اليوم تبدأ امتحانات الثانوية العامة، وحسب ما أعلنته وزارة التربية والتعليم فإن أعداد الطلاب المتقدمين لأداء امتحانات الثانوية العامة 745 ألفا و86 طالبا، ومثل كل عام نحن أمام مفترق طرق، وأسئلة عن التعليم والثانوية وما إذا كانت بداية مشوار التعليم أم نهاية لمرحلة وبداية لأخرى، على مدى عقود ظلت الثانوية العام لغزا يكاد يستعصى على الحل، يشغل أولياء الأمور أكثر مما يشغلهم مشوار تعليم أبنائهم وبناتهم، فالطبيعى أن التعليم يراكم التعليم والخبرات ويجهز الطالب للمرحلة الجامعية.
وتظل الثانوية العامة شاهدة على تجارب وتراكمات وطموحات لأجيال متتالية من الآباء والأمهات كانوا وما زالوا يحلمون بأن تنتهى رحلة تعليم الأولاد نهاية سعيدة، بأن يحصل الابن والابنة على مكان فى العمل يواصل به حياته العملية، ويكمل رسالته بالحياة، لكن الثانوية أصبحت أقرب لعقبة، وسياجا يحيط بالمستقبل، وأسئلة لا تحمل أملا فى الأجوبة، خاصة مع تراكمات أمراض الثانوية من كتب خارجية وملخصات، ودروس خصوصية تضاعف من ميزانية التعليم على كاهل الأسرة، وتكاد تكون قاعدة بلا استثناءات وقدرا يضع التعليم فى غير مكانه.
نحن أمام واقع يتجدد سنويا ويفرض نفسه على المجتمع، أولياء الأمور وطلاب الثانوية يأملون أن تنتهى معاناتهم مع الثانوية العامة، ويجد أبناؤهم مكانا فى الجامعات يمهد لهم الطريق إلى المستقبل والحصول على فرصة عمل، ومكان فى المجتمع.
الثانوية العامة تضخ مئات الآلاف من الطلاب للجامعات، والتى تضخ بدورها مئات الآلاف من الخريجين أنهوا رحلتهم الجامعية وأصبحوا تجاه الحياة، يستقبل سوق العمل مئات الآلاف من كليات وتخصصات مختلفة، جامعات عامة وخاصة، آلاف يغادرون الثانوية للجامعات، وآلاف يغادرون جامعاتهم إلى المجتمع، ولا يوجد ما يمكن تسميته نهاية المطاف للطالب وأسرته، فيما يتعلق بالتعليم والتخصص، لم يعد المجموع العالى أو مكتب التنسيق هو الممر لمستقبل مضمون، لكن هناك دائما خطوة أو خطوات مطلوبة لاستكمال الرحلة والتقدم بالشكل الذى يرضى طموح الشباب وأحلامهم وليس مجرد الحصول على شهادة لم تعد تكفى، وبجانب التعليم نحتاج إلى سياقات ومسارات تساعد آلاف الشباب على تحديد اختياراتهم من الثانوية، ليضمنوا مكانا فى الجامعة يوصلهم إلى الحياة والاستقرار والعمل، والتعرف على المهارات التى يمكنها أن تساعدهم فى الحصول على فرصة تحقق لهم ذاتهم ماديا ومعنويا، حتى لا يتكدس الشباب فى واقع محبط يتوهون فيه وتضيع سنوات عمرهم بحثا عن مكان تحت الشمس.
لقد كانت هناك تجارب متعددة للتعليم بإلغاء سنوات وإضافة أخرى، وأنواع متعددة للتعليم، خاص وعام وتجريبى وناشيونال وإنترناشيونال وأنواع أخرى، وفى المحور المجتمعى بالحوار الوطنى كان النقاش حول مشروع قانون إنشاء المجلس الوطنى الأعلى للتعليم والتدريب، ليكون مظلة للتعليم تعالج التعدد فى أنواع وأشكال التعليم، وقد دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى، مجلس أمناء الحوار الوطنى، لعقد جلسة خاصة للجنة التعليم والبحث العلمى التابعة للمحور المجتمعى، لمناقشة مشروع إنشاء المجلس الوطنى الأعلى للتعليم والتدريب المقدم من الحكومة، حتى يمكن توسيع النقاش حول المجلس الذى يمثل خطوة مهمة ضمن استراتيجية التعليم.
هناك فرق بين وجود نظام تعليم واحد، وتنوع هذا التعليم، لأنه من بين تشعبات وتراكمات العقود الماضية لدينا أنظمة تعليم متعددة، تخرج طلابا لا تربطهم ببعضهم ولا بمجتمعهم روابط، غرباء مختلفون ومتضاربون فى بعض الأحيان، وأجيال لا تعرف بعضها، وهذه التعددية لا علاقة لها بالتنوع بل إنها تعكس فوضى، كتب خارجية، ودروس خصوصية، ومراكز وتجار امتحانات هم من يخاصمون التطوير، ويروجون لأصنام تحكم المستقبل، ويحرصون على بقاء الحال كما هو ليضمنوا مصالحهم بصرف النظر عما إذا كانت هذه المصالح تتعارض مع مصلحة المجتمع والدولة.
الشاهد أننا بصدد حكومة جديدة، وأفكار للتعليم مطروحة حول ربط التعليم بسوق العمل، والتوسع فى التعليم الفنى والتخصصات التكنولوجية بجانب التقليدية، هناك تطورات تنهى وظائف، وتخلق أخرى، وتعيد صياغة المستقبل، بشكل متنوع ومختلف عما سبق. كل هذا يفترض أن يجعل الثانوية العامة جزءا من سياق يتناسب مع ما يشهده عالمنا من تحولات.
مقال أكرم القصاص فى عدد اليوم السابع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة