مقدمات الكتب.. ما قاله دانييل جولمان في الذكاء العاطفي

الجمعة، 12 يوليو 2024 07:00 ص
مقدمات الكتب.. ما قاله دانييل جولمان في الذكاء العاطفي الذكاء العاطفى
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نواصل سلسلة مقدمات الكتب، ونتوقف اليوم مع كتاب "الذكاء العاطفي" لـ دانييل جولمان ترجمة ليلى الجبالي، والصادر عن سلسلة عالم المعرفة، فما الذي قاله في مقدمة الكتاب؟

يقول الكتاب تحت عنوان "التحدي الأرسطي":

ما زلت أذكر ذلك المساء شديد الرطوبة من أحد أيام أغسطس في مدينة نيويورك، حيث التجهم والتوتر السمة الغالبة على وجوه الناس، كنت في طريق عودتي إلى الفندق، وبينما كنت أصعد إلى الحافلة المتجهة إلى شارع ماديسون شد انتباهي سائق الحافلة - وكان رجلا في منتصف العمر أسمر اللون، ترتسم على وجهه ابتسامة دافئة - الذي حياني بود : "مرحبا ، كيف حالك؟"، وبعد أن أخذت مكاني، سمعته يرحب بكل راكب يصعد إلى الحافلة وهو يشق طريقه ببطء شديد وسط زحام المدينة. وكانت ملامح الدهشة تبدو على وجه كل راكب مثلي تماما، ولأن الجميع استغرقهم المزاج الكئيب لذلك المساء الشديد الرطوبة، لم تحظ تحية السائق بالرد إلا من عدد محدود منهم.
غير أنه مع تقدم مسيره وسط الزحام الخانق إلى وسط المدينة، حدث تحول بطيء وسحري داخل الحافلة. فقد ظل السائق يُجري "مونولوجا" مع نفسه شد اهتمام جميع الركاب. سمعناه يعلق بصوت مرتفع على كل ما نراه من النوافذ حولنا مثل: "في هذا المحل تخفيض هائل في الأسعار"، أو "في هذا المتحف معرض رائع ..."، أو "هل سمعتم عن الفيلم الجديد الذي بدأ عرضه في هذه السينما؟" ..... ومع الوقت انتقلت عدوى ابتهاجه بما تتمتع به المدينة من إمكانات ثرية إلى الركاب. ونزل كل فرد في محطته، وقد خلع عن وجهه ذلك القناع المتجهم الذي صعد به. وعندما كان السائق يودع كلا منهم بقوله: "إلى اللقاء يوما سعيدا ... كان الرد يأتيه بابتسامة جميلة على الوجوه.
لقد انطبع هذا الموقف في ذاكرتي قرابة عشرين عاما، وكنت وقتها قد انتهيت رأسا من إعداد رسالتي لنيل الدكتوراه في علم النفس، لكن الدراسات السيكولوجية في تلك الأيام لم تكن تبدي اهتماما يذكر بالكيفية التي يمكن أن يحدث بها مثل هذا التحول، إذ لم يكن العلم السيكولوجي يعرف سوى القليل، وربما لم يكن يعرف شيئا أصلا، عن آليات العاطفة.
ومع ذلك فكلما تخيلت انتشار " فيروس" المشاعر الطيبة بين ركاب الحافلة الذي لابد أنه سرى عبر المدينة، بدءا من ركاب تلك الحافلة، اعتبرت ذلك السائق مصلحا يجوب المدينة، أو باعث السلام في مجموعة من البشر، بمقدرته السحرية على التخفيف من حالة التجهم الشديد البادية على وجوه الركاب فإذا بقلوبهم تنفتح قليلا، ويتحول التجهم المرسوم على الوجوه إلى ابتسامة. وفي تناقض صارخ مع هذا الذي ذكرته، تنبئنا بعض فقرات صحف الأسبوع بما يلي: - أدى صدام غير مقصود وسط جمهرة من المراهقين خارج ناد بمانهاتن إلى تدافع عنيف بين المتجمهرين أدى إلى جرح ثمانية من الصبية، بعد أن أطلق أحد هؤلاء المراهقين الرصاص على الجمهور من بندقية عيار 38، لأن كرامته قد أهينت، كما تصور.
وجاء في تقرير الشرطة حول هذا الحادث أن إطلاق الرصاص في مثل هذا الحادث يعتبر من الحوادث الخفيفة التي ينظر إليها على أنها رد فعل للإحساس بالإهانة.
وقد أصبحت مثل هذه الحوادث ظاهرة متصاعدة في السنوات الأخيرة، في إحدى المدارس الإقليمية، أخذ طفل صغير في التاسعة من عمره يثير صخبا، ويلوث بألوان الرسم أدراج الفصول، وأجهزة الكمبيوتر، كما خرب سيارة كانت تقف في مكان انتظار السيارات. لم يكن سبب هذا الهياج سوى جملة نادى بها عليه أحد أقرانه قائلا: "يا عيل كان ذلك ما دفعه لإثبات أنه ليس طفلا"، وجاء في تقرير آخر حول ضحايا جرائم ما قبل سن الثانية عشرة، أن (57) من صبية هذه المرحلة السنية هم ضحايا آبائهم، أو أزواج أمهاتهم . وفي (50%) من الحالات الواردة في التقرير يقول الآباء إنهم لم يفعلوا شيئا سوى محاولة أداء واجبهم في تربية أولادهم بمعاقبتهم بالضرب حين يخالفون أوامرهم، كأن يركل الطفل جهاز التليفزيون أو يصرخ، أو يلوث قماطه.
- يحاكم شاب ألماني في جريمة بشعة قتل فيها خمس نساء تركيات، إذ أشعل فيهن النار وهن نائمات. وقد اعترف الشاب في أثناء محاكمته، وهو عضو في مجموعة نازية جديدة، بأنه فشل في الحصول على عمل، وأنه يتعاطى الخمور، وأنه يحمل الأجانب مسؤولية حظه السيئ. وبصوت عالي النبرات قال: "إنني أشعر طوال الوقت بالأسف على الجريمة التي ارتكبتها، وأخجل من نفسي بلا حدود".
لقد أصبحت أخبار الصحف تحمل لنا كل يوم مثل هذه التقارير حول انهيار الحس الحضاري وفقدان الإحساس بالأمان، فيما يشبه موجة من الدوافع النفسية المتدنية الآخذة في الاستفحال. غير أن هذه الأخبار إنما تعكس في النهاية إحساسنا المتزايد بانتشار هذه الانفعالات غير المحكومة على صعيد حياتنا الخاصة، وحياة الآخرين المحيطين بنا . وليس هناك أحد بيننا بمنأى عن ذلك المد المتفلت من الانفجار الانفعالي، إذ هو يصيب مختلف مناحي حياتنا بشكل أو بآخر.
وقد شهد عقد الثمانينيات سلسلة مطردة من التقارير المنذرة بالخطر في هذا الصدد، تلفت الأنظار إلى صور السلوك الانفعالي الأخرق، وحالات اليأس والقلق في أوساط أسرنا ، ومجتمعاتنا المحلية، وحياتنا المشتركة جميعا . وثمة ظاهرة واضحة في حياتنا اليوم أصبح فيها الغضب عادة مزمنة، سواء بتلك العزلة الساكنة التي نترك فيها أطفالنا أمام التليفزيون مع جليسة الأطفال، أو نتيجة لما يعانيه الصغار المهملون من آلام نفسية نتيجة لهجرهم، أو لإهمالهم أو لسوء معاملتهم، أو بسبب اعتياد العنف القبيح بين الأزواج. وبإمكاننا قراءة مدى انتشار الانحراف العاطفي، في الأرقام التي تعكس قفزة هائلة في حالات الاكتئاب التي يشهدها العالم أجمع، وفي التقارير التي تذكرنا بموجات العدوان المتفجرة استخدام المراهقين الأسلحة النارية في المدارس، حوادث الطرق الحرة التي تنتهي بتبادل إطلاق النار الموظفون الساخطون المفصولون من الخدمة الذين يقتلون زملاءهم السابقين. ولقد دخلت تعبيرات مثل «الإساءة العاطفية» و«توتر ما بعد الصدمة»، وإطلاق النار إثر حوادث السيارات في قاموس اللغة الشائعة في عقد الثمانينيات، بعدما تحول شعار التحية المبهج من:
"نهارك سعيد» إلى «دعني وشأني».
وهذا الكتاب هو بمنزلة دليل للقارئ من أجل إضفاء المعنى على ما يبدو مفتقرا إلى المعنى، ولقد كنت أتابع باهتمام، بوصفي متخصصا في علم النفس، وبحكم عملي صحافيا على مدى السنوات العشر الأخيرة في جريدة نيويورك تايمز»، ما حدث من تقدم في فهمنا العلمي لعالم « اللاعقلاني .. ومن زاويتي، أو نافذتي، تلك استوقفني اتجاهان متعارضان، أحدهما يصور كارثة متفاقمة في حياتنا العاطفية المشتركة، بينما يقدم الثاني بعض العلاجات المتفائلة.

الذكاء العاطفي
 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة