تستمر الازدواجية الأمريكية فى التعامل مع القضية الفلسطينية منذ عقود، فدائما ما تتجاهل فى تغطياتها الإخبارية وسياساتها المتعلقة بالدعم لإسرائيل الفظائع التى يرتكبها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين وأسرهم دون وضع حقوق الانسان او القوانين الدولية أو مسئوليتها كدولة احتلال فى الاعتبار.
وتتجه الأنظار اليوم إلى غزة التى أصبحت فى نظر منظمة اليونيسيف المكان الأكثر خطورة على مستوى العالم بالنسبة للأطفال بسبب القصف الوحشى المستمر منذ أكتوبر 2023 وبالمقارنة، تجاهلت وسائل الإعلام الأمريكية الضحايا المدنيين فى القطاع المحاصر ودائما ما تبنت فكرة حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها على حساب الفلسطينيين.
فى الأشهر الثمانية عشر الأولى من الحرب الروسية الحالية فى أوكرانيا، قتل ما لا يقل عن 545 طفل وفى عام 2022، حسب إحصاء الأمم المتحدة، قتل 2985 طفلًا فى جميع الحروب فى جميع أنحاء العالم. وفى المقابل، ففى أقل من خمسة أشهر من الحرب الإسرائيلية الحالية فى غزة أظهرت الاحصائيات أن القصف الإسرائيلى تسبب فى استشهاد أكثر من 12500 طفل وسط صمت وتعتيم اعلامى متعمد وكان من بينهم 250 رضيعًا تقل أعمارهم عن سنة واحدة.
يقول الكاتب الأمريكى نيكولاس كريستوف فى مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، إن تبنى أمريكا حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها لا يبرر القصف العشوائى والقيود المفروضة على الغذاء والمساعدات الأخرى وبسبب دعم أميركا للغزو الإسرائيلى وتوفير الحماية الدبلوماسية لها فى الأمم المتحدة، تلطخت أيدى الولايات المتحدة بدماء الفلسطينيين.
وقال إن هناك معيار مزدوج آخر، وأضاف: "نحن الأمريكيون ندين روسيا أو فنزويلا لانتهاكاتها لحقوق الإنسان، لكن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل وتحميها دبلوماسيا حتى عندما انخرطت فى ما وصفه الرئيس بايدن بحملة عسكرية مبالغ فيها".
وتابع كريستوف قائلا إنه من العدل الحديث عن المعايير المزدوجة فى الولايات المتحدة فهى حقيقية، وأضاف: إنهم يركضون فى اتجاهات عديدة، لحماية إسرائيل وإدانتها فى الوقت نفسه.
وفى عالم نتواصل فيه جميعًا بإنسانيتنا المشتركة، أعتقد أنه لا ينبغى لنا أبدًا أن نسمح أبدًا بتسخير تشابكنا البشرى المتمثل فى المعايير المزدوجة والنفاق للابتعاد عن المأساة التى تتكشف اليوم لأطفال غزة، أو عن تواطؤ أمريكا فيها.
تسببت ازدواجية المعايير الأمريكية فى إعطاء الفرصة للجيش الإسرائيلى باحداث دمار شامل فى قطاع غزة، حيث كشفت تقديرات للأمم المتحدة حقيقة صادمة فى تقرير لها بتاريخ 2 مايو أنه إذا توقفت الحرب التى تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلى ذلك اليوم فسوف يستغرق الأمر حتى عام 2040 لإعادة بناء جميع المنازل التى دمرت خلال ما يقرب من سبعة أشهر من القصف والهجمات البرية فى المنطقة.
ويقول تقرير للأمم المتحدة إن القتال فى غزة دمر أكثر من 370 ألف منزل وقال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أخيم شتاينر: "كل يوم إضافى تستمر فيه هذه الحرب يفرض تكاليف باهظة ومضاعفتها على سكان غزة وجميع الفلسطينيين".
ويشهد الرأى العام العالمى مسلسلا جديدا لأكاذيب الغرب وتضليل الرأى العام فى تغطية الحرب التى لم تجد معيارا للحياد والنزاهة عبر شاشات وصحف الإعلام الغربى، أو على لسان مسئولى إدارة بايدن وغالبية نظرائهم الأوروبيين.
انتقد تقرير لمنظمة نيو هيومانيتاريان الحقوقية ومقرها سويسرا، أداء الإعلام الغربى وتغطيته للأحداث فى قطاع غزة، مؤكدًا أنه لا يرى المعاناة الإنسانية للفلسطينيين، لأن الاستعمار والتفوق الأبيض والتمييز الدينى لا تزال هى العدسة المهيمنة التى تنظر من خلالها الدول والمؤسسات والشعوب ووسائل الإعلام فى الغرب إلى العالم على الرغم من المصالح الجيوسياسية.
وبحسب التقرير، تغافلت وسائل الإعلام الغربية أن الحكومة الإسرائيلية كانت مسئولة عن قتل آلاف المدنيين الفلسطينيين منذ بدء الحرب، وقبل 7 أكتوبر قتل 3803 مدنيين فلسطينيين - مقارنة بـ 177 مدنيا إسرائيليا - منذ عام 2008.
وذكر التقرير أن العديد من الضيوف الفلسطينيين الذين أجريت معهم مقابلات على شاشات التلفزيون الأمريكى أو البريطانى يطالبوا بشكل مسبق إدانة حماس كتذكرة دخول إلى المحادثة، فى حين لا يطلب من الإسرائيليين محاسبة حكومتهم على جرائمها.
وقال التقرير إن هناك تعمد لتصوير الفلسطينيين على أنهم أقل استحقاقا للتعاطف لأنه ينظر إليهم على أنهم أقل من مجرد بشر، على سبيل المثال عندما تقتبس صحيفة بوليتيكو من الوزراء الإسرائيليين قولهم إنهم يقاتلون حيوانات بشرية - وهو ما يعكس وصف النازيين لليهود بأنهم فئران قبل المحرقة - يساهم فى تجريد الناس من إنسانيتهم مما يجعل قتلهم أسهل.
وصور الصحفيون الغربيون الأوروبيين ذوى الشعر الأشقر والعيون الزرقاء الذين قتلوا فى أوكرانيا على أنهم أسوأ من أى مكان آخر وقال أحد كبار مراسلى شبكة سى بى إس الأجنبية على الهواء مباشرة أن أوكرانيا "ليست مكانا، مع كل الاحترام الواجب، مثل العراق أو أفغانستان، شهد صراعا مستعرا لعقود من الزمن.. إنها مدينة متحضرة نسبيًا، وأوروبية نسبيًا...، مدينة لا تتوقع فيها ذلك.
وفى تصريحات لنيويورك تايمز، قال نور عودة، المعلق السياسى الفلسطينى المقيم فى رام الله، إنه عندما اندلعت الحرب فى أوكرانيا لأول مرة، كان الفلسطينيون مبتهجين بالموقف الصارم الذى اتخذته العواصم الغربية ضد دولة تحتل أراضى دولة.. لكن يبدو أن الاحتلال يكون سيئًا فقط إذا كان الأشخاص الذين ليسوا إلى جانبك يقومون به".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة