-إيناس حمدان لـ«اليوم السابع»: إسرائيل دمرت 171 منشأة لنا وقتلت 192 موظفا.. ليست لدينا خيام للنازحين ونقص الغذاء منذ إغلاق المعابر كارثى.. 14 دولة استأنفت تمويلنا عدا أمريكا وبريطانيا.. 400 شاحنة دخلت من معبر كرم أبوسالم لا تكفى يوما واحدا.. ولا توجد مياه صالحة للشرب وكثير من الأدوية الضرورية مفقودة
تطبق إسرائيل على قطاع غزة سياسة «الأرض المحروقة»، فبعد أكثر من ثمانية أشهر على حربها الشرسة ضد المدنيين الفلسطينيين داخل القطاع المحاصر لم تترك أى مظاهر للحياة، بل أتت على كل أخضر ويابس، لتنفيذ مخططها بتهجير سكان القطاع وتجريد القضية من أساسها.
وبينما يحتفل العالم خلال شهر يونيو الجار بيوم اللاجئين العالمى، ستكون إسرائيل قد قتلت وشردت أكثر من 2 مليون لاجئ فلسطينى فى القطاع، وأضرت بأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطينى فى دول الشتات.
هذا ما قالته إيناس حمدان، مدير الإعلام بمكتب الأونروا بقطاع غزة، فى حوارها لـ«اليوم السابع»، مؤكدة أن المنظمة الأممية هى الشاهد الأول بالقضية الفلسطينية منذ أكثر من 75 عاما.
ثمانية أشهر مرت على الحرب الإسرائيلية.. كيف يمكن أن نرى الأوضاع فى قطاع غزة الآن من خلال الأونروا المنظمة الأممية الوحيدة الموجودة على الأرض؟
للأسف الظروف المعيشية فى قطاع غزة مأساوية للغاية، النازحون يعيشون حياة صعبة جدا فى ظل استمرار عمليات القصف الإسرائيلى، وحالة الرعب والخوف التى يعيشونها ليل نهار، بالإضافة إلى نقص المساعدات الإغاثية والضروريات من المواد الغذائية، وأيضا عدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية.
الحياة بدأت تفقد معناها شيئا فشيئا فى غزة مع مرور الأيام والساعات، كل ما يحيط بالنازحين هو الخراب والدمار والموت، وينتظرهم مصير مجهول.
منذ بدأت العملية العسكرية الإسرائيلية فى رفح وإغلاق المعابر أصبح هناك أزمة أكبر فى المساعدات.. إلى أى مدى بلغت هذه الأزمة؟
على صعيد المساعدات فهى شحيحة جدا، خاصة مع بدء العملية البرية فى مدينة رفح، حيث أغلقت المعابر، ولا يتعدى عدد الشاحنات التى تدخل من معبر كرم أبوسالم الـ400 شاحنة فقط، حسب ما سجلنا الأسابيع الماضية وتسلمتها الأونروا، وهذا رقم أقل بكثير مما هو مفترض أن يدخل فى اليوم الواحد، وبالتالى هناك نقص حاد فى المواد الغذائية لدينا فى المستودعات حاليا.
لدينا أيضا نقص حاد فى المواد الإغاثية، مثل الخيم والأغطية والنايلون وغيرها من مستلزمات المأوى، ومراكزنا الصحية التى نديرها بدأت تعانى نقصا حادا فى المستلزمات الطبية، وهناك عدد كبير من الأدوية باتت مفقودة.
كيف تستمر الأونروا فى مساعدة اللاجئين فى ظل هذا النقص الحاد؟
الطاقم لدينا فى الأونروا يحاول بشتى الطرق تقديم ما يستطيع تقديمه من خدمات، سواء فى المراكز الصحية أو النقاط الطبية المنتشرة فى مراكز الإيواء أو فى مخيمات اللاجئين بخان يونس والمناطق الوسطى، وفرق صحة البيئة تحاول بما لديها من إمكانيات لرفع النفايات المتراكمة فى الشوارع وبين المخيمات.
تحدثت الأونروا عن أزمة المياه فى القطاع.. فهل يمكن شرح أبعادها بشكل أوضح؟
نحاول قدر الإمكان تشغيل ما يمكن تشغيله من الآبار مع العلم أن عددا كبيرا من الآبار فى قطاع غزة دمرت بفعل القصف، وهناك أزمة حقيقية فى المياه، لا يحصل المواطنون على كميات تكفى من مياه الشرب كما لا يتوفر حتى مياه صالحة للاستخدام اليومى للاحتياجات الإنسانية، مثل إعداد الطعام وغسيل الملابس وغيرها من الأمور الضرورية، وهذا ينعكس على الحالة الصحية وانتشار الأمراض.
كل هذه الظروف وهذا النقص يؤدى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية فى قطاع غزة، لا سيما مع انتشار الأمراض بسبب عدم توفر كميات مناسبة من الأدوية وخروج المشافى عن الخدمة، واعتماد السكان على ما تقدمه الأونروا من خدمات صحية من خلال مراكزنا، وهناك ضغط هائل على خدمات الأونروا.
الأونروا تعمل أيضا فى الضفة الغربية التى تعانى بقدر كبير من عمليات إسرائيلية متفرقة.. فما هو الوضع هناك؟
الضفة الغربية ليست أفضل حالا من قطاع غزة، حيث تصاعدت موجات العنف منذ 7 أكتوبر الماضى بشكل كبير، هناك حملات اجتياح للمخيمات والقرى الفلسطينية، وهناك حملات اعتقال أيضا والقتلى فى الضفة الغربية عددهم وصل إلى 489 فلسطينيا، بينهم 117 طفلا على الأقل بما فى ذلك القدس الشرقية، وهناك أيضا انتهاكات تخص منشآت الأونروا، حيث هناك محاولتان لإضرام النيران بمقرات الأونروا فى القدس الشرقية، وطبعا هذا انتهاك صارخ لحرمة مؤسسات الأونروا، وتأتى هذه ضمن الحملة الممنهجة التى تستهدف تفكيكها وتقويض خدماتها فى المنطقة.
كل هذه المضايقات فى الضفة الغربية تؤثر بشكل سلبى على الخدمات الإنسانية والعمليات التى تقدمها الأونروا لقرابة 2 مليون لاجئ فلسطينى فى مخيمات الضفة الغربية.
أشرت فى حديثك إلى استهداف مقرات الأونروا فى الضفة الغربية.. فكيف الوضع فى القطاع تحت القصف الإسرائيلى؟
من الواضح أن هناك خطة ممنهجة لتقليص خدمات الأونروا وتفكيكها، ولقد شهدناها تتزايد خلال الفترة الماضية، مثلا صدور بعض الاتهامات بحق 12 من موظفى الأونروا بالضلوع فى أحداث 7 أكتوبر أيضا ما تتعرض له الأونروا من قصف لمقراتها ومنشآتها، وما تعرض له مقر الأونروا فى القدس الشرقية من عملية تخريب ومحاولة إحراقه من قبل بعض المستوطنين الإسرائيليين.
هل يمكن تقديم حصر للأضرار بحق المنظمة خلال الثمانية أشهر الماضية؟
فى الأونروا هناك ضرر كبير فى المنشآت التابعة لنا، سجلنا حتى هذه اللحظة تدمير أكثر من 171 منشأة تابعة بشكل كلى أو جزئى، كذلك تم قصفها أكثر من مرة، وسجلنا ما يقرب من 150 شخصا قتلوا أثناء احتمائهم بمنشآت ومقرات الأونروا خلال أشهر الحرب، على الرغم من أن هذه منشآت محمية بالقانون الدولى، ويرفع عليها العلم الأزرق، علم الأمم المتحدة، بالمثل هناك عدد كبير من الضحايا من موظفى وموظفات الأونروا وحتى الآن بلغوا 192 معظمهم قتلوا أثناء تأديتهم الخدمات الإنسانية، على الرغم من أن العاملين فى العمل الإنسانى يجب ألا يكونوا هدفا فى العمليات العسكرية، والأمم المتحدة يجب ألا تكون هدفا، بل على العكس، يجب تأمين حمايتهم لكى يتمكنوا من عمليات الإغاثة.
ما هى الخدمات التى تقدمها الأونروا وتشهد تأثرا واضحا بسبب الاستهداف الإسرائيلى لها؟
الأونروا هى المؤسسة الأممية الأكبر التى تدير الاستجابة الإنسانية، وهى الشاهد بالقضية الفلسطينية منذ قرابة 75 عاما، وتعمل فى مناطق العمليات الخمس «الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا»، وتشرف على تقديم الخدمات الإغاثية والتشغيلية وخدمات التنمية البشرية للفلسطينيين اللاجئين فى المخيمات بتلك الدول، والإونروا بمثابة العمود الفقرى للعمل الإنسانى الموجه للفلسطينيين، وتدير أكثر من 700 مدرسة فى مناطق العمليات وحوالى 139 مركز صحى تقدم من خلالها الرعاية الصحية الأولية للاجئين، فضلا عن عمليات الإغاثة وتقديم المساعدات الإنسانية والنقدية والخدمات الصحية والنفسية، والدعم النفسى والخدمات المتعلقة بصحة البيئة فى المخيمات.
الدور الذى تلعبه الأونروا محوريا وجوهريا فى المنطقة، ويعتمد على تلك الخدمات التى تقدمها الأونروا لما يقرب من 5.9 مليون لاجئ فلسطينى فى مناطق العمليات الخمس.
الحاجة باتت كبيرة لخدمات الأونروا، ودعم وتعزيز عملها ضروريا أكثر من أى وقت مضى، وخصوصا فى قطاع غزة، حيث بات السكان وعددهم 2 مليون و300 شخص يعتمدون على ما تقدمه الأونروا من خدمات غذائية وصحية ولوجيستية فى ظل استمرار هذه الحرب الطاحنة.
حاولت إسرائيل شن حملة ممنهجة ضد الأونروا لتشويهها ووقف عملها.. فإلى أى مدى نجحت فى التأثير على الدعم المادى لكم؟
هناك دعم ومساهمات مالية قدمت من دول لم تكن مانحة بشكل مستمر للأونروا، مثل العراق والجزائر، هذا العام، وهناك أيضا ارتفاع ملحوظ على مستوى التبرعات من الجهات الخاصة، حيث قمنا بجمع تبرعات بقيمة 120 مليون دولار من الجهات الخاصة، وهناك أيضا دول قامت بزيادة المساهمة المالية المقدمة للأونروا، وكل هذا يعزز الدور الإنسانى الذى تقوم به الأونروا فى المنطقة.
بعض الدول الغربية استجابت لضغوط إسرائيل وعلقت تمويل الأونروا.. كم دولة تراجعت عن هذا القرار؟
تم استئناف التمويل من 14 دولة مانحة كانت قد جمدتها فى الأشهر السابقة، نتيجة لصدور بعض الاتهامات الإسرائيلية التى لم تثبت بحق موظفى الأونروا، وكل هذا يدل على الثقة المتجددة بالعمل الذى تقدمه الأونروا، لم يتبق سوى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تحجبان التمويل عن الأونروا، ما يخلق عجزا للميزانية فى هذا العام.
كم تبلغ قيمة العجز؟
لدينا عجز بقيمة ثلث الميزانية تقريبا، فما لدينا من أموال يكفى فقط حتى شهر يونيو الجارى، ونأمل أن تعود باقى الدول التى لم تستأنف تمويلها حتى نتمكن من استمرار عمليات الدعم والإغاثة، سواء للفلسطينيين داخل القطاع المنكوب أو فى بقية مناطق العمليات الخمس التى تتأثر أيضا بعجز التمويل.