ثلاثة أربع القرن، تغيرت الحكومات والسياسات والأنظمة، وتبدلت ظروف العالم مرات، ولم تتبدل مواقف مصر تجاه القضية الفلسطينية، ولا وقوفها حارسا أمينا على جبهة فلسطين.
كانت القضية الفلسطينية أولوية مصر ولا تزال، ومنذ العام 1948 لعبت القاهرة أدوارا عديدة فى إسناد الأشقاء والدفاع عن حقوقهم، واعتبرت المسألة جزءا أصيلا من أمنها القومى، ودوائر انتمائها، والتزاماتها التاريخية والوجدانية تجاه محيطها، بدءا برفض قرار التقسيم ثم المشاركة فى حرب فلسطين، وصولا إلى جهودها الحالية من أجل كبح انفلات الاحتلال وإفساد مخططاته لتصفية القضية.
تحملت مصر أعباء عسكرية وأمنية وسياسية ودبلوماسية واجتماعية، من أجل سلامة الشعب الفلسطينى وحقوقه، ولم تتقاعس عن دورها قط، وقدمت أكثر من 100 ألف شهيد و200 ألف جريح خلال حروبها مع إسرائيل.
جيش مصر يفدى فلسطين
فى حرب 1948، قدم الجيش المصرى جنوده وأبناءه دعما لفلسطين، وتدخلت القوات المسلحة لمساندة القضية ومواجهة القوات الإسرائيلية المدعومة من الغرب، لهذا كانت القاهرة هدفا لعدوان إسرائيل فى 5 يونيو 1967، الذى غير الأوضاع فى الشرق الأوسط، وفى أكتوبر 1973 تمكنت مصر من فرض «النزاع العربى الإسرائيلى» على الساحة الدولية، واستعادة أراضها المحتلة بالحرب والسلام، وسعت لإشراك «منظمة التحرير الفلسطينية» فى مؤتمرات السلام لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
وعلى مدى عقود، سعت مصر لدفع عملية السلام وحل القضية الفلسطينية، واتخذت السياسة سبيلا استراتيجيا للحفاظ على مقدرات وحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة، فى إطار مبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وحرصت القيادة المصرية على إيجاد سند قانونى لدولة معترف بها من الأمم المتحدة، ففى عام 1962 دعمت الإعلان الفلسطينى عن الدستور فى قطاع غزة، ونص على قيام سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية فى القطاع، واتخذت الحكومة الفلسطينية مدينة غزة مقرا، وفى 1970 قبلت مصر مبادرة روجرز لإحلال السلام فى المنطقة، والتفاوض تحت إشراف مبعوث الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق نهائى لتنفيذ القرار 242، بما فى ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة عام 1967، والتسوية العادلة لمشكلة اللاجئين مع تقرير وضع القدس، وأصدرت الجمعية العامة، استجابة لمبادرة مصرية، أول قرار ينص على حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير، ونجحت فى التوصل لتنفيذ اقتراحها الخاص بتشكيل لجان للتحقيق فى الأوضاع بالأراضى المحتلة.
دعم بالسياسة والدبلوماسية
كما شاركت مصر فى التوقيع على اتفاق أوسلو سبتمبر 1993، متضمنا «أن هدف المفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية منتخبة لمرحلة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات تؤدى إلى تسوية نهائية على أساس قرارات مجلس الأمن الدولى».
وفى الفترة نفسها، شهدت مدينة طابا المصرية توقيع الاتفاق المرحلى لتوسيع الحكم الذاتى الفلسطينى، ثم التوقيع النهائى فى واشنطن 28 سبتمبر 1995، وتطبيقا للاتفاق انسحبت إسرائيل من المدن الكبرى فى الضفة الغربية، جنين وطولكرم ونابلس وبيت لحم، ثم قلقيلية ورام الله، أما فى يناير 1997 فتم التوقيع بجهود مصرية على اتفاق الخليل حول الإطار العام للترتيبات الأمنية فى المدينة والمراحل التالية من إعادة الانتشار.
رعاية المصالحة بين الفصائل
منذ أن دب الخلاف بين الفلسطينيين قبل نحو عقدين، ترعى مصر الحوار بهدف مساعدة الفصائل على تحقيق الوفاق، عبر جولات متكررة استضافتها القاهرة، لكن أحداث غزة فى يونيو 2007 أدت لتكريس حالة الانقسام والخلاف مع الضفة، ودخل ملف المصالحة فى جمود شبه كامل لسنوات، إلى أن عادت القاهرة لتفعيل المسار فى أبريل 2011، واستضافت اجتماعا ضم ممثلين عن حركتى فتح وحماس، اتفقوا فيه على بنود وثيقة للوفاق الوطنى وبحث آليات تنفيذها فى ديسمبر 2011، خلال اجتماع استضافته القاهرة أيضا، واستهدفت مصر تحقيق عدة أهداف: وضع برنامج سياسى موحد بين كل الفصائل ركيزته الأساسية تخويل السلطة الفلسطينية إجراء مفاوضات مع إسرائيل، وعدم قيام أى فصيل بالخروج عن البرنامج أو الانفراد بالقرار، وتدعيم السلطة الفلسطينية وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
دعم مالى وإنسانى لا ينقطع
وبجانب كل ما فات، قدمت مصر ولا تزال الدعم المالى والإنسانى لفلسطين وشعبها، حيث كشفت التصريحات الصادرة من مسؤولين مصريين عن حجم الدعم المالى، فقال وزير الخارجية فى 2007، السفير أحمد أبوالغيط: جرى تقديم 48 مليون دولار لدعم السلطة الفلسطينية، إضافة لأكثر من 40 مليون دولار مساعدات إنسانية وبرامج تدريب.
وفى 2008 أكدت مصر التزامها بمواصلة مساهمتها فى مد قطاع غزة بالكهرباء، دون تأثر بالإجراءات الإسرائيلية، وتولت وزارة الكهرباء تركيب مكثفات للجهد على الخطوط الممتدة من رفح المصرية لرفح الفلسطينية، لزيادة قدرة التيار فى مدن القطاع وقراه المعزولة عن الشبكة، وأصدرت الرئاسة المصرية فى العام نفسه توجيهات للحكومة بتقديم المعونات الغذائية بالتعاون مع الجمعيات والمنظمات الأهلية، والسماح للفلسطينيين بالدخول إلى الجانب المصرى لشراء احتياجاتهم الغذائية، وفتحت مصر معبر رفح البرى لعبور الفلسطينيين بين الجانبين لمدة ثلاثة أيام، خاصة المرضى والمصابين والحالات الإنسانية والطلاب المقيمين بمصر والدول العربية، وأعادت تشغيل ميناء رفح البرى لإدخال المعتمرين والمرضى.
عملت مصر على إعادة إعمار غزة وتوفير ممرات آمنة لإدخال المساعدات، ومع تولى الرئيس السيسى الحكم فى 2014، تعاظمت جهود مصر لدعم القضية، فبذلت العديد من الجهود لوقف إطلاق النار وحقن دماء المدنيين الأبرياء فى كل المواجهات خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن الجهود الإنسانية وفتح المعبر واستقبال المصابين وتقديم المساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطينى.
وفى عام 2021 وجه الرئيس السيسى بالإسراع فى الانتهاء من مراحل إعادة إعمار قطاع غزة، وواصلت اللجنة المصرية المعنية تحركاتها المكثفة لتسريع وتيرة العمل، وفى آخر العام انتهت المرحلة الأولى من إعادة الإعمار بإزالة الركام بآليات مصرية، خلال 65 يوما شهدت رفع 85 ألف متر مكعب من الركام، وشملت المرحلة الثانية إطلاق 6 مشاريع، منها تطوير الواجهة البحرية لكورنيش غزة، بإسناد أعمال الطرق والبنية التحتية للمقاولين الفلسطينيين، وإنشاء تجمعات سكنية.
دعم راسخ فى 2023
ومنذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فى 7 أكتوبر 2023، أسست مصر خطوطا عريضة للعمل الجاد، واختارت التشاور مع كل الأطراف المعنية بالصراع، وتكثيف جهود الإغاثة وإدخال المساعدات وإجلاء الجرحى، ونظمت قمة «القاهرة للسلام» التى سارت على أسسها الدبلوماسية الدولية، فضلا عن جهودها التى أسفرت عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية لمدة أسبوع تقريبا أواخر نوفمبر الماضى، وحذرت مرارا وتكرارا من إقدام الاحتلال على اجتياح رفح الفلسطينية.
خصصت الدولة مطار العريش لاستقبال المساعدات الدولية، ودعت جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الراغبة فى تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية إلى الشعب الفلسطينى للمساهمة، مع استمرار فتح معبر رفح البرى دون إغلاق، بينما تواصل القوات المسلحة عمليات الإنزال الجوى للمساعدات على شمالى القطاع، وتتواصل جهود السعى لإبرام اتفاق هدنة ووقف إطلاق النار، والرفض القاطع لمخططات التهجير القسرى وتصفية القضية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة