في ظل التحديات العالمية الراهنة، تبرز الحاجة الملحة لتعزيز دور القيادات الدينية والإفتائية في صناعة السلام ومكافحة خطابات الكراهية وحل النزاعات، وهو دور تأتي أهميته من حاجة الناس إلى مرجعيات دينية وسطية متسامحة تنشر فتاوى ومبادئ المحبة والسلام، خاصة في وقت تتصاعد فيه التوترات والصراعات التي غالبًا ما تتغذى على التفسيرات الدينية المغلوطة والمنحرفة التي تحرض على الكراهية.
وتلعب القيادات الدينية دورًا محوريًا في توجيه المجتمعات نحو السلام والاستقرار وفض النزاعات التي تقوم غالبًا على أسباب دينية أو ثقافية أو عرقية، حيث يقع على عاتقهم تشكيل الوعي الديني الصحيح للمجتمع، ونشر الفتاوى المنضبطة التي تتماشى مع القيم الإنسانية وتبني الإنسان وتجعله يعيش في مجتمع مستقر بمحبة وسلام.
ويأتي المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تحت عنوان "الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع" نهاية الشهر الجاري، ويحضره علماء ومفتين من أكثر من مائة دولة، ليحيي الأمل من جديد في الخروج بميثاق عالمي يهدف إلى توحيد جهود القيادات الدينية في مكافحة خطاب الكراهية وحل النزاعات.
من خلال هذا الميثاق، يمكن وضع أسس مشتركة للعمل بين الهيئات الدينية والإفتائية من مختلف دول العالم على تعزيز السلام والتفاهم بين المجتمعات، وأن يتضمن الميثاق مجموعة من المبادئ الأساسية التي تحث على احترام الكرامة الإنسانية، ونبذ العنف والتطرف، وتعزيز ثقافة الحوار والعيش المشترك بين أتباع الأديان والثقافات داخل المجتمعات.
ويعد خطاب الكراهية من أخطر التحديات التي تواجه مجتمعاتنا اليوم حيث يسهم هذا الخطاب الكريه في تأجيج الصراعات والعنف، ويعزز من الانقسامات الاجتماعية والدينية، وهو ما يجعل الضرورة ملحة لمثل هذا الميثاق المرتقب إعلانه في الجلسة الختامية للمؤتمر العالمي التاسع للإفتاء، فمن خلاله يمكن للقيادات الدينية والإفتائية الموقعة عليه الاتفاق على استراتيجيات ومشروعات ومبادرات مشتركة لمكافحة الكراهية والتطرف، وذلك من خلال نشر الفتاوى المنضبطة التي تحث على الاحترام المتبادل والعيش المشترك وقبول الأخر، وتنبذ التطرف والإرهاب باسم الدين، وتصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تم اختطافها من قبل الجماعات المتطرفة.
كما نأمل أن يتضمن هذا الميثاق المهم آليات واضحة لدعم جهود الوساطة الدينية، وتشجيع القيادات الدينية على التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية خاصة في مناطق الصراع والنزاع لتحقيق السلام والاستقرار في المجتمع.
ولا شك أن دار الإفتاء المصرية قامت بجهود كبيرة على مدار السنوات الماضية في هذا المجال، بحيث أصبحت بيت خبرة كبيرة يمكن أن يقود هذه المسيرة بالتعاون مع مختلف دور وهيئات ومؤسسات الفتوى حول العالم، من خلال كيانها الدولي "الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم" التي تضم في عضويتها علماء ومفتين من أكثر من 90 دولة من قارات العالم أجمع، ويرأسها فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، ويتولى أمانتها د. إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية.
إن تبني ميثاق عالمي للقيادات الإفتائية والدينية في صنع السلام ومكافحة خطاب الكراهية وحل النزاعات والتصدي للتطرف والعنف يعد خطوة مهمة نحو تحقيق الريادة الدينية المصرية في العالم أجمع، ويسهم بشكل كبير في بناء مجتمعات متماسكة ومترابطة رغم التنوع والاختلافات الموجودة فيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة