سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 29 مايو.. الفنان سيد درويش يضطر إلى الكذب بإعلان أنه يعمل مدرسا بعد رفض المأذون عقد قرانه «لعدم أهلية العاملين بالموسيقى والفن»

الأربعاء، 29 مايو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 29 مايو.. الفنان سيد درويش يضطر إلى الكذب بإعلان أنه يعمل مدرسا بعد رفض المأذون عقد قرانه «لعدم أهلية العاملين بالموسيقى والفن» الفنان سيد درويش

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نطق العريس فى مرارة: «أنا أعمل مدرس»، فعقد المأذون قرانه بعد أن صمم على رفضه منذ أن سمع إلى المهنة الحقيقية للعريس.

كان العريس الذى اضطر إلى الكذب هو سيد درويش، باعث النهضة الموسيقية العربية الحديثة، واضطر إلى ذلك لكى يتزوج فى 29 مايو من عام 1919، حسبما تذكر الدكتورة رتيبة الحفنى، نقلا عن ابنه حسن درويش، فى كتابها «السلطانة منيرة المهدية»، وتذكرها فى سياق السرد التاريخى لرفض المجتمع لمن يمتهن الفن: قائلة: «عاشت الموسيقى الشرقية ردحا من الزمن وهى فى عزلة تامة عن المجتمع، يراها الناس بمنظار أسود على أنها لهو ودعارة، وينظر إليها الفقهاء ورجال الدين على أنها فسق محرم، وصار احتراف الفن رذيلة يتبرأ منها المجتمع الإنسانى، وجريمة يوصم بها كل من تخول له نفسه أن يعمل فى الحقل الفنى».

وتضيف «الحفنى»: «كانت خطبة أى آنسة كفيلة بأن تفسخ إذا قيل عنها هى أو والدتها إنها ذهبت يوما إلى مسرح الشيخ سلامة حجازى، برغم أنه كان للسيدات مقصورات خاصة ذات باب خاص، وعليها ستائر كثيفة تحجبهن عن جمهور المتفرجين».

امتدت هذه النظرة السلبية نحو من يمتهن الفن إلى ما بعد ثورة 1919 بسنوات، وكان سيد درويش «17 مارس 1892 - 10 سبتمبر 1923» بكل قيمته التاريخية ممن انطبق عليهم هذه النظرة، وتذكر «الحفنى» أنه من الأحداث العجيبة فى هذه الفترة، عدم اعتراف المجتمع بقيمة الفنان وأهليته الكريمة، وتدلل على هذه النظرة بما حدث لسيد درويش نقلا عن ابنه حسن: «فى يوم الخميس 29 مايو 1919، وفى منزل بسيط يقع فى حى جزيرة بدران بشبرا، اجتمعت النسوة والفتيات يزغردن فى بهجة وسرور، وتزينت العروس فى عقر دارها وهى تستمع فى نشوة يغمرها الحياء إلى أغانى الصبايا من الأهل والجيران، وفجأة ساد بينهن صمت رهيب حين علمن بحضور المأذون، وتسارعت النسوة ينصتن من خلف الأبواب وكأن على رؤوسهن الطير، لا يجرؤن على الظهور والاختلاط بالرجال، ويترقبن لحظة الانتهاء من انعقاد مراسم الزواج حتى ينطلقن بالزغاريد ويوزعن الشربات على المدعوين، الذين اجتمعوا ليشاركوا العروسين فرحهما».

تضيف رتيبة الحفنى نقلا عن حسن درويش: «جلس العريس، سيد درويش، فى صدارة المجلس وفى مواجهة وكيل العروس، وجلس بينهما المأذون، وبدأت إجراءات عقد القران، والتفت المأذون إلى العريس يسأله عن اسمه ووظيفته، وعندما عرف المأذون أنه موسيقى انقلبت سحنته، وبدأ يجمع أوراقه ودفاتره بغية الانصراف رافضا إتمام الزواج، قائلا: إن العرف المتفق عليه يقضى بعدم الاعتراف بأهلية العاملين فى الحقل الموسيقى أو الوسط الفنى، ولا يمكن له ولا لأى مأذون إتمام هذه الزيجة».

يضيف حسن درويش: «إنقاذا للموقف اللا إنسانى فى تلك اللحظة الحرجة، نطق العريس فى مرارة وألم، مبدلا عمله بأنه يعمل مدرسا، وأتم المأذون عقد القران، تاركا فى نفس العريس أثر لطمة قاسية حطمت كبرياءه بين أفراد مجتمع أهدر كرامته، وسلبه إنسانيته».

ترى رتيبة الحفنى: «استغل المستعمر عدم احترام المجتمع الشرقى للفن والعاملين به، وسلط أضواء حارقة على الشباب، وساعد على انتشار الأغنية الهابطة، ودفع الشباب إلى ترديدها قاصدا تحطيم معنوياته».

وتستشهد برواية أخرى على النظرة السلبية من المجتمع نحو الفنانين، وتنقل من كتاب «تاريخ المسرح المصرى» للدكتور فؤاد رشيد، قصة يرويها زكى طليمات، رائد المسرح المصرى، عن محمد تيمور قائلا: «كان السلطان حسين كامل فى لحظة صدق مع نفسه، وكان أول المعجبين وأول المصفقين للفنان الشاب محمد تيمور، الذى قام ببطولة تمثيلية «عزة بنت الخليفة»، تأليف مسرحى إبراهيم فوزى مع فرقة جماعة أنصار التمثيل، وكان هذا الحفل مقاما فى دار الأوبرا، تحت رعاية السلطان حسين كامل فى عام 1916، وفجأة وبلا مقدمات تبدلت سجية السلطان، وطفرت العنجهية التركية مدعمة بالعظمة السلطانية، معترضا على أن يعمل أحد أبناء الطبقة الأرستقراطية الحاكمة ممثلا على خشبة المسرح، والتفت السلطان غاضبا نحو الأب أحمد تيمور باشا يلومه ويؤنبه، قائلا: «جرى إيه يا باشا، يصح ابنك يعمل أراجوز؟».

بوغت أحمد تيمور باشا بهذا التغيير المفاجئ الذى جاء بعد الإعجاب والتقدير والتصفيق، ولم تسعفه الكلمات بالرد على السلطان الذى تمادى فى تعنيفه: «إذا كنت مش قادر عليه، فأنا أقدر عليه، ولا يمكن أن أسمح لأولاد الباشوات بمثل هذا العبث»، وأصدر السلطان مرسوما بتعيين محمد تيمور ليشغل وظيفة أحد أمناء القصر السلطانى، ولم يستطع تيمور أن يرفض الوظيفة التى تم فرضها عليه.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة