كانت سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى حالة مزاجية رائعة، وهى فى مدينتها المنصورة لإحياء حفلها يوم 7 مايو 1960 بحضور الرئيس جمال عبدالناصر، كانت تشعر بأنها فى مكانها الطبيعى بمدينتها الأولى، بوصف الكاتبة الصحفية حسن شاه التى حاورتها هناك وزارت قريتها طماى الزهايرة، والتقت بأصدقائها وجيرانها، ونشرت كل ذلك فى مجلة آخر ساعة، عدد 1334، 18 مايو 1960.. «راجع ذات يوم، 18 مايو 2024».
انعكست الحالة المزاجية لأم كلثوم فتحدثت لـ«حسن شاه» عن الأدب والسياسة والغناء، وعن إسرائيل كما لو أنها تعيش لحظتنا الحالية، قالت نصا: «وجود إسرائيل عبارة عن مدفع مصوب إلى كل واحد منا، إلى بيته وأهله وأولاده، كل واحد منا يجب أن يشعر بهذا الإحساس، وأن يكون على حذر واستعداد، وإلا تحول إلى لاجئ كأهل فلسطين»، وتساءلت: ماذا يستطيع أن يفعل ملايين العرب لو قام كل واحد منهم بعمل ولو صغير ضد إسرائيل؟
غيرت أم كلثوم مجرى حديثها إلى مجال آخر، فتحدثت عن القراءة، وأكدت أنها لا تنسى كتاب «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، ثم أضافت: «هناك كتاب آخر لا أستطيع أن أنساه، كتاب «الأيام» للدكتور طه حسين، كتاب عظيم جدا»، وكشفت أن أعظم كتاب قرأته هو «حياة محمد» للمرحوم الدكتور محمد حسين هيكل باشا، فهو موسوعة أدبية تاريخية دينية ليس لها مثيل، وعن آخر كتاب قرأته، قالت: «الرسالة والرسول للدكتور نظمى لوقا».
وقالت: إنها لم تقرأ كتاب العقاد «المرأة فى القرآن الكريم»، فأوضحت لها «شاه»: «العقاد يقول فى هذا الكتاب أن المرأة لا تصلح لشىء. إنه ينكر عليها التفوق فى أى ناحية من نواحى الخلق والابتكار والفن»، ردت أم كلثوم فى استنكار: «هل قال العقاد هذا؟»، قالت «شاه»: «نعم قامت بينه وبين الدكتورة بنت الشاطئ معركة بسبب هذا الكتاب، فما رأيك بصفتك أعظم فنانتنا؟»،
ضحكت أم كلثوم وقالت: «لن أرد بصفتى فنانة، وسأترك الناس الآخرين يردون، وأحب أن أقول لـ«العقاد» بهذه المناسبة أن الله خلق الناس من جنسين، ومنح كل جنس مواهب معينة ليست موجودة بنفس الدرجة فى الجنس الآخر، فلماذا يتباهى أحد الجنسين على الآخر بمواهبه، هل يستطيع العقاد أو غير العقاد أن يعيش بغير المرأة، هل كان العقاد يصبح له وجود أصلا بغير المرأة»، وقالت: قرأت من الأدب النسائى بعض مؤلفات «بنت الشاطئ» و«سهير القلماوى»، ولم تقرأ كتاب «أيام معه» للشاعرة والروائية السورية كوليت خورى، وإن كنت سمعت عنه، وعلقت: «هذا النوع من الأدب المكشوف لا يعجبنى».
انتقل الحوار فجأة إلى الأغانى عندما قالت أم كلثوم: «أنا غير متفائلة بالنسبة لتأليف الأغانى، مؤلفو الأغانى من الشباب أصبحوا يريدون عمل حاجات غريبة وخلاص، حاجات ليس فيها صدق وإنما فيها حرفنة، ده مش كويس، تصورى مثلا أن أحد مؤلفى الأغانى وصل إلى درجة جعل المغنية تقول فيها: إزيك يا حبيبى وإزى صحتك؟ وضحكت أم كلثوم من قلبها وهى تعلق: «بالذمة هل هذا كلام»، ثم أكدت أنها غير متشائمة من مستقبل الأغنية من ناحية التلحين، فهناك ملحنون شبان ممتازون جدا، مثل محمد الموجى وكمال الطويل وبليغ حمدى.
تضيف أم كلثوم: «الأغنية الناجحة يجب أن تتوافر فيها ثلاثة عناصر، التأليف الجيد، والتلحين الجيد، والأداء الجيد، والأغنية فى رأيى تعتمد قبل كل شىء على الكلام، إذا كان الكلام جميلا ينفعل به كل من الملحن والمغنى فيجىء اللحن جميلا، والأداء ممتازا، وكلما كان الكلام جميلا زادت حلاوة الأغنية».
وعن أحلى أغانيها فى رأيها، كشفت: «الذى يميز أغنية على أخرى فى نظرى هو الكلام، ولهذا أنا أحب أغنية «سهران لوحدى» تأليف أحمد رامى، تلحين رياض السنباطى، لأن كلامها حلو جدا وموضوعها طريف جدا، فلم يسبق لشاعر أن تحسر على عهد الجفا والحساد بالجمال قبل هذه الأغنية، وكما فى هذه الأغنية، كل الشعراء لعنوا عهد العواذل، وكل الشعراء كرهوا عهد الجفا إلا رامى عندما قال: «كان عهد جميل/ حاسد وعذول/ والبال مشغول»، وعندما قال: «حتى الجفا محروم منه/ يا ريتها دامت أيامك».
وكشفت عن أول أغنية فى حياتها، قائلة: كان كلامها حلوا لدرجة أننى ما زلت أحفظها، كانت تقول: «مولاى كتبت رحمة الناس عليك فضلا وكرما/ فالمرجع والتاكل والكل إليك عرب وعجم/ مالى عمل يصلح للعرض عليك بل صار عدم/ فارحم ذلى ووقفتى بين يديك إن زل قدم».
وعن الرجل العظيم فى حياتها، أكدت: «والدى، فهو الذى اكتشفنى ووجهنى وحافظ على، كان فى استطاعته أن يثرى سريعا من ورائى، بأن يجعلنى أغنى فى الكباريهات مثلا، ولكنه فضل الطريق النظيف الطويل والشاق من أجل مستقبلى وسمعتى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة