قصةً مُعادةً قديمة.»
ووقفتُ تحت شجرة الكافور أرنو من بعيد إلى الملهى.
وهي تجلس وسط الشرفة يَشع منها نور الإغراء المبين.
لا يدركها كبر، ولا يمسها انحلال.
وتتخطاني بنظرة لا مبالية فليس لقرارها تبدیل، بل وسوف أرجع وحيدًا كما بدأت.

التلقين

جلستُ فوق السرادق أنتظر تشييع الجنازة.
خيمَت فوقنا ذكريات ذلك العهد القديم.
وجاء رجال ذلك العهد يسيرون رجلًا وراء رجل. كانت الأرض تزلزل لأي منهم إذا خطا.
اليوم هم شيوخ ضائعون لا يذكرهم أحد.
وجاء خلفاؤهم تنحني الأرض تحت وطأة أقدامهم. تقول نظراتهم الثابتة إنهم ملكوا الأرض والزمن.
أخيرًا، هلَّ النعش فوق الأعناق فتخطَّى الجميع وذهب.
الوظيفة المرموقة
أخيرًا مثلت بين يدَي مدير مكتبه. وصلت بفضل اجتهاد مضنٍ وشفاعة الوجهاء المكرمين.
ألقى نظرةً أخيرةً على التوصيات التي قدَّمتُها، ثم قال: لشفعائك تقدير وأي تقدير، ولكن الاختبار هنا يتم بناءً على الحق وحده.
فقلتُ برجاء: إني على أتم استعداد للاختبار.
– أرجو لك التوفيق.
فسألتُه بلهفة: متی نُدعى للامتحان؟
فتجاهل سؤالي وسألني: ولماذا هذه الوظيفة بالذات على ما تتطلَّبه من جهد خارق؟
فقلتُ بإخلاص: إنه الحب، ولا شيء سواه.
فابتسم ولم يُعلِّق.
ورجعتُ وأنا أتذكَّر قول صديقي الحكيم: «من ملك الحياة والإرادة؛ فقد ملك كل شيء، وأفقر حي يملك الحياة والإرادة.»

 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة