<< تدمير 75 % من البنية التحتية لجباليا وتدمير محطة تحلية مياه بتكلفة 150 مليون دولار
<< 70% من أبار المياه دمرت بشكل كامل في بيت لاهيا وتحويل المدينة من أحد أشهر مصادر زراعة الفراولة لأراضي مجرفة
<< متحف رفح ليس له وجود بعد استهداف طائرات الاحتلال له
<< 70 % من مبانى بلدية غزة مدمرة واستهداف النسبة الأكبر من المواقع الآثرية
<< تكلفة الأضرار في البنى التحتية قُدرت بـ18 مليار ونص المليار دولار وفقا لتقييم مؤقت
"أرى ذكريات 25 عاما انتهت في لحظة، هنا كنت ألعب مع أشقائى الثلاثة، وهنا المدرسة الابتدائية التي درست بها أنا وأشقائى وأقاربي، هناك محل بقالة "عم مدحت"، حيث كنا نذهب لشراء احتياجاتنا، وبجواره مخبز "عم ممدوح"، ولكن في لحظة أصبح كل ذلك أنقاض، لا أرى سواء ركام وقمامة تملأ الشوارع، حيوانات ضالة تنتشر هنا وهناك، وبيوت مهدمة، ومياه صرف صحى تغمر الأرض، الشارع لا يوجد به بشر إلا جثث تحت الأنقاض، لم يعد معي أشقائى الذين استشهدوا، المدرسة ومحل البقالة بل وبيتنا أيضا أصبح مجرد ركام، معدات الحماية المدنية تنتشر في الشارع لمحاولة إخراج بعض الجثث الباقية تحت الحطام منذ أيام"، هنا يحدث يحيى – البالغ من العمر 25 عاما - نفسه وهو ينظر لشارع الهوجا بمدينة جباليا حيث ولد، والذي تحول لما يشبه منطقة أشباح لا يصلح فيها العيش، يحاول أن يتذكر أفضل أيامه بينما وجهه يمتلئ بالدموع، فالمكان الذي لعب فيه مع أخواته وجيرانه خلال طفولتهم، هو ذات المكان الذي شهد فراق الأحباب بعد قصف الاحتلال للمنازل في هذا الشارع.
جباليا هي مدينة تقع على بعد 2 كيلومترات شمال مدينة غزة، واسم "جباليا" هو مأخوذ من العلو والارتفاع ألا وهو الجبل، فهي تقع فوق رقعة منبسطة من أرض السهل الساحلي الجنوبي ترتفع نحو 35 مترا فوق سطح البحر، كما يرجع أصل التسمية إلى كلمة "أزليا" وهي بلدة رومانية قديمة، والبعض ذكر أنها قد تكون تحريف لكلمة "جبالاية" السريانية والتي تعني الجبلي ، بينما يرى البعض الأخر أنها تعود إلى "الجبالية" وهم أخلاط من الرومان والمصريين سكنوها أواخر العهد البيزنطي.
في مارس الماضي، قدر البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة الأضرار المباشرة أضرار المنشآت في غزة من أكتوبر وحتى يناير عند 18.5 مليار دولار، حيث هناك طرق ومساكن ومؤسسات حكومية ومدارس ومستشفيات ومرافق عمومية وخاصة سويت بالأرض تماما بعدما عمد الاحتلال الإسرائيلي على قصفها بكل أنواع الأسلحة طيلة 6 أشهر من الحرب الضروس على قطاع غزة، ووفقا لتلك المؤسسات الدولية، فإن قطاع غزة يحتاج إلى أعوام عديدة وعشرات المليارات من الدولارات لتعود إلى سيرتها الأولى وفق التقديرات الدولية، حيث أعد البنك الدولي والأمم المتحدة تقريرا مشتركا حول تكلفة الأضرار في البنى التحتية قُدرت بـ18 مليار ونص المليار دولار في تقييم مؤقت للأضرار، كما تحتاج المباني السكنية منها ثلثي تلك التكلفة أما البنى التحتية والخدمات العامة من مياه وصحة وتعليم، فإنها تحتاج إلى نحو 19% وتحتاج المباني التجارية والصناعية إلى 9%.
بلدية جباليا، ومخيمها تعرضا لقصف مدمر من قبل الاحتلال منذ بداية العدوان، منها مجزرة جباليا في 31 أكتوبر الماضي، بعد أن نسفت إسرائيل مربعات سكنية واستشهد حوالي 400 فلسطينيا في تلك المجزرة، بجانب إطلاق الاحتلال قنابل فسفورية محرمة دوليا على المدينة في 8 ديسمبر الماضي، ولسوء الحظ تقع المدينة في شمال غزة، وهي المنطقة التي شهدت الدمار الأكبر مع خان يونس منذ بداية العدوان.
لا زلنا مع "يحيى" الذي يحدث نفسه وهو يشاهد حجم الدمار في الشارع الذي ولد فيه، ويتسائل :"هل ممكن أن يعود الشارع كما كان قبل العدوان؟ كم سيتكلف؟ هل ستعود مدرستي ومنزلى؟ وحتى لو عادوا جميعا هل سيعود من ذهبى من أسرتى وجيرانى وأصدقائى؟ فالحجارة إذا كان يعاد بنهائها بالبشر لا يعودون أحياء بعد موتهم إلا يوم القيامة"، الشوارع المجاورة يعتليها تلال من القمامة، هناك كانت محطة النيل لتحلية المياه التي قصفها الاحتلال في ديسمبر الماضي ليمنع وصول مياه الصالحة للشرب لسكان المدينة، وهناك أيضا مسجد الإمام علي والذي دمره الاحتلال كليا.
حجم الدمار فى قطاع غزة بالأرقام
مدينة جباليا
جباليا ليست مجرد مدن وأحياء سكنية، بل تاريخ من الصعب محوه رغم محاولات الاحتلال تدمير أبرز معامله الآثرية، كتدمير مسجد صلاح الدين، وكذلك قصف المسجد العمري في جباليا الذي يعتبر من أقدم مساجد غزة وأكبرها، خاصة أنه بني عام 27 هجريا في عهد عمرو بن العاص وسمي باسمه ويطلق عليه أيضا منارة الظاهر، وهناك المقبرة الرومانية، وهى مقبرة أثرية فى شمال غزة على أراضى بلدية جباليا، على بعد 750 مترا من البحر، فى مكان يسمى "أرض المحاربين"، حيث تعود إلى الحقبة الرومانية القديمة الواقعة بين القرنين الثانى والرابع بعد الميلاد، إلا أنها تعرضت لأضرار جسيمة بفعل العدوان، بجانب كنيسة جباليا التي تعود إلى العصر البيزنطي والتي تم تشييدها عام 444 م زمن الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، إلا أن صواريخ الاحتلال طالتها أيضا.
شارع الهوجا في جباليا
تدمير 75 % من بلدية جباليا
"نسبة التدمير وصلت إلى 75% ، وانهيار كامل لمنظومة الكهرباء" هنا يصف المهندس مازن النجار، رئيس بلدية جباليا، حجم الدمار الذي خلفه العدوان حتى الآن نتيجة القصف المستمر للمدينة، حيث يؤكد في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن مضخات الصرف الصحى معظمها تم تدميرها، حتى محطات تحلية المياه التي تتواجد على البحر تم تدميرها.
ويضيف رئيس بلدية جباليا، أن الاحتلال منع وصول الطعام لمدينة جباليا وهو ما جعل أزمة المجاعة تتصاعد خاصة في مخيم جباليا، بينما حاولنا أن نتجاوز أزمة تحطيم محطات تحلية المياه من خلال عدة طرق لنقل مياه الشرب للمواطنين بينها نقل المياه بالصهاريج من خلال رجال الأعمال والشباب الفلسطيني وبعض المتبرعين، وتشغيل الغواطس الصغيرة بين الأحياء عبر الطاقة الشمسية وتشغيل الغواطس بالطاقة الشمسية، إلا أن الطاقة الشمسية مرتفعة للغاية في الأسواق.
مليارات الدولارات هي تكاليف ما دمره الاحتلال في تلك المدينة، يكفى أن تعرف أن تكلفة محطة معالجة مياه واحدة من التي دمرها الاحتلال في تلك المدينة 160 مليون دولار، وهو ما يؤكده مازن النجار، الذي يقول إنه تم تدمير جميع البنية التحتية فى غزة وتقريبا 70 % من آبار المياه الصالحة للشرب تم تدميرها، بجانب تم تدمير محطة تحلية المياه الوحيدة على بحر السودانية شمال قطاع غزة، كما تم تدمير محطة معالجة مياه الصرف الصحى وهى بتكلفة 160 مليون دولار تقريبا وتم تدمير قطاعات واسعة من البنية التحتية، ولم تعد هناك شوارع صالحة للسير حيث تم تدمير معظم شاطئ البحر شمال قطاع غزة.
المدينة تحولت إلى مخيمات، بعدما تحول معظم المباني السكنية إلى ركام، ولم يعد سكان المدينة يجدون ما بيوت تأويهم وعائلاتهم، لذلك لجئوا للخيم تحميهم من البرد القارس في الشتاء والأمطار الغزيرة، أو الحرارة المرتفعة في الصيف، حتى يكتب لهذه الحرب أن تقف، ولكن بالتأكيد لن تحميهم من صواريخ الاحتلال الذي تعمد لعدة مرات استهداف المخيم، وهنا يوضح رئيس بلدية جباليا، أن الاحتلال دمر 40 % من الوحدات السكنية خاصة فى المناطق الشمالية مثل منطقة بيت حانون وبيت لاهيا والأطراف الشرقية لجباليا وعزبة عبد ربه بجانب الأطراف الغربية لجباليا مثل منطقة البحر وأبو شنف ومنطقة الكرامة، متابعا :"لدينا تقريبا 40 مخيم نزوح و40 منطقة إيواء فى نفوذ بلدية جباليا، والاحتلال عمل على تدمير كل مرافق بلدية جباليا وجميع الأليات حوالى 23 آلية تم تدميرها وتم حرق الآليات بشكل متواصل وتدمير الآبار".
مظاهر الدمار فى جباليا
محمود العوضية.. جباليا من منطقة مكتظة بالناس لخاوية بلا بشر
هنا يتحدث المواطن الفلسطيني، محمود العوضية، وهو من سكان مدينة جباليا، حيث يتحدث عن ذكرياته في تلك المدينة والمخيم الذي دمره الاحتلال خلال عدوانه الأخير، قائلا :"مخيم جباليا هو مخيم الثورة وهو المخيم الذي خرجت منه الانتفاضة الأولى 1986، وعلاقتنا بمخيم جباليا علاقة أرض ووطن ومصير وولادة ونشأة، لأنه من أجمل المخيمات في شمال غزة وأكثرها حيوية واكتظاظا سكانى على مستوى شمال قطاع غزة".
"مخيم جباليا خاصة منطقة المعسكر كان يأتى لها الناس من مختلف قطاع غزة من التجار والباعة ومحلات تجارية وشركات وبها سوق شعبي إلا أن الاحتلال الإسرائيلي دمر هذه المعالم بشكل كامل"، هكذا يصف محمود العوضية في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أبرز معالم المخيم والمدينة قبل أن تطالها يد الهدم والدمار، مشيرا إلى أن الاحتلال دمر أكثر من 75 % من معالم جباليا ومنازلها في شمال قطاع غزة.
يمشي "العوضية" في شوارع جباليا، بعد أن طلب من أسرته النزوح إلى الجنوب بينما ظل هو في الشمال رافضا أن يترك المكان الذي ولد وعاش فيه، يشاهد يوميا ذكرياته التي دمرها الاحتلال، ينظر إلى منزله الذي استهدفه الاحتلال وأصبح عبارة عن مجموعة ركام، ويرى الشوارع التي كانت تعج بالناس يوميا وأصبحت الآن خاوية على عروشها، حيث يقول :"نسير في جباليا ونرى حجم الدمار الكبير والواسع الذي خلفه الاحتلال الإسرائيلي في هذه المنطقة، هدموا منزلى مرتين في عدوان 2014، وبعد أن تناسينا الألم والوجع جراء القصف الأول في 2014 وبنينا ذكريات جديدة لأنفسنا من خلال بناء منزل جديد عاد الاحتلال لتدميره من جديد مرة ثانية خلال هذا العدوان لينسف هذه الأحلام، ولكن دائما ما نقول أننا متمسكين بهذه الأرض وباقين عليها دمر جيش الاحتلال، وسنظل نبنى ونعمر في رسالة واضحة للاحتلال الاسرائبلي أن علاقتنا بهذه الأرض ليست علاقة حجر ومنزل وبنى تحتية بل علاقة انتماء وحب لوطن العزيز فلسطين".
ويتابع محمود العوضية :"ذكريات كثيرة دمرها الاحتلال سواء بيوتنا أو مدارسنا أو جامعتنا وأماكن عملنا وزملائنا وأصدقائنا منهم من استشهد ومنهم من تم أسره ومنهم من فقدناه، وبالتالى الذكريات كثيرة والألم كبير لكن ما يعزينا دائما أن ثقتنا بالله بكيرة أن هذا الحال سيتغير لأفضل حال وسوف تبدل هذه الأمور دائما للأفضل، فذكرياتنا تحولت إلى ركام ودمار من قبل الاحتلال ومربعات سكنية نسفت بالكامل وعائلات بأكملها محيت من السجل المدني ولكن متمسكين بهذه الأرض".
بيت لاهيا
لن نذهب بعيدا، فما زالنا في الشمال أيضا، حيث المنطقة الأكثر تدميرا في القطاع، والأكثر نزوحا بسبب شدة القصف واقتحام العديد من المدن بها، وبالتحديد في بلدية بيت لاهيا، والتي تقع على بعد حوالي 7 كيلو متر إلى الشمال من مدينة غزة، ووفقا لما ذكره مركز المعلومات الوطنى الفلسطيني عنها، فإن سبب تسميتها بهذا الاسم يعود لما يراه بعض من المؤرخين من أن الكلمة مشتقة من كلمة الآلهة، حيث كانت بيتاً للآلهة و المعابد في العصور القديمة، بينما يرى مؤخرون آخرون أنها كانت حديقة جميلة، بها أماكن للتنزه واللهو قريبا من المعابد، فأصبحت بيت للآلهة أو اللهو، فيما تحيط البلدة الكثبان الرملية التي يصل ارتفاع بعضها إلى 55 متراً فوق مستوى سطح البحر.ويحدها من الشمال قرية هربيا، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب جباليا والنزلة، ومن الشرق بيت حانون، وهي قرية قديمة للغاية، حيث ذكرها العالم الروماني زمانوس في كتاباته ويؤكد ذلك الآثار القديمة التي تعود إلى العصر الروماني والفارسي ثم الإسلامي، هذه المدينة شاهدة على آثر المجاعة التي ارتكبها الاحتلال ضد سكان شمال القطاع، لما لا ويتواجد بها مستشفى "كمال عدوان" والتي شهدت استشهاد عشرات الفلسطينيين من نساء وأطفال وشيوخ من الجفاف وسوء التغذية، كما شهدت المدينة أيضا تدميرا كبيرا في بنيتها التحتية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر خلال شهر نوفمبر الماضي، دمرت طائرات الاحتلال مربعاً سكنياً كاملاً في بيت لاهيا ، كما دمرت مسجد "سعد الأنصاري"، في بلدة بيت لاهيا شمالا.
شارع السوق ببيت لاهيا
شارع السوق ببيت لاهيا، هو أحد أهم الشوارع في المدينة، تحول إلى أطنان من الركام، وعمارات مهدومة بالكامل، هذا الشارع الذي كان يعج بالسكان، والحياة والمراكز التجارية، أصبحت صورته أشبه بالشوارع المهدومة في أفلام الرعب الأمريكية، حيث لا حياة ولا بشر يسيرون في الطرقات، ففي تلك المدينة التاريخية لم يبق الاحتلال على أي من معالمها بل تعمد هدم كل معلم حضارى أو تاريخي فيها.
المهندس علاء العطار رئيس بلدية بيت لاهيا، يؤكد أن هناك دمار كبير في البنية التحتية بالمدينة منذ بداية العدوان الإسرائيلي، حيث هناك شلالات في الطرقات عبارة عن أنهار من الصرف الصحي نظرا لتضرر المضخات الخاصة بالصرف الصحي وعدم توافر السولار وتحطم آليات الكسح التي تقوم بتسليك شبكات الصرف الصحي ما تسبب في أضرار بيئة كبيرة بالمدير، لافتا إلى تعمد الاحتلال تدمير المصانع والورش.
"هناك دمار كبير حل في كل المناحي الاقتصادية في تلك المدينة سواء مصانع أو ورش أو محلات تجارية أو السيارات"، هكذا يصف علاء العطار، خلال تصريحاته الخاصة لـ"اليوم السابع"، حال المدينة التي لم تعد قابلة للحياة، بعد أن لحق بها الدمار في كل شيء، فتلك المدينة التي كانت تعج بالآثار التاريخية أصبحت حطاما، مؤكدا:" الاحتلال دمر قطاع النقل، واستهدف سيارات المواطنين، حيث أصبح عدد السيارات الموجودة في الشمال محدودة للغاية والجزء الأكبر مدمر".
وحول إحصاء المدينة لعدد الوحدات السكنية المدمرة يقول علاء العطار :"لم نحص عدد المباني المدمرة في المدينة ولكن هناك تقدير أولى أن نسبة المباني التي دمرت في مدينة بيت لاهيا تتجاوز الـ70 % وتدميرها بشكل كلى أو جزئى وهو ما دفع السكان للذهاب إلى مراكز الإيواء، كما أن مراكز الإيواء في المدينة ليس مخيمات ولكن مراكز إيواء عبارة مدارس بعضها يتبع وكالة الأونروا وبعضها يتبع للحكومة ولجأ الناس إليها والآن يمكثون فيها ويحتمون داخلها".
الأزمة في بيت لاهيا ليست فقط في صعوبة الحصول على الطعام، أو البيوت المدمرة واللجوء إلى مراكز الإيواء، بل أيضا صعوبة الحصول على مياه الشرب بعد تدمير معظم محطات المياه على يد قوات الاحتلال، وهو ما يؤكد عليه علاء العطار الذي يقول إن 70 % من أبار المياه دمرت بشكل كامل وهناك 30 % لا زال يعمل على تقديم الخدمات للناس بالحد الأدنى رغم شح السولار وعدم توافرها في شمال قطاع غزة، كما تم تدمير 50 % من مضخات الصرف الصحى داخل المدينة ".
وبشأن مدى إمكانية أن تكفى تلك الأبار الموجودة في تلك المدينة السكان النازحين يوضح، أن هناك 80 ألف نسمة متواجدين في الشمال بالمدينة، ولكن عدد الأبار الموجودة لا يكف سوى لتغطية 50 ألف مواطن، وما نستطيع تشغيله كل 15 يوما ساعة واحدة لضخ بئرين أو ثلاثة لتغطية سكان المدينة لأن معظم الآبار والشبكات مضروبة ونعمل على نقل المياه بالجالونات.
مظاهر الدمار فى بيت لاهيا
لا يمكن أن تمر على أي شارع في بيت لاهيا إلا وستجده مدمرا، ولم يعد هناك طرق تصلح للسير سواء بالسيارات أو على قدمك، فبالتأكيد ستتعثر قدمك خلال السير بركام المنازل المنهار، حيث يقول رئيس بلدية بيت لاهيا :"فيما يتعلق بالطرق وشبكات المياه والصرف الصحى هناك تدمير 80 كيلو متر من الطرق بما تحتويه من شبكات صرف صحى ومياه وخطوط أمطار، والنفايات متراكمة في الشوارع بالآلاف ومئات الأطنان موجودة في الشوارع لأن آليات النفايات تم تدميرها، تقريبا أكثر من 95 % من آليات جمع النفايات تم تدميرها ".
الاحتلال حول بيت لاهيا من الأشهر في زراعة الفراولة لأراضي مجرفة ومنازل مهدمة
الصحفى الفلسطيني باسل ماهر، وهو من أبناء مدينة لاهيا، تلك المدينة الريفية التي كانت المصدر الأساسي للزراعة والمحاصيل، ولكن أبى الاحتلال إلا أن يجرفها ويقتل من فيها من بشر وحيوانات تتغذى على الزراعة، حيث يقول باسل ماهر – والذي تحدث معنا للتور بعد أن فرغ من دفن أحد أقاربه الشهداء في شمال غزة - :"مدينة شمال غزة مدينة بسيطة جميلة طيبة يغلب عليها الطابع الريفي أكثر من مدينة غزة التى يوجد بها العمارات والمتاجر والعمران والمؤسسات وغيره، وبيت لاهيا منطقة ريفية تضم بيت حانون وعزبة شرق جباليا وهي مناطق زراعية ريفية".
بيت لاهيا
"بيت لاهيا تشتهر بخصوبة أراضيها ومشهورة بزراعة الفراولة ونسميها التوت اللاهواني كما تسمى الذهب الأحمر لجودة الفراولة العالية"، هنا يصف باسل ماهر، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" المدينة التي عاش فيها طفولته وشبابه ولكن اخفت معالم المدينة تماما بعدما تعمد الاحتلال استهدفها منذ بداية عدوانه، حيث يقول :"للأسف كل الأراضي الزراعية والمشاتل والحمامات الزراعية جرفت ودمرت وبالتالى كل الذكريات المتعلقة بهذه المدنية من الناحية الزراعية والريفية أصبحت أثرا بعد عين ولم يتبق منها سوى الذكريات المؤلمة فقط التى إذا استحضرناها استحضرنا مشاهد جميلة ورائعة للغاية".
هنا يتحدث باسل ماهر عن ذكرياته في تلك المدينة، وهو ينظر حوله ويشاهد الدمار الكامل الذي أصبح حال تلك المدينة الآن، ويقول :"أذكر عندما كان يحدث فرح أو عزاء في أي مناسبة سعيدة أو حزينة يكون هناك اجتماع كبير من كل أهالى المنطقة لمواساة أهالى الحزن أو مشاركة أهالى الفرح والسيدات كل واحدة منهن تصنع الأكل في بيتها وتحمله وتذهب مباشرة إلى بيت العزاء وبها معانى المشاركة في الأسى والحزن ومساعدة أهالى الميت على تجاوز تلك المحنة، أما في الفرح فقبله بأيام تتجمع السيدات في بيت أهل العريس ويقمن بصنع الطعام ونسمع أصوات الزغاريد ترتفع وتتعالى من مكان الفرح إلا أن كل هذا أصبح ذكريات نسأل الله أن تعود".
باسل ماهر.. لم يعد للذكريات والمشاعر تجاه المدينة وجود في حياتنا
شوارع مليئة بالمارة، ومنازل تعج بالعائلات، أطفال في الشوارع يلعبون، فلاحون يستزرعون ويحصدون أرضهم، كل هذا أصبح سراب اليوم، فالشوارع مدمرة والمنازل عبارة عن أنقاض، والأطفال إما شهداء أو مصابين أو نازحين، والأراضي مجرفة، حيث يقول باسل ماهر :"قبل العدوان لا تكاد تمر من شارع ليلا أو نهارا إلا وتجده مزدحما والمحال مفتوحة الأبواب حتى صباح اليوم طوال الأيام، وفترة الأعياد فترة تكاد تكون فترة ذهبية لأصحاب المحال لكون أن المحال تشهد ازدحاما من المشتريين، والآن أصبحت خاوية على عروشها فإذا لم تكن قصفت ودمرت فهي خاوية على عروشها تعرضت ما للنهب أو التدمير أو الكساد وتلف البضائع المختلفة، فمنذ أكثر من 7 أشهر والبلد متوقفة لا يدخل لمنطقة شمال غزة أيا من البضائع حتى لملابس والأدوات المنزلية".
ويتابع :"الاحتلال حاول أن يقتل كل الذكريات في تلك المنطقة، المحال التجارية تدمرت ومطاعم شهيرة كانت واجهة لعدد كبير من الناس للترفه والتنزه خاصة في فترات المناسبات والأعياد والأطفال هم من يشعرون بفقدها أكثر من غيرهم لأنها كانت وجهتهم، فكل هذه المطاعم قصفت ودمرت، ولم يعد لأي من هذه المشاعر وجود في حياتنا، فكل ما يهمنا توفير أكل العيش في شمال غزة لصعوبة الحال في الشمال والمجاعة الموجودة في الشمال، أصبح الأمر أكثر سوءا من قبل، والناس تهتم بتدبير شئون يومها ولا تعلم إذا كانت ستعيش إلى الغد أم لا كون أن القصف يطال كل مكان وقد يحدث في أي لحظة من اللحظات، ولم يعد هناك مدارس بل أصبحت مراكز لإيواء اللاجئين".
رفح
بينما رفح، تلك المدينة الحدودية التي أصبحت تعج النازحين، حيث تقع في أقصى جنوب السهل الساحلي الفلسطيني على خط الطول الشرقي 30-52، وخط العرض الشمالي 29-36، وتبتعد عن ساحل البحر المتوسط بحوالي 5.5 ميل، كما تبتعد عن مدينة غزة بحوالي 38 كيلو متر، تأوى حتى الآن ما يقرب من مليون و400 ألف نازح، تلك المدينة التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى مخيمات بعد أن كانت تملؤها الحياة في كل شوارها، إلا أن الاحتلال حولها لخيم بشوارع مدمرة، تلك المدينة التي ترتفع عن سطح البحر بـ 48 مترا، وتتميز بأرضها الرملية، حيث تحيط بها الكثبان الرملية من كل جهة.
مدينة رفح
أصل اسم مدينة رفح يرجع إلى العهود القديمة، بحسب المركز المعلوماتى الوطني الفلسطيني، حيث تاريخ تأسيسها يرجع إلى خمسة آلاف سنة، وأطلق عليها المصريون القدماء اسم روبيهوى، أما الآشوريون أطلقوا عليها اسم رفيحو، والرومان واليونان أسموها رافيا، وأطلق عليها العرب اسم رفح، فتلك المدينة التي تحمل عبق التاريخ أصبحت مجرد مأوى للنازحين الفارين من الموت وسط تهديدات بين الحين والأخر من حكومة الاحتلال باقتحامها بريا.
الاحتلال مثلما فعل في باقى مدن قطاع غزة من تدمير هويتها التراثية والحضارية، فعل نفس الأمر مع مدينة رفح الفلسطينية، حيث سنجد أنه تعمد استهداف كافة المناطق التاريخية والحضارية في المدينة لإخفاء معالمها، ودمر متحف رفح، أحد أبرز المتاحف في غزة، واستهدف شوارعها الرئيسية ليجعل الحياة صعبة للغاية على سكان تلك المدينة.
في 9 فبراير الماضي، خرجت وكالة "الأونروا"، لتحذر من أن أي عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة على رفح، في أقصى جنوب قطاع غزة، قد تجلب المزيد من الدمار للسكان المدنيين، وذلك قبل أن تتبعها ببيان أخر في 19 فبراير أيضا تؤكد فيه أن نصف سكان رفح بجنوب قطاع غزة لا يجدون مكاناً يذهبون إليه سوى ملاجئ الوكالة، وأن هناك 153 منشأة تابعة لها في غزة تعرضت للتدمير جراء الحرب على القطاع، ومدارس الوكالة تحولت إلى ملاجئ للاحتماء من القصف، وأصبح من الصعب التعرف على المدارس في شمال قطاع غزة بعد أن تحولت إلى أنقاض، كم أكد المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني أن الوضع الإنساني في رفح ميؤوس منه بشكل متزايد.
الاحتلال دمر الآلاف من المباني والمنازل السكنية والبنية التحتية
ويؤكد الدكتور أحمد الصوفى، رئيس بلدية رفح الفلسطينية، إن الاحتلال دمر الآلاف من المباني والمنازل السكنية والبنية التحتية، سواء مدارس أو جامعات أو مساجد أو وحدات سكنية، مثلما فعل في كافة مدن غزة، حيث وصل عدد الوحدات السكنية المدمرة لأكثر من360 ألف وحدة سكنية في غزة ولمدينة رفح نصيب كبير منها.
ويكشف رئيس بلدية رفح الفلسطينية، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، نسب الدمار في أبرز مدن قطاع غزة ومن بنيها المدينة التي يتولى مسئوليتها، موضحا أن حجم الدمار في شمال قطاع غزة يصل إلى ما لا يقل عن 68%. وفي مدينة غزة 72% على الأقل، مخيمات وسط غزة 39%، وفي خان يونس 46%، وفي رفح حيث يعلن الجيش الإسرائيلي تكرارا ومرارا استعداده لعملية برية كبيرة وصلت نسبة التدمير فيها إلى 20%.
نسب التدمير فى كل مدينة بقطاع غزة
جمال هلال ، مواطن فلسطيني مقيم في رفح، فقد أسرته بالكامل في الأسبوع الأول من العدوان خلال إحدى غارات الاحتلال على المدينة، إسرائيل لم تقتل أسرته فقط، بل قتلت أيضا أيامه السعيدة وذكرياته الرائعة في تلك المدينة، جعلته يفقد العائلة وكذلك البلد التي كانت مكان الذي شهد خروج أبنائه الثلاثة للنور وهو ذات المكان الذي استشهدت فيه زوجته وأبنائه بينهم جنين في بطن أمه، حيث يقول :"كنا نسكن في رفح في منزل يوجد في الحي الإداري من أحد المناطق الرائعة والهادئة في مدينة رفح ولا أعرف ما السبب الحقيقي الذي حدث لقصف منزلي ولبعض الجيران والتي دمرت ، في رفح ذكرياتنا وحياتنا التي كنا نحبُبها أنا وعائلتي، كل تفاصيل حياتنا التي لا زالت ولن تزول من عقلي وفكري وحياتي".
ويضيف لـ"اليوم السابع :"كيف أنسى ونحن كنا نذهب معاً في رمضان لصلاة التراويح في مسجدنا ومن ثم التمشي لتناول العصير والحلويات، وكنا نذهب لتناول الإفطار في المطاعم، كيف أنسى ذكرياتنا ونحن كنا ننتظر لقدوم العيد ولشراء ملابس العيد وحلويات العيد وخروجنا معاً لصلاة العيد وتناول صباحاً فطور العيد ومن ثم الخروج لتهنئة الأقارب والأرحام مع أسرتى في رفح، وأي ذكريات في عقلي لأقول وأقول عما كان لا زال هنا في رأسي كثير وكثير لذكرياتنا معاً في كل تفاصيل حياتنا الرائعة والسعيدة التى كنا عشناها معاً في رفح، سيبقى لآخر نفس في جسدي مع زوجتي وأبنائي مع أرواحهم التي تعيش الآن وهي في الحياة الأفضل لهم وفي مكان بهيّ يليق بهم وأعلم أن الأخرة هي خيرٌ وأبقى".
بلدية غزة.. المدينة التراثية التي أخفى الاحتلال معالمها
إذا عرجنا إلى بلدية غزة، أو مدينة غزة القديمة، سنعرف أنها أقدم مدن القطاع وأكثرها احتوائا للآثار والمناطق التاريخية والثقافية، وكفى أن تعرف أن ثالث أقدم كنيسة في العالم "كنيسة القديس برفيريوس"، تتواجد بتلك المدينة، فتلك البلدة القديمة بمدينة غزة من أقدم المدن المتجذرة في عمق التاريخ، تعاقبت عليها العديد من الحضارات، ولكن لسوء حظها كانت أحد أبرز المدن التي طالها الدمار خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وتعرضت المدن الرئيسية فيها كحي الزيتون لدمار شبه كامل، وهذا ما ستكشفه السطور المقبلة من حجم الانهيار الذي تسبب فيه الاحتلال لتلك المدينة.
وبحسب المركز المعلوماتى الفلسطيني الوطني، فإن عدد البيوت التقليدية التي ما تزال قائمة داخل البلدة القديمة بغزة حوالي 146 بيتا، وتمثل حوالي 80% مما هو متوفر من مبان تقليدية، أما الجزء المتبقي فهو عبارة عن مبان عامة مثل المساجد والكنائس والزوايا والمدارس والمقابر والأسواق والحمامات والأسبلة، ومعظم هذه المباني تعود إلى الفترة المملوكية والعثمانية، كما تتوزع البيوت التقليدية على أحياء البلدة القديمة، بحيث تركزت في أحياء الدرج والزيتون والشجاعية، والعدد الأكبر منها مهجور وغير مستخدم، ومنها ما يزال مسكونا كمبنى سكني أو كمراكز ثقافية لخدمة المجتمع.
أبرز ما يميز بلدية غزة هو أشجار الزيتون المنتشرة فيها بشكل كبير، لذلك أبرز أحيائها هو حي الزيتون فهو أكبر أحياء مدينة غزة من حيث المساحة وثاني أكبرها من حيث عدد السكان البالغ، حيث يقع في قلب المدينة القديمة، وسمي حي الزيتون بهذا الاسم لكثرة أشجار الزيتون التي ما زالت تغطي معظم أراضيه الجنوبية حتى اليوم، رغم ما دمره الاحتلال الإسرائيلي في اجتياحاته المتكررة للمنطقة.
مدينة غزة
في هذا الحي توجد أهم كنيسة تراثية في القطاع، وثالث أقدم كنيسة في العالم كنيسة القديس برفيريوس والتي استهدفها الاحتلال في بداية عدوانه على القطاع في أكتوبر الماضي، حيث تعمد الاحتلال إلحاق تدمير واسع في مجموعة من الأحياء التاريخية في غزة منها حي الزيتون والدرج والشجاعية، واستهداف عدد من المواقع التراثية فيها على رأسها بيت السقا وهو بيت تاريخي يعود لفترة الحكم العثماني لفلسطين، والذي تم بناؤه عام 1661 عهد السلطان محمد الرابع، وتم تدميره بشكل شبه كلي، بجانب استهداف مئذنة مسجد المحكمة في الشجاعية وهو بناء مملوكيبُني في الأصل ليكون مدرسة، وذلك عام 1455م.
لم يتوقف معدل الدمار عند هذا الحد خلال العدوان الأخير، بل استهدف الاحتلال أيضا مكتبة بلدية غزة والتي تعد أكبر مكتبة عامة في مدينة غزة أقيمت في مبنى قديم بعد ترميمه وتأهيله سنة 1997م، تحتوي على 25.000 كتاب تقريباً بعدة لغات عالمية، بجانب مركز رشاد الشوا الثقافي، أكبر مركز ثقافي في قطاع غزة، والذي يحتوي على وثائق وكتب ومخططات تاريخية، حيث يعد مبنى المركز تحفة معمارية أُنشئ سنة 1985م، وتم ترشيحه لجائزة آغا خان المعمارية الدولية، بالإضافة إلى تدمير الأرشيف المركزي لبلدية غزة، وإلحاق الدمار بمبنى الأرشيف المركزي في المقر الرئيسي للبلدية، وإعدام آلاف الوثائق التاريخية التي يزيد عمرها عن 100 عام، وكذلك استهداف متحف قصر الباشا الأثري المملوكي الطراز، والذي يعد النموذج الوحيد المتبقي للقصور في قطاع غزة.
75 عاما في غزة.. المدينة العنقاء التي محى الاحتلال تاريخها
توفيق أبو شومر الكاتب السياسي الفلسطيني، والذي عاش في بلدية غزة منذ نعومة أظافره بعد أن ذهبت إليها أسرته مرحلة في نكبة 1948، وكان عمره حينها 3 سنوات فقط، ومنذ ذلك التاريخ لم يخرج منها إلا منذ أيام معدودة بعدما اضطرته الظروف الصحية لزوجته للخروج من القطاع لإنقاذ حالتها الصحية، كل ركن من أركان تلك المدينة التاريخية كان لتوفيق أبو شومر ذكريات معه، شوارعها ومبانيها التاريخية، ومعالمها التراثية والحضارية، مساجدها القديمة والجديدة، هوائها وحدائقها، ولكن كل هذا أصبح سرابا بعد أن أصبحت هذه الأماكن ركاما وحطاما بفعل التدمير الإسرائيلي.
يتحدث توفيق أبو شومر عن ذكرياته خلال ما يقرب من 75 عاما قضايا في تلك المدينة، حيث يقول في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" :"غزة مدينة غريبة لأنها تنهض من الرماد، لذلك سميت بالعنقاء لأنها تعود مرة أخرى للإعمار بعد الدمار، واعتبر نفسى أحد المخضرمين في هذه المدينة"، "هي لا تشبه أي مدينة في العالم لما لها من آثار عديدة، فهي البوابة بين قرتين ومر فيها كثيرون والبعض تمكن من البقاء وبعضهم قتل وبعضهم غادر المكان، وتحتوى على كنوز عديدة"، هكذا يصفها "شومر" ليكشف حجم حنينه لتلك المدينة التي عاش فيها جل عمره ولكن تركها وهي كومة من الرمال والركام.
يتحدث توفيق أبو شومر، عن مناطق وأماكن سعى الاحتلال لمحوها في المدينة، فقط لأنها تأسست قبل قيام دولته، قائلا :"المدينة بها كنيسة القديس برفيريوس التي تعد من كنائس العالم تم تدميرها بالكامل بجانب مبنى بلدية الرئيسي والذي يعتبر مبنى تراثي قديم قبل تأسيس إسرائيل، بجانب المستشفى الأهلى الذي أسسته بعثة مسيحية قديمة قبل قيام إسرائيل كل هذا تم استهدافه، فهذه المدينة التي استعصت على الهدم خلال تاريخها الطويل منذ العصر الرومانى حتى اليوم يحاول الاحتلال محوها بالكامل".
إذا كنت من سكان مدينة غزة القديمة، فبالتأكيد لم يكن يمر مناسبة قبل 7 أكتوبر الماضي إلا وتزور معالمها التاريخية والحضارية، وتسير في أحيائها وتستمتع بمنظر أشجار الزيتون، ولكن هذا أصبحت مستحيلا بعد 7 أكتوبر لأن كل هذه المعالم تم محوها بشكل متعمد حتى لا يعد لتلك المدينة لتاريخية أي ملامح يتذكر بها الفلسطينيين تاريخهم، وهنا يتحدث توفيق أبو شومر قائلا :" الاحتلال بدأ بالناحية التراثية في المدينة، وأزلوا المسجد العمري والكنيسة الرئيسية ومبنى البلدية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل دمروا المجلس التشريعي في غزة وتمت إزالته بالكامل وهو مبنى تراثي، كما دمروا مدينة خان يونس هذا البلد التراثي القديم، والذي يحتوى على أسواق المماليك القدامى وأماكن تراثية قديمة، فقد صب الاحتلال غضبه عليه ومحوه بالكامل ودمروه بحيث يستحيل إعادة إعمارها، بجانب تمدير أماكن الأغا ومساجد قديمة".
ويسترسل الكاتب السياسي الفلسطيني حديثه عن حجم الدمار الذي لحق بمدينته قائلا :"النصيرات التي بها حجم كبير من الآثار القديمة دمرت، وكذلك منطقة الزهرة تلك المدينة التراثية التى تقع منذ العصر الرومانى، وزورتها كثيرا وشاهدت فيها أرض الفسيفساء وذهبت لها ورأيت الحجور التاريخية، فمنذ اليوم الأول للعدوان تم تدميرها، فمدينة الزهرة هي الفاصلة بين النصيرات وغزة وتقع في جنوب مدينة غزة ومحوها الاحتلال بالكامل، فهم يريدون محو تاريخ غزة بطريقة ممنهجة وليس عبثا بل بدقة وتصميم وخطة لإزالة كل متعلقات غزة التاريخية، ولكن نسو أن غزة ستظل باقية".
"لم أغادرها منذ 1948 كان عمري أقل من 3 سنوات، خرجت من كتف والدتى مرحلا في 1948 وعشت في غزة منذ 1948 ولم أغادرها إلا مرغما خلال العدوان الأخير لأنى لم أجد دواء لزوجتى.. عمرى 78 وحتى اللحظة وستظل مدينة غزة مسكونة بداخلي"، هنا يتحدث توفيق أبو شومر بشوق عن تلك المدينة التي افتقدها ولكن لن ينسى معالمها التاريخية والحضارية التي محاها الاحتلال، قائلا :"يوميا كنت أذهب إلى أذهب إلى المسجد العمري وأسير حول المنطقة الآثرية وأكون سعيد بمن يرممون الآثار، وكذلك كنت أزور الكنيسة الرئيسية ودير التين أشعر بالنشوة، ودائما ما كنت أتردد على سوق فراس لشراء أغراضى وأعود مشيا على قدمى، هذا السوق الذي لحقه الدمار مثل باقى المناطق".
ويتابع الكاتب السياسي الفلسطيني :"كذلك كنت أذهب سيرا على قدمى لقصر الباشا وأرى التاريخ لأنى أرغب دائما أن اقرأ التاريخ فكنت أسير كأنى أسير في كتب التاريخ واتجول حول صفحات الكتب وأرى غزة التي تستعصى على الهدم بأهلها وتاريخها وتراثها، وكنت محاضرا في الجامعة بقسم الإعلام فكنت أنقل تلك الزاوية للطلاب، ففي غزة عاشت طائفة يهودية قبل قيام إسرائيل وكانت متسامحة للغاية وبعض الأثار تشير لذلك بجانب آثار رومانية ومملوكية وعثمانية، لم أكن اتجول للشراء ولكن اتجول لقراءة تاريخ غزة ولكن لم يعد بمقدورى أنا أو غيرى أن نسير في تلك المناطق لأنها لم تعد موجودة من الآن".
تدمير 70 % من المبانى في بلدية غزة
"خلال الحروب السابقة كان الاحتلال يستهدف تلك المقرات والمراكز التراثية والثقافية لمحو التاريخ الفلسطيني"، هكذا يوضح توفيق أبو شومر أسباب تعمد الاحتلال استهداف تلك المناطق والمعالم، قائلا :"مركز الشفا الثقافي أقيم قبل قيام إسرائيل لذلك تعمد الاحلاتل هدمه، فإسرائيل تريد هدم المعلم الآثري، فغزة ليست مبانى ولكن تاريخ وتراث وهي مدينة آزلية لا يمكن لأحد أن يمحوها فهي تشير لطبيعة الشعب الفلسطيني المتسامح والمستعصى على الفناء".
إذا انتقلنا إلى حجم الدمار الذي لحق بالمدينة منذ بداية العدوان، فيتحدث معنا المهندس عاصم نبيه، مدير العلاقات العامة ببلدية غزة ، الذي يؤكد أنه لا يوجد تقدير واضح لعدد الوحدات السكنية المدمرة في البلدية منذ بداية العدوان، إلا أن الدمار في البنية التحتية والمبانى السكانية كبير للغاية وربما يزيد عن 70 % سواء دمار جزئى أو كلى".
مظاهر التدمير فى بلدية غزة
"تدمير ما يزيد عن 40 بئر من أبار مياه بلدية غزية وهذه الأبار تمثل أكثر من 50 % من إجمالي الأبار في مدينة غزة"، هذه أبرز معاناة سكان بلدية غزة التي يكشفها مدير العلاقات العامة ببلدية غزة ، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، خاصة أن محطة التحلية الموجودة في شمال غزة لم تعمل منذ بداية العدوان وهناك أنباء عن تدميرها لكن لم تتمكن طواقم البلدية من الوصول لها بسبب تواجد الاحتلال بالقرب من المحيطة.
سكان المدينة لم يعد يقطنون داخل منازلهم، بل موزعين بين المستشفيات يحتمون بها أو مراكز إيواء الأونروا أو المدارس، حيث يقول المهندس عاصم نبيه: "ليس لدينا مخيمات نزوح في بلدية غزة حتى في المحافظات الشمالية التى تجد بها بلدية غزة لا يوجد مخيمات نزوح حيث لم تدخل خيم أو أية معدات أو أدوات النزوح والناس تلجأ للمدارس المدمرة أو البيوت شبه المدمرة أو المستشفيات مثل مستشفى الشفاء لأنه لا يوجد مخيمات نزوح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة