اتخذ مجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، قرارًا برفع سعر رغيف الخبز المدعم إلى 20 قرشًا اعتبارًا من بداية يونيو 2024، وهو ما يعني أن الدولة ما زالت تدعم بـ105 قروش للرغيف، ومازال حجم الدعم الموجود حوالي فى حدود الـ105 مليارات جنيه.
وأوضح "مدبولي"، أن سعر الخبز المدعم لم يتم تحريكه منذ أكثر من 30 سنة، وأنه على مدار الـ30 سنة الماضية تضاعف سعر الخبز عدة مرات، وبالتالي هذا حمل الدولة أعباء مالية أصبحت متزايدة بصورة كبيرة، لذلك كان كل ما نهدف له هو مجرد تقليص هذا الدعم بصورة قليلة، مؤكدا أن الدولة المصرية ستظل ملتزمة بوجود الدعم وخاصة في السلع الأساسية التي تمس حياة المواطن، وإنه في أي لحظة نرى فيها أن هناك احتياجا لتقديم حزمة اجتماعية، فإن الدولة لا تتأخر.
ووفقا لدراسة أجراها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن تطبيق الدعم السلعي في مصر يرجع لأعقاب الحرب العالمية الثانية، لتوفير السلع الضرورية للمواطنين كافة نظرًا لظروف الحرب، وكان في القلب منها توفير الخبز، واستمر الوضع لعقود ومع اتساع عدد السلع المدعومة، والتزايد السكاني المطرد في الثمانينات والتسعينات، وتراكم الديون على مصر، بدأ التوجه نحو تقليل الدعم تدريجيا على السلع الأساسية.
وأشارت الدراسة إلى أن منظومة الدعم أصابها نوعا من العوار، بسبب عدم وصول الدعم لمستحقيه، وعدم جودة السلع المقدمة، وعدم حوكمة المنظومة بأكملها.
ويتضمن الدعم السلعي وفقًا للموازنة العامة للدولة، دعم السلع التموينية، دعم المزارعين، ودعم المواد البترولية، ودعم الكهرباء، ودعم الأدوية وألبان الأطفال، فضلا عن دعم شركات المياه، موضحة وتعتبر أبرز عناصر الدعم السلع، دعم السلع التموينية، إذ تسهم الحكومة في توفير السلع الغذائية الأساسية بأسعار مخفضة من خلال شبكة توزيع منضبطة.
ووفقا للدراسة المنشورة، يستفيد من دعم السلع التموينية حوالي 63.6 مليون فرد، وما يزيد عن 70 مليون فرد مستفيد من منظومة الخبز المدعم، لافتة إلى أن تاريخ صناعة الخبز المدعم مر بعدة تحولات رئيسية إلا إنها قليلة للغاية، فمنظومة الخبز كانت أحد الحلقات التي كان يصعب المساس بها على مر السنين، ولو حتى بالتعديل للأفضل، فدائما ما كان مصير أي خطة للتطوير أن تذهب أدراج الرياح.
وكشفت الدراسة عن حجم التحديات التي تواجه منظومة الخبز، وعلى رأسها أزمة تمويل الدعم، التي يرجع تاريخها إلى خمسينيات القرن الماضي. فمثلا، في العهد الناصري، شكلت استدامة الموارد وتوافرها عائق -خاصة في ظل ظروف الحرب وتداعياتها التي أصابت الدولة خلال هذه الفترة – أمام سياسات دعم الخبز، فكان السياسة المتبعة حينها هي دعم الخبز لخدمة العقد الاجتماعي الهش، في حين كان يتم إجبار الفلاحين على توريد القمح والسلع الاستراتيجية بأسعار أقل من أسعار السوق، ولولا ذلك ما تمكنت الدولة من تقديم الخبز المدعم. انعكست هذه السياسة، على قصور قدرة الفلاحين على تكوين أرباح عن الزراعة، لتخلق مجتمع فقير تتسع وتتفاقم فيه معدلات الفقر على مثيلاتها في الحضر.
ونوهت الدراسة إلى حرص الحكومة المصرية الحالية على الاهتمام بدعم مزارعين القمح في مصر ومحاولة الحرص على توريد أكبر كم ممكن من القمح لمخازن الدولة بالتوازي مع تقديم سعر عادل للقمح يحقق للمزارعين اكتفاء اقتصادي واجتماعي وحافز على الاستمرار في زراعة القمح. حيث أنها وضعت أولويتها في محاولة الوصول للاكتفاء الذاتي من القمح، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتابعتها الكارثية لسوق الحبوب الغذائية العالمي.
وفي سياق تشجيع المزارعين وافق مجلس الوزراء المصري في اجتماعه يوم الأربعاء، على تحديد سعر توريد القمح المحلي لموسم 2024-2025، ليكون سعر التوريد 2000 جنيه لأردب القمح 23 قيراطا ونصف، بالمقارنة بـ 705 للإردب للموسم الزراعي 2020/2021 وهو الموسم السابق لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وكان قد صرح المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، بأن هذا القرار يأتي دعمًا للمزارعين، حيث إنه سبقت الموافقة على سعر استرشادي 1600 جنيه للأردب، ولكن وافقت الحكومة على هذه الزيادة اليوم دعما للمزارع المصري والتحفيز على زراعة وتوريد المحصول لوزارة التموين. هذا بالإضافة إلى تحرك الدولة لتوسيع الرقعة الزراعية، عن طريق استصلاح الأراضي وشق الترع، للتحرك قدمًا في طريق الوصول للاكتفاء الذاتي من القمح.
ولكن على الجانب الآخر وصلت نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح إلى 48.2% فقط في 2022، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مما يعني أن الحكومة في حاجة لاستيراد ما يزيد عن 50% من احتياجها للقمح، ووفقًا لحسابات ريفينيتيف، فإن واردات مصر من القمح ارتفعت بنسبة 7% في أول 9 شهور من الموسم الحالي، وبالإضافة إلى الزيادة المستمرة في كميات القمح المطلوب استيرادها من الخارج، فإنها استهلكت مليارات الدولارات، في ظل اشتداد أزمة نقص العملة الأجنبية، ومازالت تستهلك.
فوفقًا لتصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، الاثنين 27 مايو الجاري، فإن التوريد المحلي للقمح يغطي فقط حوالي 35-40% من الاحتياجات لإنتاج الخبز المدعم، وهو ما يستدعي بدوره استيراد ما يقرب من 60-65% من الاحتياجات من الخارج لانتاج ما يقارب 100 مليار رغيف سنويًا، تدعمه الدولة بحوالي 120 قرش من سعر تكلفته الحالية.
أما من جانب سعر المنتج النهائي وهو رغيف الخبز، فكان سعره بعد الدعم 5 قروش فقط، علمًا بأن هذا السعر تم وضعه عندما كانت تكلفته الحقيقية 20 قرش، واستمر بنفس السعر بالرغم من ارتفاع تكلفته الفعلية إلى 125 قرش، وهو ما يعني أن تكلفة الدعم التي كانت تتحملها الدولة ارتفعت من 15 قرش إلى 120 قرش للرغيف الواحد، مع مراعاة الزيادة في كميات القمح المستوردة في ظل اشتداد أزمة نقص العملة الأجنبية.
وبالنسبة لحجم استهلاك المصريين من الخبز، فوفقًا لبحث الدخل والانفاق 2019/2020، فيقدر متوسط نصيب الأسرة في اليوم من الخبز البلدي المدعم، بينما يصل العدد إلى 8 أرغفة كمتوسط نصيب الاسرة من الخبز في الحضر مقابل 10.5 رغيف في الريف. ووفقًا لدراسة أجريت 2015، يصل متوسط استهلاك المصريين للخبز يتراوح ما بين 180-210 كجم للفرد سنويًا، وهو ما يقرب من ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي البالغ 70-80 كجم للفرد. جعل هذا مصر أكبر مستورد للقمح في العالم.
ووفقًا لبحث الدخل والانفاق 2019/2020، يحتل الخبز والحبوب المرتبة الثالثة من إجمالي استهلاك الطعام والشراب للمصريين بنسبة 13.7%، فيما يتوقع ارتفاع هذه النسبة على حساب استهلاك اللحوم والخضر بعد تزايد معدلات التضخم في أعقاب جائحة كورونا وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية.
وأكدت الدراسة التي أعدها المركز المصري، أنه رغم قدم منظومة الخبز إلا إنها لم تشهد أية تطوير على مدى ما يزيد عن 35 عام، على مستوى سياسة التسعير. كما إنها لم تشهد أية تحولات جذرية لتطوير المنظومة إلا مؤخرًا. فقد استحدثت الحكومة منظومة نقاط الخبز غير المستخدمة عام 2014/2015، فبحلول عام 2016، ارتفع الدعم النقدي الشهري للفرد من 15 إلى 21 جنيهًا، ووصل الدعم النقدي الشهري للفرد على البطاقة إلى 50 جنيهًا في 2019، في أعقاب عملية تحديث بيانات المستفيدين من الدعم عن طريق تنقية البطاقات التموينية، وساهمت ميكنة بطاقات التموين وتنقيحها نسبيًا في ضمان وصول الدعم لمستحقيه الحقيقيين، والحد من الاستهلاك المفرط وإعادة الاتجار بالمواد المدعومة في السوق السوداء. ووصلت قيمة دعم رغيف الخبز في 2023 إلى 91.6 مليار جنيه، في مقابل 18.5 مليار جنيه ما قبل 2014.
وأوضحت الدراسة أن التعديل الجاري، برفع سعر رغيف الخبز المدعم إلى 20 قرش بدلًا من 5 قروش فقط، في محاولة لسد الفجوة الضخمة التي أصبحت بين سعر الرغيف وتكلفته الفعلية، مما يعني تحمل الحكومة تكلفة 105 قروش بدلًا من 120 قرش لتخفيف الحمل عن الموازنة العامة للدولة، بدون وضع العبء على المواطن المصري، أو التضييق من جهة أخرى على المزارعين في سعر توريد القمح.
وقد جاء في مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2024/2025، دعم رغيف الخبز بقيمة 90.756 مليار جنيه، بالإضافة إلى دعم دقيق المستودعات بـ 5.248 مليار جنيه، فضلا عن دعم نقاط الخبز = 10 قروش/ رغيف فإجمالي حوالي 20.460 مليار رغيف بقيمة 2.64 مليار جنيه، بخلاف ما يقرب 36.1 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، ليصبح إجمالي الدعم 134.150 مليار جنيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة