أكد خبراء بالقانون الدولى وسياسيون أن تصريحات الدكتور سامح شكرى وزير الخارجية بشأن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية كونها خيارا استراتيجيا اتخذته مصر منذ أكثر من 4 عقود ويعد ركيزة رئيسية فى المنطقة لتحقيق السلام والأمن، تعكس الطريق الذى اختارته مصر وتعمل عليه من أحل صون الاستقرار بالمنطقة، لاسيما وأن أن اتفاقية "كامب ديفيد"، كانت ولا تزال حجر الأساس للأمن والاستقرار الإقليمى، وهى التى أعطت النموذج والأمل لشعوب المنطقة لإمكانية إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى بالطرق السلمية وعليه فإن أى ممارسات من "تل أبيب" من شأنها تهديد ثوابت وقواعد هذه الاتفاقية وسيدفع ثمنه جميع الأطراف.
ويؤكد الدكتور أيمن سلامة، خبير القانون الدولي، أن تصريحات الدكتور سامح شكرى وزير الخارجية، يقصد بها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة فى عام 1979، وهو ما يؤكد أن مصر راغبة فى السلام وقادرة على تحقيقه وصونه، فهى أول دولة تبرم معاهدة سلام مع إسرائيل، مشددا أن معاهدات السلام تسمو عن دونها من اتفاقيات أخرى اقتصادية أو فنية.
وأوضح فى تصريح لـ"اليوم السابع" أنه ليس من السهل على الدول التى ترتبط بمعاهدات السلام أن تهدد بإنهائها أو الانسحاب منها من جانب واحد، مضيفا أن قانون المعاهدات الدولية يكفل للدولة المصرية أن تعلق بعض بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية المبرمة فى شهر مارس عام 1979 من أجل الردع.
وأشار إلى أنه بالنظر للمنطقة الجغرافية فى رفح تحديدًا هى متاخمة ومتماسة للحدود الدولية المصرية، لذلك تستطيع مصر أن تقوم مؤقتًا بتعليق بعض بنود معاهدة السلام مثل تخفيض العلاقات الدبلوماسية وتعليق الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون الأخرى الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وغيرها من البروتوكولات تقوم بتعليقها وليس إلغائها.
وتابع: "حين استجدت ظروف طارئة تهدد الأمن القومى المصرى طلبت مصر من إسرائيل تعديل المعاهدة مرتين الأولى فى 2005 حين وقعت الدولتين بروتوكول معدل للملحق الأمنى بشأن محور فيلادلفيا فى غزة وأيضا فى عام 2021 طلبت مصر من إسرائيل التعديل الثانى للملحق الأمنى للمعاهدة خاص بتعديل أوضاع وقدرات قوات حرس الحدود المصرية فى المنطقة ج وفى الحالتين استجابت إسرائيل للطلبين المصريين".
وقال أن معاهدة السلام لم تمنح إسرائيل حقوق ومراكز قانونية جديدة عن حقوقها المكتسبة قبل توقيع معاهدة السلام المصرية عام 1979.
وبدوره يؤكد الدكتور أيمن محسب، وكيل لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب، أن المادة الثانية من اتفاقية السلام على أن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هى الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب كما هو واضح بالخريطة فى الملحق الثاني، وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة، مشيرا إلى أن الاتفاقية تتضمن إقرار كلا الطرفين بأن هذه الحدود مصونة لا تمس، ويتعهد كل منهما باحترام سلامة أراضى الطرف الآخر بما فى ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوى.
وأضاف "محسب"، أن البند الرابع من المادة ٤ بالاتفاقية ينص على أن إعادة النظر فى أى ترتيبات أمنية على الحدود لا يتم إلا باتفاق بين البلدين، مشيرا إلى أن مخالفة ذلك قد يدفع بالدولة المصرية لتقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولى بوصفه الجهة المنوط بها حفظ السلم والأمن الدوليين، لإدانة الانتهاكات الإسرائيلية وحثها على الالتزام بوقف إطلاق النار وباتفاق التهدئة ووقف كافة الأعمال العدائية على الحدود المصرية وداخل قطاع غزة، ووقف الإجراءات العسكرية أحادية الجانب التى تقوم بها إسرائيل.
وأكد عضو مجلس النواب لـ"اليوم السابع"، على أهمية استئناف المفاوضات والعمل الدبلوماسى لإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطينى من حقوقه المشروعة فى إقامة دولته المستقلة، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، باعتبار ذلك السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، متوقعا أن تتحرك مصر على عدد من المحاور السياسية والقانونية كخطوة أولى لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية.
وشدد النائب أيمن محسب، على ضرورة عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية لبحث تداعيات الموقف وتنسيق مواقف إقليمية ودولية ضاغطة على إسرائيل، مؤكدا على أن ما تقوم به دولة الاحتلال من جرائم بحق المدنيين العزل فى رفح، يتنافى تمامًا مع جوهر ونصوص اتفاقية السلام، التى كان تستهدف وضع حد أن للنزاع العربى -الإسرائيلى.
وحذر "محسب"، من مغبة استمرار الانتهاكات الإسرائيلية والمتكررة لأحكام اتفاقية كامب ديفيد، حيث يمنح ذلك مصر الحق القانونى الكامل فى تعليق العمل بالاتفاقية أو الانسحاب منها، وفقًا لقواعد القانون الدولي، مشيرا إلى حق مصر فى المطالبة بتفعيل اتفاقية السلام من خلال اللجنة المشتركة المنصوص عليها فى الاتفاقية، أو اللجوء إلى آليات تسوية المنازعات المنصوص عليها فيها مثل التحكيم الدولي، لإلزام إسرائيل بوقف ممارساتها العدوانية تجاه الشعب الفلسطينى وتجاه دول الجوار.
فيما سلط الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص فى القانون الدولي، الضوء على الآليات القانونية التى نظمتها اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة فى كامب ديفيد عام 1979، للتعامل مع أى مخالفات أو انتهاكات قد ترتكبها أى من الأطراف، مؤكدًا أن مصر حريصة رغم كل التحديات على استمرار الاتفاقية فى ظل دورها المحورى كركيزة للسلام والأمن والاستقرار فى المنطقة.
وأوضح الدكتور مهران أن اتفاقية كامب ديفيد تضمنت فى مادتها السابعة آليات متدرجة وواضحة لتسوية أى نزاع ينشأ بشأن تفسير أو تطبيق بنودها، تبدأ بالتشاور والتفاوض الثنائى المباشر، سواء عبر القنوات الدبلوماسية المعتادة أو من خلال لجان فنية مشتركة منصوص عليها فى الاتفاقية ذاتها، كاللجنة العسكرية المشتركة التى تم تشكيلها لمتابعة الترتيبات الأمنية فى سيناء.
وأضاف مهران أنه فى حال تعذر التوصل لتسوية النزاع عبر التفاوض، تنص المادة السابعة على إمكانية اللجوء لآليات أخرى، وتحديدًا التوفيق أو التحكيم بناء على اتفاق الطرفين، موضحًا أن التوفيق يتم عبر الاستعانة بطرف ثالث محايد لتقديم مقترحات غير ملزمة لحل الخلاف، أما التحكيم فينطوى على إحالة النزاع لهيئة تحكيم تصدر قرارات ملزمة ونهائية بشأنه.
كما أشار الخبير القانونى إلى أن اتفاقية كامب ديفيد لم تحدد جهة بعينها للتوفيق أو التحكيم، تاركة المجال لاتفاق الجانبين المصرى والإسرائيلى على اختيار أى آلية أو مؤسسة مناسبة، سواء على المستوى الثنائى أو الإقليمى أو الدولي، بما يتناسب مع طبيعة النزاع، لافتًا إلى أنه تم فى الماضى الاستعانة بالولايات المتحدة كوسيط لحل بعض الخلافات حول تطبيق الاتفاقية عبر التوفيق السياسى.
وحول أهمية اتفاقية كامب ديفيد، أكد الدكتور مهران أن المعاهدة شكلت نقطة تحول فارقة فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلي، حيث وضعت حدًا لحالة الحرب بين مصر وإسرائيل بعد نحو ثلاثة عقود من المواجهات المسلحة، مشيرًا إلى أنها تضمنت أحكامًا هامة لترسيخ السلام والتعاون، مثل الاعتراف المتبادل وإقامة العلاقات الدبلوماسية وتأمين الملاحة فى الممرات المائية الحيوية.
هذا وأضاف أن الاتفاقية، رغم انتقادات البعض لها، إلا أنها نجحت فى تثبيت ركائز أمن مصر القومي، حيث أعادت السيادة المصرية الكاملة على سيناء وفقًا لحدود الرابع من يونيو 1967، وأنهت الاحتلال الإسرائيلى للأراضى المصرية وحالة التوتر العسكرى المستمر على الحدود، ما مكن مصر من توجيه مواردها للتنمية والبناء، ومنحها هامش مناورة دبلوماسى أوسع على الصعيدين الإقليمى والدولى.
ومع ذلك، شدد الخبير الدولى على أن اتفاقية السلام تتضمن التزامات على كلا الطرفين، وأن أى خرق جوهرى لها من قبل طرف يرتب مسؤولية دولية عليه ويعطى الطرف الآخر الحق فى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية مصالحه، منوهًا إلى أن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة يمثل انتهاكًا لروح ونصوص الاتفاقية ويهدد أسس عملية السلام برمتها.
واستطرد مهران قائلًا: "رغم ذلك، فإن مصر بقيادتها، حريصة على استمرار الاتفاقية وعلى إدارة أى خلافات فى إطارها بشكل سلمى وعبر الآليات المؤسسية المنصوص عليها، حفاظًا على ما تحقق من مكتسبات وسعيًا نحو تحقيق سلام عادل وشامل ودائم للجميع فى المنطقة، ولعل ذلك يظهر جليًا فى الجهود المصرية الحالية لاحتواء التصعيد فى غزة والتوصل لوقف إطلاق نار يوقف نزيف الدم ويخفف المعاناة الإنسانية".
كما لفت إلى أن مصر، انطلاقًا من مسؤوليتها وموقعها، ظلت تقود العمل على كافة المسارات لحقن الدماء فى غزة، سواء عبر الاتصالات المكثفة والتنسيق مع كافة الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية لضبط النفس، أو عبر تحريك المجتمع الدولى فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتبنى خطوات عاجلة لوقف إطلاق النار، فضلًا عن جهودها الإنسانية لإدخال المساعدات للقطاع عبر معبر رفح.
وشدد أستاذ القانون فى ختام تصريحاته بالتأكيد على أن صمود اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية أكثر من أربعة عقود يؤكد متانتها وأهميتها، غير أن تحقيق السلام الحقيقى والشامل فى المنطقة لن يكتمل إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وهو الهدف النبيل الذى لن تنفك مصر عن السعى لتحقيقه بكل السبل الممكنة.
ويقول الدكتور طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، أن مصر دولة كبيرة وعندما اختارت طريق السلام كان هذا هو طريقها الاستراتيجي، حيث أن الاضطرابات والحروب لا تصل إلى شيء إنما السلام هو الذى يوصل إلى التنمية والازدهار والعمل على العيش الكريم لشعوب هذه المنطقة.
وأوضح "البرديسى" خلال تصريحه لـ "اليوم السابع"، أن مصر اختارت طريق السلام كخيار استراتيجى لا بديل عنه وتحرص على احتواء التصعيد الإسرائيلى الراهن، مؤكدا أن مصر لديها الآليات والأجهزة القادرة على التعامل باحترافية ومهنية مع كل التطورات فى غزة ومع كل التجاوزات والتطرف الإسرائيلى بما يحفظ أمنها القومى.
وأشار إلى أن هذا السيناريو الإسرائيلى لن يفرض علينا شيئا لم يكن فى حساباتنا، كما قال وزير الخارجية المصرى بأن أى خروقات أو أمور من شأنها أن تهدد اتفاقية السلام لها فاعليات منصوص عليها فى الاتفاقية والملاحق الأمنية وهناك لجنة عسكرية فنية عليا تستطيع التعامل والرد عليها بمهنية واحترافية وهذه جوانب فنية وشديدة التخصص.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة