يعد الكاتب محمد التابعى أحد أساطين الكتابة الصحفية فى تاريخ مصر، وكان أستاذها «الذى اختلف مجال الكتابة الصحفية بعده عما كان قبله»، بوصف أحد تلاميذه الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى مقدمته لكتاب «من أسرار الساسة والسياسة وأحمد حسنين باشا» الذى ألفه «التابعى»، ويعد من أهم كتبه، بالإضافة إلى «أسمهان تروى قصتها»، و«بعض من عرفت».
خاض «التابعى» تجارب صحفية رائدة أبرزها دوره الكبير فى «روزاليوسف» بعد تأسيسها، وتأسيسه مجلة آخر ساعة، وفى كل تجاربه كان قلمه الساحر وسيلة لنجاحها، ولأجل هذا حاول الكاتب الصحفى كمال الملاخ أن يرسم ملامح شخصيته بحوار معه فى «الأهرام» يوم 21 مايو، مثل هذا اليوم، 1966.
كانت بداية «التابعى» فى الكتابة بالمقالات الفنية عام 1923، وعمره 27 عاما، «مواليد 18 مايو 1896»، ويذكر «الملاخ» أن التابعى كان يكتب على الصفحة الأولى بـ«الأهرام» ناقدا للفن والمسرح خاصة، ولم يوقع باسمه، وإنما لف قلمه الساخر الذكى الساحر بالغموض باسم مستعار، كان اسما ساخرا أيضا سمع أصحابه ينادون به صديقه، قال لنفسه: لماذا لا أوقع به، وهكذا كان مولد إمضاء «حندس» فى بداية عهده بالصحافة المصرية العربية، وقابله الشاعر خليل مطران، وسأله: هل تعرف معنى حندس فى فقه اللغة؟ وهز رأسه إلى يمين ويسار، مبتسما، ورد عليه الشاعر: يعنى «الليل مظلم».
كشف «التابعى» للملاخ عن تشجيعه لكثيرين من كتاب القصة، مثل «إحسان عبدالقدوس، وأمين يوسف غراب، ونجيب محفوظ، ويوسف جوهر، وتوفيق الحكيم»، ورأى فيه كرأيى فى عباس العقاد أنه «مطبقاتى»، كاتب حوار ممتاز، وإن كان رأيى أن أفكار بعض قصصه معقدة، أما يوسف السباعى فأعتقد أنه من كتاب القصة الممتازين مع نجيب محفوظ».
وعن أسلوبه المميز فى الكتابة قال: «لما بدأت أكتب كان همى كله إن كل واحد يفهم اللى باكتبه له، لما كنت صغير فى المدرسة السعيدية كنت عاوز أبقى طبيب لما أكبر، ومرة زرت صديق لى فى مدرسة الطب، دخلت المشرحة، شفت الجثث، نفسى اتجزعت، قلت مستحيل انفع دكتور، ودخلت الحقوق وتخرجت فيها، وكنت أقرأ كثيرا جدا، واللى بيقرا كتير يحب إنه فى يوم من الأيام يكتب، قرأت فى طفولتى ألف ليلة وليلة، وألف يوم ويوم، أما طريق اتصالى بالصحافة، شفت المرحومة روزاليوسف فى رواية «غادة الكاميليا» سنة 1923، فكتبت عنها بمجلة «السفنكس» بالإنجليزية، التى كنت أستسهل التعبير بها كتابة عن العربية، المقال قلت فيه إنها مثلت دورها كهاوية، شتمونى فى جريدة «النظام»، واضطررت أرد عليهم باللغة العربية فى جريدة «السياسة الأسبوعية»، ثم بدأت أكتب مقالاتى فى النقد المسرحى فى «الأهرام» فى الصفحات الأولى».
يضيف: «تعرفت بالسيدة روزاليوسف، كنت اصطاف فى الإسكندرية عندما سألتنى بالتليفون: «حترجع امتى؟ حاطلع مجلة اسمها روزاليوسف»، افتكرت أنها نكتة، وحاولت أن أثنيها فلم أفلح، صدرت المجلة، كان المسؤول عن تبوبيها زكى طليمات، مجلة أدبية فنية علمية فيها باب الشعر والزجل يحرره عبدالوارث عسر، وكان يشترك فى الكتابة العقاد وإبراهيم رمزى والمازنى، باختصار المجلة ولدت ميتة، فتوليت تبويبها من جديد».
يكشف: «ارتفع توزيع المجلة من 200 نسخة إلى 4 آلاف نسخة، بقت تغطى مصاريفها، وبرضه مفيش أرباح، كانت تباع بـ5 مليمات، وجازفت وأدخلت السياسة فى المجلة والكاريكاتير، ورفعت السعر إلى 10 مليمات، فازداد توزيعها إلى 6 آلاف نسخة، الرسام سانتس فى الأول كانت ميوله مع حزب الأحرار الدستوريين، وأنا ميولى مع الوفد، كل ما أقنعه يرسم ضد الأحرار ما يرضاش، كنت وقتها موظفا بمجلس النواب، وشوفت من العيب إن موظف حكومة يهاجم رئيسها فاستقلت، لأتفرغ للصحافة».
وعن كيف عاش حياته، قال: «عشت حياتى عمقا وارتفاعا وعرضا، الحكمة اللى كنت أتبعها فى حياتى تختلف حسب عمرى وتجربتى، كنت دائما أعتقد بالمثل القائل: «اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب»، وكانت نفس الحكمة وأنا فى سن الأربعين أيضا، وكنت وقتها حريصا على حكمة «أن قول الحق لم يدع لى صديقا»، ودلوقتى بندم عل الفلوس اللى صرفتها، يعنى لو كنت أعيش بـ3 آلاف جنيه فى السنة، كان بقى عندى الآن وفر على الأقل».
وعن تجربة السجن قال: «إنه سجن علشان العيب فى ذوات الملكية رضا بهلوى أبو شاه إيران محمد رضا بهلوى، والملك فؤاد، وأن السجن علمه الصبر، وعلمه الأولاد الصبر أكتر وأكتر»، وقال: «محمد عبدالوهاب أذكى الملحنين وأكثرهم اطلاعا، عبدالوهاب بيتطور، يعنى ماوقفش، السنباطى وقف، وأم كلثوم ربنا أعطاها الروعة، يجوز فى أصوات أقوى، لكن فن الأداء لا يملكه أحد إلا أم كلثوم، فى اعتقادى أنها أعظم ممثلة فى مصر، مش بتغنى بس وإنما بتغنى وبتمثل، ولهذا أم كلثوم عظيمة وستبقى سيدة الغناء العظيمة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة