لم يعد وقف إطلاق النار فى غزة خيارا مطروحا أمام إسرائيل ترفضه أو توافق عليه على ما يبدو، بل إنه أصبح ضرورة للدولة العبرية قبل أن تصل إلى مرحلة استنزاف قواتها، لاسيما فى ظل تصعيد مثير للقلق على حدودها الشمالية مع لبنان.
وإذا لم تكن هذه رؤية الحكومة اليمينية المتطرفة التى تحكم فى تل أبيب، فإنها على الأقل رؤية كبار جنرالات الدولة العبرية الذين باتوا يخشون تأثير استمرار القتال على قواتهم، واحتمال فتح جبة جديدة للحرب.
حيث قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن كبار الجنرالات فى إسرائيل يريدون البدء فى وقف إطلاق النار فى غزة، حتى لو ظلت حماس فى السلطة فى الوقت الراهن، مما يوسع الخلاف بين الجيش ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الذى يعارض الهدنة التى تسمح لحماس بالنجاة من الحرب.
وذكرت الصحيفة أن الجنرالات يعتقدون أن الهدنة ستكون أفضل طريقة لتحرير ما يقرب من 120 إسرائيلى لا يزال محتجزين فى غزة سواء أحياء أو أموات، وذلك بحسب مقابلات أجرتها نيويورك تايمز مع سنة مسئولين أمنيين سابقين وحاليين.
وفى ظل عدم كفاية العتاد لخوض مزيد من القتال بعد أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ عقود، يعتقد الجنرالات أيضا أن قواتهم بحاجة إلى وقت للتعافى فى حال اندلاع حرب برية ضد حزب الله، بحسب ما قال المسئولون.
وأشار أغلب المسئولين الذين تحدثت معهم الصحيفة، والذين رفضوا الكشف عن هويتهم لمناقشة أمور أمنية حساسة، أن الهدنة مع حماس قد تجعل التوصل إلى اتفاق مع حزب الله أسهل.
ولفتت الصحيفة إلى أن قيادة الجيش الإسرائيلي تتكون من نحو 30 جنرالا بارزا، بينهم رئيس أركان الجيش هيرزى هاليفى وقادة الجيش والقوات الجوية والبحرية ورئيس الاستخبارات العسكرية.
وتقول نيويورك تايمز أن ميل جيش إسرائيل لوقف إطلاق النار يعكس تغييرا كبيرا فى تفكيره على مدار الأشهر الأخيرة بعدما أصبح وأضحا أن نتنياهو يرفض أو يلتزم بخطة ما بعد الحرب. وقد أدى القرار إلى خلق فراغ فى السلطة وأجبر الجيش على التراجع والقتال فى مناطق من غزة بعد أن تم القضاء على المقاتلين فيها.
ويقول إيال هولاتا، الذى عمل مستشار للأمن القومى فى إسرائيل حتى العام الماضى، والذى يتحدث بانتظام مع مسئولى الجيش، إن الجيش يدعم تماما اتفاق بشأن الأسرى ووقف إطلاق النار. وأضاف أنهم يعتقدون أن بإمكانهم دائما العودة والاشتباك عسكريا مع حماس فى المستقبل، ويفهمون أن التوقف فى غزة يجعل منع التصعيد أكثر احتمالا فى لبنان، ولديهم ذخيرة أقل وقطع غيار أقل وطاقة أقل من ذى قبل، لذلك يعتقدون أن التوقف فى غزة يمنح إسرائيل وقتا أكبر للاستعداد فى حال اندلاع حرب أكبر مع حزب الله.
ولم يتضح إلى مدى أعربت قيادة الجيش بشكل مباشر عن آرائها لنتنياهو سرا، لكن كان هناك عدة لمحان من إحباطها علنا، وأيضا إحباط رئيس الوزراء الإسرائيلى من الجنرالات.
ويرفض نتنياهو الهدنة التى تبقى حماس فى السلطة لأن النتيجة قد تسفر عن انهيار ائتلافه الحاكم، والذى قال بعض أعضائه إنهم ستركون التحالف لو انتهت الحرب دون هزيمة حماس.
وحتى وقت قريب، أصر الجيش علنا على إمكانية تحقيق هدفى الحكومة الرئيسيين، وهما هزيمة حماس وإنقاذ الأسرى . والآن خلصت القيادة العليا للجيش أن الهدفين غير متوافقين، بعد شهور عديدة من شكوك الجنرال.
ومنذ الحرب على غزة فى أكتوبر الماضى، احتلت إسرائيل أغلب الأراضى فى بعض مراحل الحرب، ملمها لا يزال نصف من تم أسرهم فى السابع من أكتوبر محتجزى فى غزة، وتخشى القيادة العليا للجيش الإسرائيل أن مزيد من التحرك العسكرى لتحريرهم ربما يحمل مخاطر بقتل آخرين.
وفى ظل عدم استعداد نتنياهو الالتزام باحتلال غزة أو نقل السيطرة لقادة فلسطينيين بدلاء، يخشى الجيش من حرب أبدية يتم القضاء فيها تدريجيا على مهندسيها وذخيرتها مع بقاء أسراهم محتجزين وبقاء قادة حماس أحرار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة